من الأدب الفرعوني| أين تقع “عكا”؟ أجب بسرعة.. مساجلة أدبية بين كاتبين (2)
يستمر حوري مساجلة زميله اللدود أمونمبي ، ليثبت له أنه كاتب غير مخضرم ، ويحرك دفة الحوار ناحية الحديث عن الدواوين العسكرية وحساب ماليتها ، كما يتطرق الحديث عن الحصون والقلاع السورية التابعة لمصر والمناطق الحدودية ودروبها.
وإمعانا في إحراج خصمه يطرح عليه مسائل حسابية وإدارية صعبة، كما يعدد له أسماء العشرات من أسماء المدن الكنعانية والحصون الحدودية، حتى يسأله: “أين تقع عكا؟ أجب بسرعة”.
جندي كاتب
وبحسب عرض الدكتور سليم حسن في كتابه (الأدب المصري القديم) للمساجلة التي دارت الكاتبين، فقد ادعى أمونمبي أنه صاحب خبرة في الدواوين العسكرية، وأنه حاز لقب ضابط كاتب، معتقدًا أنه يستحق الرياسة على حوري، لكن حوري يدحض ادعاء أمونمبي ليثبت له أنه حاز لقب ضابط كاتب قبل امونمبي ، وأن اسمه مدون في السجلات العسكرية.
يورد حوري: “لقد قلت عني أني لست بكاتب، لقد كونت نفسك لتكون رئيسًا، والآن أنك كاتب الملك، الذي يجند الجنود… أسرع حينئذ إلى مكان السجلات، وستجد اسمي في القائمة ضابطًا في الاصطبل العظيم لـ”رمسيس”، محبوب آمون، وعلى هذا فأني خدمت جنديا وكاتبا”.
أمونمبي لا يعرف الحساب
يطرح حوري على أمونمبي مسائل في حساب تكاليف الإنشاءات والمباني، وبوصفه ضابط كاتب لا يستطيع أن يقدر العدد اللازم لحفر بحيرة، ولا أن يحسب تكاليف إعاشتهم، فيقول: “إنك أعطيت بحيرة لتحفرها، فقد أتيت ألىّ لتسألني عن أرزاق الجند، وتقول: احسبها”.
ويتابع حوري طرح مسائل الحساب على أمونمبي ، فيسأله أذا كان يعرف كم رجلا يلزم لجر مسلة طولها 111 ذراعًا وقاعدتها 10 أذرع، وارتفاع القمة من كل جوانبها 7 أذرع، والجزء المدبب ذراعا وإصبعا، فيورد حوري :” قرر لنا كم رجلا يلزم لجرها، أجب بسرعة ولا تتردد”.
أين تقع عكا؟
ويلفت حسن الى أن أمونمبي تفاخر أنه يعرف دروب سوريا جيدا، بحكم أنه خدم كضابط في الأراضي الكنعانية، وهناك حاز لقب (ماهر) وهو لقب كنعاني، فيحاول حوري إثبات العكس وهو جهل أمونمبي ببلاد كنعان وإنه لم يتجول كثيرا هناك لجهله بجغرافية المكان ولغة أهله.
حوري: “أنت تقول أنك كاتب ماهر، ونحن نصدقك، ألم تذهب إلى أرض “خيتي” (سوريا)؟، ألم تر أرض “يوب”؟ هل تعرف شيئا عن “سومر” التابعة لـ”سيسي” (اسم مختصر لرمسيس الثاني)؟ هل علمت شيئا عن “بيروت” وعن “صيدا ” و”سربتا”؟، يقولون إن مدينة أخرى واقعة في البحر، اسمها “صور”؟ تعال وصف لي الطريق المؤدية إلى “عكا”، أرشدني إلى “حماة” والى “دجر” ، أجب بسرعة “
كم تبعد رفح عن غزة؟
ينتقد حوري تظاهر امونمبي بمعرفته كل شيء عن أرض كنعان، ووصفه نفسه بالقائد العظيم، صاحب الخبرة الطويلة في الحملات العسكرية على كنعان، فيقول: أيها السيد الطيب والكاتب المختار (الماهر)، لقد وصفت البلاد الأجنبية حتى أقصى أرض كنعان، ومع ذلك لم تجبني بالحسن ولا القبيح.. سأبدؤك ببيت سيسي (رمسيس الثاني)، أم تطأها قدمك؟ دعني أحدثك عن “بوتو رعمسيس” وعن بيت انتصارات “أوسما رع” (رمسيس الثاني) يا ماهر: رفح ما شكل جدارها؟ وكم تبعد عن غزة؟ أجب بسرعة.
احن نفسك أمامنا
يختم حوري رسالته بالمزيد من الانتقادات اللاذعة لخصمه أمونمبي، مؤكدا أن ما يكتبه أمونمبي مجرد كلام أجوف، لا يغني ولا يسمن من جوع.
يختتم حوري: “حقا أنك كاتب البابين العظيمين (القصر)، لا تقولن أنك جعلت اسمي نتنا أمام الآخرين وأمام الكل، انظر لقد أخبرتك كيف يكون الإنسان ماهرا، احن نفسك أمامنا (اخضع)، وانظر إليها (البلاد) بهدوء حتى يكمن أن تصبح قادرا على وصفها(في المستقبل)، وحتى يمكن أن نعدك ناصحا”.
اقرأ أيضا :
من الأدب الفرعوني| مساجلة أدبية بين ماهر والكاتب الأول (1)
______________________________
هوامش :
– الأدب المصري القديم (بي دي أف ) – سليم حسن – من ص 385 إلى ص 395
* الصورة المركبة : على اليمين خريطة توضح وقوع “عكا ” ضمن المملكة الفينيقية القديمة ، وعلى اليسار موقع عكا في خريطة فلسطين – المصدر ويكيبيديا (برخصة المشاع الإبداعي )
تعليق واحد