هل يمكن تحقيق سينما مستقلة بتكلفة منخفضة في الجنوب؟

بينما كان فيلم «أبو زعبل 1989» يُعرض في مهرجان القاهرة السينمائي قبل فوزه بجائزة أسبوع النقاد بالمهرجان، كفيلم من إنتاج مستقل مصري ألماني، جلس أربعة من صناع السينما بالقرب من شاطئ النيل بأسوان، ليناقشوا كيف يمكن لمخرج أفلام من الصعيد الصمود أمام تحديات الصناعة وفرص النجاة؟

شارك في النقاش المخرجون ياسر نعيم، ومينا يسري، ومدحت صالح، والمنتجة صفاء مراد، مديرة مهرجان أسوان لأفلام المرأة. وقد اتفقوا على أن تحديات السينما المستقلة عامة في مصر تزيد مع ضعف الإمكانيات في الصعيد، حيث يعتمد المخرجون على التمويل الخارجي لإنتاج الأفلام. إضافة إلى المسافات الواسعة بين المحافظات التي تعوق الإنتاج التشاركي.. جاء ذلك خلال جلسة نقاش في ختام مشروع «خارج حدود العاصمة» بدعم من معهد جوتة الثقافي لدعم مشروعات ثقافية بالمحافظات.

فوز أفلام

ورغم هذه المعوقات، لم تمنع فوز فيلمين خرجا من تجارب بصعيد مصر، حيث فاز فيلم «ريش» للمخرج عمر زهيري وبطلته دميانه نصار، بالجائزة الكبرى لدورة مهرجان كان عام 2021، ثم جائزة أفضل فيلم في مهرجان بينجاو في الصين. كما فاز فيلم «رفعت عيني للسما» بجائزة أسبوع النقاد في مهرجان كان 2024، وهو من إنتاج فرقة “بانوراما البرشا المسرحية” بمركز ملوي.

يقول مينا يسري، مخرج أفلام مستقل من مدينة ملوي بالمنيا: “تحديات السينما واحدة في مصر، لكن أهمها هو التعبير الصادق عن حالة المجتمع المحلي. خاصة أن الصورة في الأفلام والدراما عن الصعيد مثلا تقتصر على صورة نمطية تتعلق بقضايا الثأر والمخدرات وتجارة السلاح، حتى الممثلين الجدد الذين يقدمون أدوارا لشخصيات صعيدية يقتصرون على تقليد الصورة التي رأوها في الأفلام وليس المجتمع الواقعي”.

وأشار إلى تجارب مهرجانات السينما في أسوان والأقصر، التي تظل بعيدة في جنوب مصر حتى بالنسبة له، حيث يسكن بمدينة المنيا التي تبعد عن أسوان نحو 600 كيلو متر، في حين أن مهرجانات القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية وحتى الجونة أقرب إليها. وهذه المهرجانات قد لا تعبر عن  المجتمعات المحلية، والمشاركة فيها تمثل إرهاقا للمخرجين من الصعيد.

وأضاف يسري: “نفهم أن مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية له توجه بتوطيد العلاقات المصرية مع دول القارة، ولكن لم نشعر أنه يفيد صناع الأفلام في الصعيد. لذا يجب أن نعيد تفكير في أن يكون صناع السينما في المنطقة جزءا منه. كما ينبغي تطوير دور المشروعات الثقافية في طرق التدريب على صناعة السينما كفن مكلف، لا نستطيع تحمله في الصعيد. نعمل في حدود الإمكانيات المتاحة بعيدا عن فرص التدريب في الورش المجانية أو المدفوعة المتوفرة بالقاهرة”.

سينما منخفضة التكلفة

اتفق مع مينا جزئيا المخرج ياسر نعيم، الذي رأى أن نقص الإمكانيات في صناعة السينما عموما في مصر يمكن التغلب عليه بالتفكير في إنتاج سينما منخفضة التكلفة. والتعاون من خلال اندماج المبادرات السينمائية في الصعيد أو حتى في مصر ككل. وأشار إلى الاستفادة من تجربة دول مثل الدنمارك وشمال أوروبا في التسعينيات، التي اعتمدت على إنتاج أفلام بتكاليف منخفضة.

ويقول لـ«باب مصر»: “نحتاج كصناع سينما إلى الاندماج بين المبادرات، والبحث عن سبل التعاون بين من يملك القدرة على التصوير ومن له مساحة في المونتاج مثلا أو التوزيع. وتبادل الاستفادة في الإنتاج دون الاعتماد على التمويل الخارجي. لأنه قد يتوفر هذا العام ولا نجده في العام المقبل. لذا يكون الحل في الإنتاج التعاوني بين صناع السينما المستقلين في الصعيد أو حتى في القاهرة”.

وأضاف: “هذا يقودنا إلى التفكير في كيفية إنتاج أفلام منخفضة التكلفة، دون إبهار في الصناعة، وتقليل الاعتماد على الإضاءة الصناعية، ومع تكلفة إجراءات تصاريح التصوير في الشوارع، وفي هذه الظروف كيف نفكر في كل شيء إلا إنتاج سينما منخفضة التكلفة”.

باهظة التكلفة

واستكمل نعيم: “السينما مشكلتها أنها عمل جماعي وصناعة باهظة التكلفة. الفارق في مرحلة الإنتاج سابقا في الأفلام القابلة للتحميض كان له منظومة قيم معينة بحكم أنها وسيط للتصوير مكلف، حيث لا توجد إمكانية لإعادة تصوير اللقطة أكثر من مرة، وفرضت مراحل تحضير مثل التدريب بالبروفات وتركيز على تقنيات التصوير”.

ولكن مع تحول التصوير إلى الديجيتال، وهو وسيط أرخص وأكثر ديمقراطية، أصبح  في أيدي الكثيرين. لكنه فرض منظومة قيم مختلفة، إذ أصبح أبسط وأسهل. لكن مع هذه السهولة، واجهنا تحديات مختلفة، مثل بدء التصوير قبل الكتابة أو إجراء بروفات تحضيرية مع النص السينمائي. قد تجد ممثلين لا يعرفون معني «بروفة ترابيزة» على سبيل المثال. وقال: هذا منح أفلام تقنيا “مش بطالة”، لكن ينقصها عنصر مهم مثل الكتابة الجيدة، وواضح فيها نقص التحضير، مع الاعتماد على مشاكل التصوير والمونتاج بسبب التكنولوجيا المتطورة. وإن كان من الممكن استخدام هذا التطور لإنتاج «أفلام كويسة».

ويتخوف المخرج من أن من هذه الإتاحة قد تفرض قيودا إضافية على التصوير في الشارع. مع التخوف المتزايد من وجود كاميرا في الشارع، والعداء من فكرة وجود شخص يحمل كاميرا، رغم وجود كاميرات في الهواتف. كما أشار إلى إجراءات حكومية ورقابية، وتكاليف استخراج التراخيص ورسوم التصوير في الشوارع. مما يجعلنا نعود للتفكير في الإنتاج التعاوني بين صناع السينما المستقلين.

مهرجان أسوان خطوة أولى

تقول المنتجة صفاء مراد، المدير الفني لمهرجان أسوان لأفلام المرأة: “فتح المهرجان فرصة لورش التدريب على صناعة السينما والكتابة. وهي بمثابة خطوة في اتجاه الصناعة. وخلال الدورة السابقة للمهرجان، أصبح أرشيف الأفلام المنتجة من الورش يحتوي على 50 فيلما أنتجها شباب وشابات من أسوان. صحيح أنهم متفاوتون في الجودة إلا أنها خطوة لشباب تطور إنتاجه ووصل لمهرجانات أوسع مثل الجونة أو قرطاج”.

تعتبر مراد أن الخطوة الأولى في ورش التدريب بالصعيد مازالت مهمة، على المخرج أن يفكر في خطواته المستقبلية. وأضافت: “رغم أن كثيرا منهم لا يستمر بسبب نقص التمويل أو الأفكار، وهذا هو حال السينما. فكثير من خريجي معهد السينما بالقاهرة يتخرجون بمشروع فيلم، وبالكاد يستطيعون إنتاج فيلمهم الأول. ويحتاجون إلى جهد كبير للوصول إلى شركة إنتاج تدعم فيلمهم للحصول على دعم من جهات خارجية. وهنا يأتي دور المهرجانات التي توفر فرصا للتشبيك بين صناع الأفلام المستقلين والمنتجين بعرض أفكارهم”.

وأشارت مديرة مهرجان أفلام أسون إلى احتياج المهرجان لأن يشعر أهل المدينة بأنه ملك لهم وليس لمجموعة المنظمين من القاهرة فقط. لذا تم فتح المجال أمام مشاركات من أسوان أثبتوا كفاءتهم في اللجان التنظيمية لإدارة المهرجان مثل فاطمة خصري وأسماء يعقوب في المكتب الفني. لقيامهما بمهام تنفيذية لبرامج المهرجان ونحاول توسيع الأدوار مستقبلا.

وأوضحت: “ندرس توسيع فئات المهرجان في الدورات المقبلة بسينما الجنوب، من خلال استضافة أفلام تتحدث عن الصعيد، وليس من الضروري أن تكون من إنتاج المخرجين من الصعيد، ولكن دعما لمحافظات الصعيد، نفتح المزيد من الأفق للشباب للتعرف على أفكارهم في محافظات لا تخرج منها صناعة السينما”.

 سينما مستدامة من دول تمويل

اختلف المناقشون حول أهمية استمرار التمويل ودعم المؤسسات لعمل السينما المستقلة. بدأ المخرج مينا يسري بمزحه قائلا إنه إذا توقف الدعم عنه، سيتجه لمشروع تجاري بعربة فول. لكنه عاد وفسر قوله بأن الفكرة بأن العمل الفن في مناطق مهمشة من دون تمويل لن يستمر فعليا، لذلك يبحث دائما عن الدعم المالي.

وقال مدحت صالح، مخرج أفلام ومؤسس مبادرة نغمشة للسينما بسوهاج: “عملت لسنوات دون دعم مالي، لكن الأمر يزداد صعوبة في الصعيد. نحتاج للسفر إلى القاهرة، وتزداد الصعوبات إذا كانت فتاة من قرية نائية في الصعيد. حيث لا يوجد دور سينما ولا نقاشات جادة عن السينما أو الأفلام سوى في مناطق متفرقة ومبادرات فردية”.

فيما أشارت صفاء مراد، مديرة مهرجان أسوان لأفلام المرأة، إلى الدعم المالي والمعنوي لصناع الأفلام، من خلال تقديم خدمات الأرشفة والإنتاج. بالإضافة إلى تقديم مشروعات لشركات الإنتاج يمكن أن تتبنى أفكار الأفلام المستقلة.

اقرأ أيضا:

حادث أم تخريب؟ جدل حول حريق «مقهى المستكاوي» بالإسماعيلية

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر