من واقع مذكراته: حكايات عبدالحليم مع عبدالوهاب وأم كلثوم وجمال عبدالناصر
كتب عبدالحليم حافظ مذكراته مرتين ونشرت علي حلقات في حياته، الأولى نشرتها مجلة صباح الخير بداية من عام 1973 ثم توقف وتابعت النشر بعد وفاته مباشرة مع وضع صورة خطية له كتب فيها “عندما فكرت في كتابة مذكراتي أحسست أنني أريد أن أصرخ بكل ما حدث في عمري مرة واحدة، “حب- وفاء- مرض- خيانة – صداقة – ألم – سعادة – رحلات إلى معظم بلاد الدنيا. باختصار الحياة رحلة رائعة رغم كل ما فيها من الآلم، والآن أحاول بهدوء أن أحكي للأوراق حكايتي.. عبدالحليم حافظ”،
وقد سجل هذه المذكرات الكاتب الصحفي منير عامر، ونشرها فيما بعد في كتاب.
مذكرات عبدالحليم
أما المرة الثانية التي نشر لعبدالحليم مذكراته على حلقات فكانت في مجلة “آخر ساعة” وهي المذكرات التي حققتها ” إيريس نظمي” ونشرت منها حلقتين قبيل وفاة عبدالحليم في مارس 1977، وتابعت نشر الحلقات بعد وفاته، يتحدث في المذكرات عن محطات وشخصيات ومواقف أثرت في حياته ولم ينساها أبدا فيتحدث عن اللقاء الأول مع عبدالوهاب، وأم كلثوم وخلافه معها وعن مواقف وشهامة تحية كاريوكا واتصال جمال عبدالناصر به وطلبه له بأن يتزوج كما يتحدث عن خلافه مع بليغ حمدي.
يحكي عبدالحليم عن اللقاء الأول الذي جمع بينه وبين محمد عبدالوهاب ويوصفه بأنه أول دور قمار في حياته فيقول: “أحسست بذلك وأنا أدخل عليه في منزله بجليم ومعي مجدي العمروسي وكنت قد طلبت منه أن يسمع صوتي فأخرج من جيبه ورقة نقدية ليعطيها لي، أحسست أن هذه النقود عقرب يلدغني فأنا لست في حاجة إلى نقود كنت في حاجة إلى اعتراف بموهبتي، وبعد أن نجحت أغنية “على قد الشوق” في الإذاعة وطلبني عبدالوهاب ليلقاني في مكتبه بشارع شريف كنت أحس أن هذا اللقاء هو أخطر دور سيكسب وكانت نصيحة إحسان عبدالقدوس لي أن عبدالوهاب له طريق وأنت لك طريق سيستفيد منك ومن كمال الطويل والموجي وسيقدم أحلى ما فيكم للناس لأنه موجود من قبلكم فانتبهوا، وعندما دخلت حجرة عبدالوهاب في مكتبه كان معي الموجي وقال لي على السلم “أنا خايف الراجل ده ياخدك مننا” فقلت للموجي: ماتخافش وطلب مني عبدالوهاب أن أغني وبدأت بالأغاني الخاصة بي ورأيت عبدالوهاب يبكي وتساءلت بوجهي البرئ: أيه يا أستاذ عبدالوهاب؟ فقال: أنت رائع لأول مرة حد بيغني من غير ما يقلدني وبسرعة استعاد عبدالوهاب ذكاء اللاعب وقال لي: قوم اتفرج عليك، وقمت وقال لي “لف” ودرت حول نفسي، قال لي: أنت شاب رقيق تصلح للسينما، عرفت لحظتها أنه سيعرض علي عقودا سينمائية لن تنفذ، قولت لنفسي لا يهم المهم أني حصلت على الإعتراف. ومن عبدالوهاب واللقاء الأول ينتقل عبدالحليم لذكرى أخرى كان لعبدالوهاب أيضا يدا فيها دون أن يتدخل شخصيا فقد كان عبدالحليم على موعد مع حفل في الإسكندرية وطلب منه المعلم صديق متعهد الحفلات أن يغني لعبدالوهاب فرفض وغنى أغانيه الخاصة فرفضها الجمهور وهتفوا بأعلى صوت “إنزل…. إنزل… إنزل” حاول عبدالحليم الغناء مرة أخرى بعد أن جفف دموعه ولكن بلا جدوى لا فائدة مع هذا الجمهور وقرر أن يرحل وضاعف أحزانه أنه لم يكن معه نقودا ولا مع الموجي لقد رفض أجر الحفلات فالأغنية فشلت والجمهور الإسكندراني رفضه وجاءت الفنانة تحية كاريوكا وكانت تقدم فقرة في الحفلة وشعرت أن عبدالحليم مفلس وليس معه أي نقود تكفي طعامه وعودته للقاهرة فقدمت له مبلغا من المال بدافع الإشفاق والعطف حتى يشتري طعاما ويعود إلى القاهرة ويبتسم عبدالحليم بعد سنوات وهو يتذكر موقف تحية كاريوكا قائلا: “تصوروا حتى الآن مارجعناش الفلوس اللي أخدناها من مدام تحية وظل هذا القرض بلا سداد”.
وفي عام 1966 كادت مصلحة الضرائب أن تحجز على كل ما يملك عبدالحليم حافظ لأن أحدا لم يصدق أن تكاليف العلاج في عام واحد وصلت إلى 42 ألف جنيه ولم يكن الملك الحسن قد قرر علاجه، فاضطر عبدالحليم أن يلعب قمارا على نقود فيحكي عن المرة الوحيدة التي لعب فيها وهو محتاج للنقود كانت عام 1966 وكان وقتها مديونا فكانت تكاليف العلاج والسفر للخارج باهظة فوق طاقة أي إنسان ويكفي أن فاتورة الدواء أحيانا كانت تصل إلى تسعة آلاف جنيه استرليني ولعب عبدالحليم في جلسة مع أقطاب هواية اللعب وفيهم أصحاب الملايين ويقول: “أحسست أن هناك من يلعب معي وهو يعرف ظروفي وخسر هذا الرجل ثمانين ألف جنيه، كنت لا أتحمل الموقف وكنت أحس أن هذه النقود حرام وأنني لا أستطيع أن استعملها في العلاج أو في شراء أي شئ وحاولت أن أرد النقود ولكن صاحبها قال لي بحب بالغ: أنا بكسب منك كتير عيب، ورفضت وفهم ولكنه قرر أن يعالجني في ذلك العام على نفقته”.
وحدث أن وصل الأمر إلى أن أحد المسؤولين أمر بألا تذاع أغاني عبدالحليم حافظ في الإذاعة ويقول عبدالحليم: “كنت لا أهتم إلا بشئ واحد لماذا أصبح أمر إذاعة أغنية لي يحتاج إلى واسطة وذهبت أطلب مقابلة الرئيس جمال عبدالناصر وتأجل طلبي وحاولت أن أتصل به مباشرة لكني لم أعرف رقم التليفون وكانت هناك معركة قد بدأت بيني وبين أم كلثوم، كانت تريد أن نكون جميعا مجرد رعايا في بلاط الفنانة الكبيرة وكنت كعادتي متمردا قلت رأيي في إحدى أغنياتها فلم يعجبها هذا الرأي وأصررت على رأيي وتعجبت لماذا تغضب أم كلثوم من مجرد رأي في أغنية. أن لكل مطرب أكثر من أغنية فاشلة، لماذا تعتبر إذن مجرد أغنية فاشلة هى إهانة لها؟، لماذا تنسى أم كلثوم أنني كنت الجسر الذي سارت عليه وسار عبدالوهاب ليلتقي كل منهما بالآخر، ويتذكر عبدالحليم عام 1962 عندما كانوا يجلسون على مائدة العشاء مع عبدالناصر في عيد الثورة ويقول عبدالحليم: لو أن الفن يتعمل بقرار كنت طلبت من سيادتك يا ريس إنك تأمر عبدالوهاب بتلحين أغنية لأم كلثوم من موسيقى عبدالوهاب، فقال عبدالناصر: يا ريت الفن يتعمل بقرارات كنت أصدرت القرار فورا.. وبدأت بروفات أنت عمري.. يتعجب عبدالحليم من أمر أم كلثوم وكيف تتحول إلى طفل صغير لا تتحمل كلمة نقد وتتدخل لمنع أغانيه ولكنه رفع سماعة التليفون وطلبها وقال بالحرف الواحد:
- أنت أعظم مطربة في مصر والعالم صحيح لكن إنك تهيني حد ده اللي ملوش لزوم.
وقالت أم كلثوم طيب تعال اشرب معايا قهوة وأنا أصالحك، ما أن دخل عبدالحليم عليها البيت وكان يحمل في يده وردة واحدة استقبلته قائلة: ده أنت ابني وانتهت المعركة ليفاجئ بعدها عبدالحليم بأن تليفونه الخاص يدق بعد الظهر وكان الصوت على الطرف الآخر يقول:
- أنا جمال عبدالناصر
يرتجف عبدالحليم قائلا: أهلا يا فندم ليستدرك عبدالناصر قائلا:
- متاعبك في الإذاعة حاتنتهي.. أنا سمعت إنك زعلان لأن الأغاني مش بتتذاع كتير وده غير معقول أنت ثروة وطنية
- شكرا يا فندم
قال عبالناصر: بس حافظ على صحتك، أنا رأيي أنك تتجوز علشان حد يرعاك.
- أوامرك يا فندم
- الجواز طبعا مش بالأمر لكن أنا باتمنى لك السعادة.
وانتهت المكالمة وفوجئ عبدالحليم بأنه غارق في العرق، هل يمكن أن يحدث ذلك؟، ها هو أكبر رأس في البلد يتحدث مع عبدالحليم ولم يكن حليم بحاجة لأن يعرف أن أم كلثوم هى التي استطاعت أن تجعل عبدالناصر يتصل به. ويفكر عبدالحليم في الزواج بناءا على طلب أو أمر عبدالناصر ويسأل الطبيب في لندن: أريد أن أتحدث معك في موضوع خاص جدا وأن تجيبني بكل وضوح.. هل مرضي يمنعني من الزواج؟
قال له الطبيب: لا يوجد شئ ممنوع.
ولكن انتهت حياة عبدالحليم حافظ دون أن يكون له حظا في زوجة أو أولاد.
اقرأ أيضا
معركة «التعاويذ» بين عبدالحليم حافظ وبليع والموجي!
تعليق واحد