من الأدب الفرعوني | لماذا دفعت «عشتار» الجزية للبحر؟
من الأدب الفرعوني
تروي قصة الإله الأم عشتار، كيف جاءت إلى مصر، وتفاصيل رحلتها وبماذا افتدت نفسها من الآلهة والبحر، لتستقر في مصر، بحسب الدكتور سليم حسن، في كتابه “الأدب المصري القديم”، موضحا أن الإله عشتار الفينيقية عرفت في فترة حكم الملك رمسيس الثاني، بالأسرة التاسعة عشر (1549-1292 ق.م) وأقيمت لها المعابد والمقاصير.
ويلمح حسن إلى أن القصة وجدت في بقايا بردية ممزقة، اجتهد الباحثون كثيرا في ترجمة الأجزاء المتبقية منها، ومن أشهرهم العالم الألماني أرمان، لافتا إلى أن أسلوب القصة يتشابه مع قصة إحضار الإله سخمت اللبؤة من بلاد النوبة على يد الإله تحوت.
حاتحور وعشتارت
ويضيف حسن أن قصة إحضار عشتارت لمصر ألفت على نمط قصة إحضار الإله حاتحور من النوبة لإنقاذ البشر منها. وبحسب القصة فإن حاتحور عندما استخدمها الإله رع لمعاقبة بني البشر.. فقدت السيطرة على نفسها واستلذت طعم دمائهم.. لتتحول إلى امرأة برأس لبوة “سخمت” وتقتل كل من تقابله من بني البشر.
ولم يستطع الإله رع أن يردعها حين أراد أن يرحم البشر ويوقف عقابه لهم. وحين علمت بقرار الإله رع بإيقافها هربت إلى بلاد النوبة.. ليتم إحضارها باستخدام حيلة خلط النبيذ مع حجر الطفل الأحمر المطحون ليشابه الدماء.. لتشرب سخمت وتثمل ليكبلها الإله تحوت بمساعدة الآلهة ويعيدها إلى مصر.
ويشير حسن إلى فكرة الازدواجية في شخصية الألهتين. فالإله حاتحور كانت ربة الأمومة والخصب ورمزها الحيواني البقرة.. ولكنها عندما غضبت تحولت إلى “سخمت” إله الحرب والتدمير.. وكذلك عشتارت كانت عند الفينيقيين رمزا للأنوثة والأمومة.. وفي نفس الوقت فهي تصور على شكل امرأة وهي تركب وحوشا وتحمل أقواسا في رمزية للحرب والقتال.
جزية
وفي هذا الجزء من الحكاية يظهر من سياق الحوار أن إلها طلب الجزية من عشتار.. بحسب حسن، ملمحا إلى أن هذا الجزء يشير إلى محاكمة عشتار من قبل الآلهة.. لمحاولتها الذهاب إلى مصر وفرضهم جزية نظير السماح لها بذلك. وتخاطب الإله رتنوت إله الحصاد عشتار قائلة: “انظري إذا أحضرت له جزية.. سيكون رحيما بك، وإن لم تحضري سيأخذنا أسرى”. ثم تقول: “احضري له جزية من الذهب والفضة واللازورد والخشب”.
البحر
وبحسب حسن، ينتقل الحوار إلى مشهد آخر يتعلق بالبحر. لافتا إلى أنه يمكن أن نستخلص من ذلك أن عشتار غادرت من فينيقيا إلى مصر عن طريق البحر. وتكرر موضوع الجزية مرة أخرى، فتقول: “جزية البحر، علله يصغي إلينا”.
تصل عشتار إلى وجهتها بعد رحلة شاقة أنهكتها وأبلت ثيابها ونعالها، فنسمع الإله رتنوت يخاطب البحر ويقول له: “ها هي عشتار، تسكن إقليم البحر، بنت بتاح الغضبى، هل النعلان اللتان في قدمك..؟ هل ملابسك التي تلبسينها قد مزقت بسبب ذهابك وإيابك بين الأرض والسماء؟، فيرد البحر وماذا أصنع لها ضد ذلك؟
في حضرة التاسوع
تدخل عشتار على مجمع آلهة التاسوع، ليقف لها جميع الآلهة العظام احتراما وإجلالا، ويسجد أمامها صغار الآلهة، ويقدم لها عرشها فتجلس عليه لتصبح عضوا في مجمع آلهة التاسوع.
يلمح حسن إلى أنه يمكن ملاحظة تأثير أسطورة نزول عشتار إلى العالم السفلى وهي أحد أساطير العراق والتي تبرز صورة الإله الفادي؛ إذ افتدت عشتار الأرض بنزولها إلى العالم السفلي لمدة ثلاثة أيام ثم عادت مرة أخرى، وفي قصة حضورها إلى مصر تتحول فكرة الفدية إلى دفع الجزية للبحر. ويوضح حسن أن الإله عشتار كانت تعتبر رمزا للأمومة والخصب، لذلك كانت دائما ما تصور كامرأة عارية منتفخة الجسد، وغالبا ما تصور وهي تمتطي الأسد وهو طبقا للأسطورة حبيبها تموز، ويلمح حسن إلى أن عشتار تقابل الالهتين (أفروديت وفينوس) في الحضارتين اليونانية والرومانية والمعبودة (أنانا) في حضارة سومر.
هوامش
الأدب المصري القديم (بي دي أف) – دكتور سليم حسن – مهرجان القراءة للجميع 2000- ص 117-118.