في سوق الفسطاط.. “هوا سينا” على أرض القاهرة
كتبت ندى ضياء- القاهرة:
فى دورته الثانية على التوالى يستمتع سكان القاهرة بجمال المنتجات السيناوية من خلال المهرجان الأول للفنون التراثية السيناوية.
والمهرجان الذي يعرض فنون سيناء المتعددة، عقد على مدى يومين فى دار الأوبرا المصرية فى أبريل 2016 ضمن أعياد سيناء وحاليا ينعقد المهرجان في سوق الفسطاط .
حينما جلست تلك المرأة البسيطة تحيك الخيوط ذات الألوان المبهجة على القماشة السوداء، والتي تعلمت تفاصيل حياكتها من والدتها والتي تعلمتها من والدتها بدورها، في أقاصي شمال سيناء، لم تكن تعلم أن الحرفة التي تشربت تفاصيلها بالوراثة، هي فن أصيل يتنافس على ارتدائه العديد من سيدات القاهرة ليتباهين بجمال المنتجات يدوية الصنع ذات الألوان البراقة والخياطة متناهية الدقة.
في محاولة لدعم الأسر التي تعيش بشكل أساسي على صناعة المنتجات اليدوية السيناوية، والتضامن مع الظروف السياسية التي تفرض على أهلها الحصار وعدم الحركة، بالتزامن مع أعياد سيناء، نظم صندوق التنمية الثقافية المهرجان الأول للفنون التراثية السيناوية بدار الأوبرا.
عبرت نهلة أمام، رئيسة قسم العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية في أكاديمية الفنون أن أجمل ما يميز تراث سيناء هو احتفاظه بأصالته وبعده عن التغيرات المجتمعية الحديثة معلقة.
“كون سينا مجتمع مغلق منزوي عن المدن بسبب جغرافيتها، يجعل أهلها محتفظين بتراثهم بالصورة الأصلية التي كان عليها دون دخول أي متغيرات حديثة عليه، وهو الأمر الذي يجعله مختلفا ومميزًا عن العديد من التراثيات الأخرى التي أصبحت تتلاشى نتيجة انخراطها بالحداثة”.
هكذا تقول نهلة، موضحة أن عزلة المجتمع بعيدًا عن سيناء جعله مؤخرًا أكثر انجذابا وتشوقا لمعرفة التراث المختلف، والمتمثل في الأفكار والأمثال والأكلات والأغاني التي تكون الثقافة العامة التي يراها الشعب مختلفة لدى أهل سيناء بمختلف أطيافهم.
تتابع “ولذلك يجب عمل العديد من هذه المهرجانات التي تقرب ما بين ثقافات مختلفة تقع ضمن أطار جغرافي واحد في نفس الدولة”.
“آني أبيع هذه المشغولات من كان عندي 10 سنين” بلهجة سيناوية أصيلة يقول أحمد الرفاعي، أحد العارضين، مستكملًا “الأول كنت أبيع مشغولات أمي وخواتي البنات، الحين أصبح في 250 بنت تشتغل معانا ونطلع كل أنواع المنتجات وفاتحين بيوتهم منها”.
رغم مظهره البدوي بالجلباب وغطاء الرأس، يقول أحمد إنه يتابع تصميمات المنتجات الحديثة، ليطور الصناعات اليدوية المحلية لتكون على نفس الحداثة، “تراثنا يقوم على تطريز العبايات السوداء لأنها عادة ما ترتديه النساء عندنا، ولكن مؤخرًا أصبحت السيدات في المدينة يميلن إلى المزج ما بين الحداثة والتراث، فعدلنا الموديلات لتصبح بلوزات قصيرة مطرزة بدلًا من العباءات الطويلة وبذلك من الممكن أن ترتدى على البنطلون وكذلك يكون سعرها أرخص من العباءة الطويلة والتي تستغرق وقتا وجهدا أكبر في التطريز”.
ويعبر أحمد كذلك عن أزمة الأسر التي تعتمد بشكل أساسي وكلي على ريع المشغولات اليدوية قائلا “البنات عندنا مبتتعلمش وبتشتغل طول شهور الشتا تطرز، والرجالة بتشتغل كام شهر في البحر فترة الصيف بس، مصدر دخلنا الأساسي انقطع بعد الأحداث الأخيرة”.
يضيف أن مصدر الدخل الوحيد الذي أصبح متبقي هو التصدير للدول الخارجية الذي تقوم به بعض المواقع المحلية مثل يدوية، قائلا “احنا ماسكين الجزء الخاص بشمال سينا مع يدوية، لكن لو في يوم مجاش طلبات، احنا ملناش أي مصدر ناكل منه عيش حاف حتى غير من المعارض دي”.
تتراوح أسعار المنتجات من 20 جنيها الى 1000 جنيه، ويعلق الرفاعي “في مشغولات البنات بتقضي شهرين تعمل فيها، وفي حاجات بتقعد يومين، ازاي الناس عايزة تساوي ما بين مجهود دا وده”.
بينما تقول رانيا فائق، مسؤولة التجهيزات الفنية لاحتفالية سيناء، إن السبب الرئيسي وراء تنظيم الاحتفالية هو تحقيق القرب الثقافي بين سكان القاهرة كمدينة وسكان سيناء “لقد أردنا أن ننقل يومين كاملين من الحياة في سيناء وعادات أهلها الى أراضي القاهرة، عبر منتجاتهم، وأطعمتهم والشاي والقهوة، وبالتأكيد لم نغفل القعدة السيناوي في الخيام المفروشة بسجاد يدوي الصنع على الأرض. بجانب رغبتنا في أن نفتح لهم سوق مجاورة للبيع فيها خاصة بعد أحداث العريش وحظر التجوال فيها”.
استمر المهرجان ليومين فقط، اشمل معرضًا للمنتجات السيناوية المختلفة، والتي صنعت جميعا بصورة يدوية، بالتزامن مع فقرات شعرية للشاعرين السيناوين عطية المرزوقي وحمدان ضيف الله، بالإضافة الى الأغاني التراثية التي تولت فرقة العريش للفنون الشعبية أداءها.