يون فوسه لمترجمته المصرية: ضعوا علامات الترقيم بالطريقة التي تروق لكم!
لم يكن حصول الكاتب النرويجي يون فوسه على جائزة نوبل في الآداب لعام 2023 مفاجأة لكثيرين، إذ أن اسمه يتردد للحصول على الجائزة منذ سنوات طويلة. تعد نوبل هى الجائزة العالمية الرابعة التي يحصل عليها بعد جائزة آيسن الدولية وحصل عليها عام 2010، والجائزة الأوربية للآداب عام 2014، ووسام القديس أولفا الملكي عام 2011. ويري كثير من النقاد أن حصوله على الجائزة يعتبر انتصارا للكتابات المسرحية، بعد هيمنة الروايات والشعر عليها. وخاصة أن الأكاديمية السويدية قد أعلنت في حيثيات منح الجائزة “لمسرحياته المبتكرة وأعماله النثرية التي تعطي صوتا لما لا يمكن البوح به”.
فوسه في العربية
مع شهرته الواسعة، لم تكن كتاباته غريبة عن القراء العرب بعد إعلان اسمه فائزا بالجائزة أمس، إذ تطرق القراء العرب إلى أعماله لأول مرة قبل خمس سنوات، حين أصدرت “دار الكرمة” رواية «صباح ومساء» في عام 2018، وهي ترجمة أمل رواش، وشيرين عبد الوهاب.
وتكررت الترجمة من قبل الدار والمترجمتين نفسهم في عام 2022 بطرح ترجمة روايته «ثلاثية»، ومن خلال التجربتين تصف المترجمة أمل رواش النرويجية بأنها من اللغات ذات المصطلحات المعقدة والترجمة عنها مهمة صعبة تتطلب فهمًا عميقًا للغة والثقافة.
نصوص مفتوحة
في الروايتين “صباح ومساء” و”ثلاثية”، تم تكوين تعاون مثمر بينهما في مجال الترجمة، حيث تتمتع شيرين عبد العظيم بمعرفة قوية باللغة النرويجية ونقلتها شفيها بالعامية لأمل رواش والتي قامت بصياغتها باللغة العربية الفصحى.
الأسماء والأماكن والجوانب الثقافية كلها أمور كانت غامضة وغير مفهومة في كتابات يون فوسّه، وتولت شيرين عبدالعظيم مهمة إيضاحها من خلال فهمها للنص وثقافته.
واحدة من الأمور الغريبة في كتابات يون فوسّه هي عدم استخدامه لعلامات ترقيم، وكان السبب في تفكير أمل رواش في التراجع عن مواصلة الترجمة، وتقوللـ “باب مصر”: “فكرت في رفض الترجمة. ولم أتعرف عليه حتى بدأت عملية الترجمة. وبعد ترجمة 15 صفحة، قررت الاستمرار في الترجمة، وانتهينا من العمل وبدأنا في العمل التالي، وهو ثلاثية”.
لا تعد الكتابة بدون علامات ترقيم من سمات الكتابات النرويجية، بل هي واحدة من الأساليب الغير معتادة للكاتب يون فوسّه.
وتقول لـ “باب مصر” :حضرت مع الأستاذة شيرين ندوة يون فوسه في أوسلو، واستغلينا الفرصة لمناقشة ترجمة كتاباته إلى اللغة العربية ومشكلة علامات الترقيم”. وأجاب فوسه قائلاً: “ضعوا علامات الترقيم بالطريقة التي تروق لكم”.
حرصت أمل رواش على الحفاظ على الهدف الأساسي لكتابات فوسّه ولم تضع اي علامة ترقيم، وبالفعل وضعت “دار الكرمة” الناشرة ملاحظة في بداية الروايتين تفيد بأنه تم الاحتفاظ بالنص بدون علامات ترقيم للحفاظ على طبيعة الأسلوب في النص.
وفيما يتعلق بدور المترجم، أجابت أمل رواش قائلة: “هدف المترجم هو الحفاظ على النص دون إدخال رؤيته الشخصية”. وأوضحت صاحب 50 عمل مترجم، أن الهدف هو وضع القارئ في تجارب ومستويات متشابكة ومتغيرة، والقفز بين الزمن والمكان في نفس الجزء من النص.
نثر بطئ
يتميز أسلوب يون فوسه، على عكس الدراما السريعة الوتيرة، بأنه نثر بطيء. ويتسم أسلوبه بتقديم تفاصيل متنوعة من المشاهد والأماكن والأحداث والتأملات، مما يجعل القارئ ينسى موقعه الحالي نظرًا للانتقال المستمر بين الأحداث.
وهذا التردد والتباين هو جزء من العمل الروائي، ولم ينجح أي كاتب آخر في تنفيذه مثلما فعل فوسه. وهذا هو هدفه، حيث يتحرر من القيود ويسمح للنص بالتدفق بطريقة تجعل القارئ ينتقل بسلاسة من مستوى إلى آخر.
وتستكمل لـ “باب مصر”: “ترجمة هذا الأسلوب لم يكن مهمة سهلة، وكنا نضطر في بعض الأحيان للتوقف لمدة يومين لوضع خطة عمل، وأقيم أعماله كقارئ، بأنها كانت صعبة بالنسبة لي في البداية، لأنني نشأت على أسلوب كتابة مختلف. ومع ذلك، يتقبل الأجيال الجديدة هذه التحولات بشكل أسرع منا”.
يندمج العملان في إيقاعات موسيقية، حيث ينتقلان بين مستويات التأمل في العلاقات الإنسانية الغريبة. يركزان على فترة الفقر قبل انفجار الحضارة والمدنية في النرويج، ويتحدثان عن المنازل البسيطة والأكواخ والصيد والقوارب والمياه، وهي جزء من تاريخ النرويج.
يون فوسّه.. كاتب أجيال
يتحرص في كتاباته على نقل القصة عبر أجيال متتابعة، حيث يحمل الأجيال الذكريات من جيل لآخر، وهذا التباين الزمني والعلاقات الإنسانية المعقدة يجعل القارئ يعيش تجارب جديدة ومثيرة.
تتسم لغة كتاباته بأنها بسيطة وخالية من الألفاظ المعقدة أو الأسلوب المجهول، وتنتمي أعماله إلى الأدب النرويجي بامتياز، حيث ينقل ثقافة البلد.
يحتفظ فوسّه بأكبر قدر من تفاصيل الثقافة النرويجية، وهو ما يميز النص ويجعل أي شخص غير ملم بثقافة النرويج يتعرف عليها، خاصة تلك المتعلقة بالفترة القديمة في الخمسينات والستينات.
وتقول: “أكبر دليل على احترامه واحتفاظه بكل جوانب الثقافة النرويجية هو فوزه بجائزة نوبل في الأدب، حيث يركز بشكل أساسي على التعبير عن ثقافته وبلده وطبيعته”.
وتستطرد: “قد يتبنى القارئ موقفًا معاديًا لكتاباته، ولكن بعد الاستمرار في القراءة، سيندهش ويدرك أنه كاتب أجيال. أنا نفسي اقتربت من سن الستين واستمتعت بأسلوبه وأعتقد أن الشباب يحبون طريقة كتابته المتحررة”.
قارنت كتاباته بأنه تشبه الشعر الحر، وعلى حد وصفها: “أعتقد أنني قارئة جيدة للروايات ولكن هذه هي المرة الأولى التي أجد فيها كاتبًا يعبر عن صوت الماء والهواء ولا يقتصر على وصفها فقط”.
كتابات تمثل الثقافة النرويجية
يستخدم فوسه مصطلحات وكلمات لا يعرفها إلا النرويجيون، وعند البحث عنها في القاموس، لا يوجد معلومات أو مرادفات باللغة الإنجليزية، فهي تعتبر جزءًا من ثقافة النرويج التي يحتفظ بها الكاتب والتي تميز النص وتمنح القراء الأجانب فرصة لاكتشافها، خاصة المعلومات القديمة التي تعود للخمسينات والستينات.
وتتابع: قد يواجه القارئ انزعاجًا من أسلوب كتابته، ولكن بمجرد متابعة القراءة، سيصاب بالدهشة وسيدرك أنه كاتب للأجيال. وأنا شخصيًا تقربت من سن الستين واستمتعت بأسلوبه، وأعتقد أن الشباب يحبون أسلوبه المتحرر في الكتابة”.
تشبه كتاباته الشعر الحر الذي واجه مقاومة كبيرة في بدايته، ولكن يحظى بشعبية كبيرة بين الشباب. ويحتفظ بجوهر الثقافة النرويجية في كل مشهد وحركة.
واحدة من الأمور الغريبة التي يتبعها يون فوسه في كتاباته هي كتابة صوت الماء والهواء ولا يقتصر على وصفها فقط، ومن الممكن ان يمتد وصف الصوت بالحروف يمتد لـ 5 او 6 سطور.
بين فوسّه ومحفوظ
يتشابه الأديبان نجيب محفوظ ويون فوسّه بأن كلاهما حاز على جائزة نوبل لنقل ثقافة بلده عبر كتاباته، وهناك بعض الأمور المتشابهة بينهما أيضا مثل كتابة كلا منهما “ثلاثية” روائية واستخدام كلمات من ثقافة البلد نفسها.
“هل يتشابه أدب يون فوسّه ونجيب محفوظ ؟”، أجابت أمل رواش: “نقل نجيب محفوظ الأجواء المصرية ومشاهد من الحارة المصرية وتتبع الأجيال، وهي متشابهة في أن كل منهم عبر بطريقته عن طبيعة بلده، وغير متشابهة لأن اسلوب الكتابة مختلف تماما وأعتقد لو نجيب حي وقرأ أعماله سيعترض عليها، حتى فكرة الثلاثية تختلف لأن الثلاثية مع فوسّه لها شكل مختلف تماما عن ثلاثية محفوظ”.
اقرا أيضا:
وثائق نوبل السرية للأدب عام 1972: طه حسين وتوفيق الحكيم ينافسان على الجائزة