«من القلب للقلب»: ذكريات محمد عبلة وانطلاقته الأولى في لقاء مفتوح
كتب: محمد حيزة
عقد موقع «باب مصر» التابع لشركة ولاد البلد للخدمات الإعلامية، لقاءً مفتوحا مع الفنان التشكيلي محمد عبلة، على هامش افتتاح معرضه «محطات» بمتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية.
وخلال اللقاء كرم المهندس حسن وصفي، نقيب التشكيليين بالإسكندرية، الفنان محمد عبلة، في حضور الدكتور وليد قانوش، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، والدكتور علي سعيد مدير، متحف الفنون الجميلة، فاطمة فرج، مدير شركة ولاد البلد للخدمات الإعلامية، ومحمد شعير رئيس تحرير موقع باب مصر.
مؤرخ المدينة
بدأ اللقاء بكلمات ترحيبية بالحضور، وتم عرض فيلم تسجيلي بعنوان “مؤرخ المدينة”، والذي يحكي سيرة ذاتية مختصرة، عن رحلة الفنان محمد عبلة. وتدرجه الفني منذ نعومة أظفاره منذ إن كان طالبا بالمرحلة الثانوية العامة. وحتى التحاقه بكلية الفنون الجميلة في الإسكندرية، خلال فترة السبعينات من القرن الماضي.
أدارت اللقاء شيماء رمزي، مدير مساحة شلتر للفنون، والتي بدأت حديثها مع “عبلة” حول الصعوبات التي واجهها في مسيرته الأولى. حينما وطأت قدمه محافظة الإسكندرية، بعد إتمام دراسته الثانوية، باحثا عن فرصة في كلية الفنون الجميلة. بعدما أصر والده أن يلتحق بالكلية الحربية، ليصبح ضابطا بالجيش. إلا أن عبلة اختار طريق الفن، وبدأ مشواره باحثا عن راعي لموهبته، فأخذ في البحث عن فنان شهير وهو “سيف وني”.
ذكريات عبلة
ويقول عبلة: “ذهبت للالتحاق بكلية الفنون الجميلة، وتم رفض طلبي، فلجأت للفنان سيف وني، الذي ظللت أبحث عن منزله، بدأت في سؤال أصحاب محال البراويز لتوقعي أنه يتعامل معهم من أجل لوحاته. ودله أحد أصحاب تلك المحال على محل البراويز الذي يتعامل معه “سيف”. واكتشف أنه يسكن أعلى هذا المحل، وذهب إليه في منزله، وعرفه بنفسه وعلى رحلته، قادما من الريف للدراسة التشكيلية والفنية،.فاتصل “سيف” بعميد الكلية، والذي سمح له بمقابلته بعد أن اطلع على لوحاته وأعجب بفنه، وبدأ مشواره في الدراسة الأكاديمية”.
وتابع: سافرت إلى ألمانيا بعد أول معرض فني لي، بعد إتمام دراسة الفنون الجميلة بالكلية. وكان معرضي في القاهرة حيث لاقي نجاحا باهرا لم يكن متوقعا. مشيرا إلى أن الحياة في الإسكندرية كانت سهلة وبسيطة ولم يكن هناك تجارة فن ولا إثارة مادية. ومعظم حديثنا كان عن الفن وأصوله، وفوجئت بأن لوحاتي تباع في معرض القاهرة ولم أكن أعرف.
أول معرض
وأوضح عبلة: الافتتاح كان عظيم وكان فيه الكثير من الفنانين، لغرابة اسمي، والجرائد نشرت تحت عنوان الفنان السكندري الكبير. ولما رأوني لم يصدقوا أني صاحب المعرض لحداثة سني، وبالصدفة كان وزير الخارجية الإسباني موجودا وحضر وقال إني لابد أن أدرس في إسبانيا، وذهبت بعد انتهاء الجيش لأكاديمية الفنون بإسبانيا، وطلبت أن ألتحق بدرجة الماجستير.
واستطرد حديثه قائلا، فوجئت أنه لا يوجد درجة الماجستير، فرفضت المنحة. فتعجبوا مني وعرضوا علي البقاء مقابل تقاضي أموال المنحة وعشت في إسبانيا حياة مريرة، كنت أعمل بائع متجول وكان البوليس يطاردني.
وتابع عبلة: انتقلت لباريس ودخلت متحف اللوفر وبقيت فيه شهرا، ثم انتقلت لألمانيا وأقمت معرضا ناجحا جدا بعت كل اللوحات. وأجرت مرسم، وعشت حياة سعيدة في ألمانيا، وأقمت عروض كثيرة، ومضيت عقود كثيرة جدا لدرجة أني لم أجد وقت للرسم. حتى وصلت لمرحلة عدم القدرة على الرسم، وكنت أذهب لمصر خلسة أسبوعا حتى أتمكن من الرسم وأشاهد ما يحيي ويثري مخيلتي الفنية.
مدينة الفن
يقول الفنان التشكيلي عن الإسكندرية: “هذه المدينة فيها كل مقومات الفن، فالقاهرة لا تصلح للفن، ولا تصنع فنانا، لافتا إلى أن المشكلة في تحويل مدينة لمدينة الفن لابد أن يحولها مواطنوها. والإسكندرية على البحر قريبة لأوروبا ولديها كل المقومات لتكون مدينة فنية كبرى، وبها العديد من الفنانين العظماء، الذين أثروا الحياة الفنية في العالم كله”.
وتابع: القاهرة مدينة مثل “الغول” انتهازية تمتص كل من حولها. أما الإسكندرية حصل فيها تقاعس بسبب أهلها الذين لم يتمسكوا بمعالمها الفنية. وخسرت الحركة الفنية فيها لأسباب مختلفة، من بينها خسارة أتيلية الإسكندرية.
وذكر أنه لابد للفنانين أن يبذلوا جهدا لنربي ونكوّن حالة، فالحالة الفنية لا يمكن ولادتها وحدها. إنما تولد بجهد وسعي وتخطيط ورؤية فنية دؤوبة وحريصة على النجاح وإنكار الذات، وإبراز أهم خططها وطريقها الفني المميز.
واستطرد قائلا، أتمنى أن تقوم محادثات وحوارات، بين جميع المهتمين بالإسكندرية كمدينة فنية، وأن يشكلوا نواة لإعادة الروح الفنية المفتقدة بمدينة الإسكندرية، لتحمل لواء الثقافة والفن في مصر من جديد. فهي مدينة جاذبة للفنانين بطبيعتها الساحرة، والجاذبة، وبجاذبيتها وشهرتها على مستوى العالم.
نقاش الحضور
وتلقى الفنان التشكيلي – خلال اللقاء – العديد من أسئلة الحضور الذين توافدوا بالعشرات على القاعة، ومنها تساؤل أحدهم حول تقييمه للحركة الفنية الشبابية الحالية.
وأجاب “عبلة”: “بطبعي متفائل جدا وأحاول أن أرى وأتحسس الإيجابيات هناك أجيال من الفنانين الشباب المتميزين، في مصر. وأعدادهم كبيرة بأحلام وطموحات واعدة، يحتاجون للتعمق والدراسة والممارسة وتطوير أدواتهم وفنهم، وسيصبحوا من أشهر وأكبر فناني المحروسة”.
وتابع: وجود جاليرهات أكثر من الأول معناه وجود شباب عاملين ومشاركين في الحياة الفنية، وليس معناه الجودة ويظل الفنانون الناجحون المتميزون منتشرين في كافة محافظات مصر. وأنا أتجول في معارض الشباب وحينما أجد شاب عنده أمل أدعمه على الفور وأسانده.
واستطرد قائلا، أنشأت مركز الفيوم للفنون لتشجيع شباب الفنانين والاحتكاك بفنانين العالم. وأنا الوحيد الذي أنشئ هذا المركز ليس في الفيوم وحسب، إنما في مصر كلها. وكان يجب أن يكون هناك 5 أو 6 مراكز، أو مركز في كل محافظة، من أجل النهوض بالحالة الفنية للشباب والفنانين الجدد والمبتدئين.
مشوار الفنانين
ويقول عبلة: أما بالنسبة للسلبيات التي أراها في مشوار الفنانين الجدد والمبتدئين، هي أن مستوى التعليم يشهد انحدارا وحالة من التدني وينتج عنه أخطاء كثيرة، وأيضا استسهال الشباب للنت. قد يكون مهددا كبير للحالة الفنية في مصر، ويجب الحرص والقسوة خلال التعليم لغربلة وتصفية القدرات الجيدة.
فيما تساءل أحد الحاضرين حول الكتابة عن الأعمال الفنية وضرورتها من وجهة نظره. فأجابه عبلة: “أنا ملم بخطوات الإنتاج الفني، وأنا مؤمن بنظرية الفن المتكامل، ولابد من تعرض الفنان المتخصص لباقي الفنون وأخذ صورة ثقافية متعددة”.
يقول: أنا اكتب يومياتي أعبر عن انشغالاتي قد تكون تافهة ولكن أشعر أنها مهمة. أوقات لا أستطيع التعبير بالرسم فأعبر بالفيديو أو التصوير. قمت بعمل مجموعة أعمال مختلفة، وانشغلت ببعض الأشياء الكيميائية من أجل الرسم. مثلا الرسم على المياه، لأنتج مجموعه ألوان جميلة أدخلتني في حالة رومانسية جعلتني اقرأ روايات وأساطير رومانسية. كله إنتاج فني متكامل من بعضه، وانتهت هذه الحالة بمعرض.
دور المتاحف
وتحدث “عبلة” عن دور المتاحف وقال إن دور المتاحف لإبراز معارض متجددة لفنانين كبار وشباب أصبح مهم جدا ولا يمكن إغفاله.
وأضاف أن فلسفة المتحف مختلفة من نظام اقتصادي لآخر. فالمتحف في النظام الرأسمالي مدعوم من شركات إعلانات وتجار فن من لهم مصلحة في استمرار الفن. لأنهم استثمروا في الأعمال الفنية كما هو الحال في أوروبا، والأعمال إما أن تكون مهداه أو معارة لمتحف.
والعملية الفنية تم تحويلها من قيمة فنية لمالية بسبب استفادة المتحف من المعارض، ولابد من عمل برامج تعليمية في المتاحف للأطفال وذلك له قيمة فنية كبرى. ولابد أن تنفق الدولة لتعويض غياب الشركات الرأسمالية، وإنشاء متاحف فنية في جميع المحافظات وتوفير النفقات اللازمة لها.
كما انتقد عبلة، غياب التسويق الفني في مصر. وقال إنه قديما كان هناك جماعة الدعاية الفنية، لعمل الدعاية للأعمال الفنية، والتسويق لها. ونشرها كفن دون دعاية لا جدوى منه لأنه لم يصل للجمهور المستهدف. وأشار إلى أن فن إدارة المتاحف تطور في العالم والتنوع الاقتصادي في إدارتها له دور كبير جدا، في تنميتها والنهوض بها.
اقرأ أيضا
يضم 50 لوحة.. افتتاح معرض «محطات» للفنان محمد عبلة بالإسكندرية