ملف| من هي «هان كانج» أديبة نوبل 2024؟

أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، أمس الخميس، فوز الكاتبة الكورية جنوبية هان كانج – han kang بجائزة نوبل في الأدب لـ«نثرها الشعري المكثف الذي يواجه الصدمات التاريخية ويكشف هشاشة الحياة البشرية». تشير هان إلى مفارقة إنسانية، حيث يمكن للبشر التضحية بحياتهم لإنقاذ طفل، وفي الوقت نفسه يرتكبون أعمال عنف. هذا التركيز على الجوانب الداخلية والقضايا الإنسانية جعلها واحدة من أبرز الأصوات الأدبية المعاصرة، ما جعلها تحصد جائزة نوبل في الأدب لعام 2024.

من هي هان كانج أديبة نوبل 2024؟

في بيانها، أوضحت الأكاديمية السويدية  أن هان كانج تتعامل في كتاباتها مع تجارب مؤلمة ومجموعات غير مرئية من القواعد، حيث تكشف عن الحياة الإنسانية. كما أكدت أن لديها فهمًا عميقًا للعلاقة بين الجسد والروح، والأحياء والأموات، مما يجعل أسلوبها الشعري والتجريبي مبتكرًا في الأدب المعاصر.

في مقابلة مع NPR عام 2016، تحدثت كانج عن الظلام الذي يميز العديد من رواياتها، حيث قالت: “دائمًا ما أجد نفسي أتساءل أثناء الكتابة، وأردت أن أتناول تساؤلاتي الطويلة حول العنف البشري وإمكانية رفضه أو استحالة ذلك. سأكون سعيدة إذا استطاع القراء مشاركة هذه التساؤلات معي”.

أول كاتبة كورية

تعد هان كانج، الكاتبة المعاصرة، أول كاتبة كورية والمرأة الثامنة عشر التي تفوز بجائزة نوبل في الأدب، وهي مؤلفة عشرة كتب من الخيال والشعر باللغة الكورية الأصلية. بعضها تم تحويله إلى أعمال مسرحية باللغة الإنجليزية، من خلال شراكة مع المترجمة «ديبورا سميث»، التي ساهمت في ترجمة أعمال كانج بالاهتمام الدولي للأدب الكوري.

كان فوزها بجائزة البوكر الدولية فرصة للتعرف على نفسها من جديد، فهي شخصية انطوائية، وبعد الفوز ولقاء الكثير من القراء والجمهور، أرادت أن تستعيد حياتها الخاصة بعد بضعه أشهر، إذ ترى أن الاهتمام الكبير بالكاتب أمر غير جيد، لأن الاهتمام الأول له هو الكتابة وأن يظل يكتب.

أعمال الروائية الكورية هان كانج
أعمال الروائية الكورية هان كانج
صراع الإنسانية

نجحت كانج صاحبة الـ53 عاما، في إنشاء قاعدة من القراء خارج حدود بلدها، إذ اكتسبت شهرة دولية بسبب كتاباتها عن مواضيع إنسانية مثل الصدمة، الهوية وهشاشة الحياة، وتطرقت إليها في روايتها “أعمال بشرية” التي تحكي الجانب الإنساني لانتفاضة جوانججو. في كتاباتها، تستكشف هان الصراعات التي تواجهها شخصيا، وغالبًا ما تعكس القضايا التاريخية والاجتماعية المهمة في كوريا الجنوبية. أسلوبها الفريد يجمع بين العمق العاطفي واللغة الشعرية. كما تلقى أعمال هان الأخرى، مثل “الكتاب الأبيض” و”الدروس اليونانية”، اهتمام القراء في كوريا وخارجها لاستكشافها العميق لما يعنيه أن تكون إنسانًا.وتتناول روايتها “الغزال الأسود” قصة امرأة فقدت قدرتها على الكلام وتطوعت لدراسة اللغة اليونانية القديمة مع معلم يفقد بصره تدريجيًا. تحمل الرواية إيمانًا متفائلًا وإنسانيًا بقوة الحب في الشفاء. القصة تمس قلب القارئ شيئًا فشيئًا، حتى يشعر بالحزن والأمل مع الوصول إلى الصفحات الأخيرة.

المرض والموت والإبداع

تأثرت هان بالكُتاب الأجانب، وبالأخص “دوستويفسكي”. وواحد من الأسباب الغريبة التي دفعتها لأن تصبح كاتبة هو إصابتها بمرض الصداع النصفي بشكل مزمن، إذ أصبحت الكتابة وسيلتها للتأمل الذاتي، والتعبير عن معاناتها الشخصية أحيانا.

في روايتها  “الكتاب الأبيض”، تروي قصة أختها الكبرى التي توفيت بعد ساعتين من ولادتها، وتحدثت عنها في حوار سابق مع صحيفة “الجارديان” البريطانية، وقالت: “لم أكن أنوي الكتابة عن أختي الكبرى، لكن ذكراها كانت حاضرة في حياتنا بشكل لا يمكن تجاهله. والداي لم ينسيا فقدانها، وكان لذلك أثر عميق على نشأتي. أثناء كتابتي لقصتي “أفعال بشرية”، تذكرت جملة من حوار: “لا تموتي. من فضلك لا تموتي”. كانت تلك الكلمات غريبة ولكنها مألوفة، واكتشفت لاحقًا أنها تعود لذاكرة والدتي، التي أخبرتني أنها كانت ترددها كثيرًا لأختي الراحلة، التي توفيت قبل أن أُولد”.

كتبت هان عن كيفية نشأتها في ظل هذا الفقد، وكيف أثر في تشكيل هويتها، وأن الأمر لم يكن مجرد تجربة خسارة، بل كان متعلقًا أيضًا بمعرفة قيمة حياتها. وتتابع: “كان والداي يقولان لأخي ولي: “لقد وُلِدتِ لنا بعد انتظار طويل، وأنت كنز لنا”. ورغم هذه السعادة، كان هناك حزن دائم، مزيج من الألم والامتنان للحياة التي نعيشها”.

لو لم تَمُت أختها، لما ولدت هان.. من هذا المنطلق فكرت هان بشكل فلسفي في حياتها. إذ خاطرت والدتها بالحمل مرة ثانية رغم أنها كانت مريضة، وتتناول الكثير من الأدوية. ولأنها كانت ضعيفة، فكرت في الإجهاض، لكن استمر الحمل وولدت هان. وتضيف: “أعتقد أن العالم عابر.. وأن الحظ أعطاني هذا العالم”.

ترى هان أن معاناتها المستمرة من الصداع النصفي هي التي تُذكرها أنها إنسانة. إذ تعاني منه منذ كانت مُراهقة، وعندما تُصاب بالصداع النصفي فإنها تتوقف عن العمل والقراءة، فتعتبر أن الصداع يجعلها متواضعة لأنها تدرك أنها بشر ضعيفة. وقالت: “ربما لو كنت بصحة جيدة وحيوية بنسبة 100% لما كنت لأصبح كاتبة”.

رواية النباتية للروائية الكورية هان كانج
رواية النباتية للروائية الكورية هان كانج
الكاتبة التي رفضها الكوريين!

لم تحظ هان بالترحيب الكافي خلال السنوات الأولى لنشر أعمالها، وتعرضت أعمالها للانتقاد في البداية ووُصِفت بأنها متطرفة وغريبة للغاية في كوريا.لكن بعدها نجحت في أن تصبح روايتها “النباتية” هي الأكثر مبيعا، وتمت ترجمتها في أكثر من 20 دولة. وحصلت روايتها القصيرة “العلامة المنغولية” على جائزة يي سانج الأدبية في عام 2005، وجائزة مانهاي الأدبية الكورية.

وبدأت في نشر الشعر والرواية في عام 1993، عندما كانت في الثالثة والعشرين من عمرها. كان ذلك أول عام منذ الانقلاب العسكري في عام 1961 يتولى فيه رئيس لم يكن من الجيش بل من المدنيين. وأثرت الأوضاع السياسية عليها، وشعرت برفقة جيلها بالكامل أنهم حصلوا على الحرية للكتابة عن الإنسان دون أن يضطروا للجانب السياسي من خلال أعمالهم.

أحداث سياسية

أثناء رغبتها في التعبير عن القضايا الإنسانية، صادفت مدينة جوانججو، التي شهدت أحداثها بشكل غير مباشر في عام 1980. وظهرت كشخصية في الرواية لتسجل ذاكرتها في الكتاب، وذلك بسبب تأثرها بالمدينة التي ولدت فيها. ثم انتقلت مع عائلتها إلى سيول عندما كانت في التاسعة من عمرها، وقبل أربعة أشهر فقط من وقوع المذبحة.

رغم أن تاريخ كوريا في القرن العشرين غني بالصدمات، إلا أنها اختارت الكتابة عن انتفاضة جوانججو تحديدا. وتفسر هذا الاختيار بأن القرن العشرين ترك جراحا عميقة في الجنس البشري وليس كوريا فقط. لكن بسبب ميلادها في عام 1970، فإنها لم تشهد الاحتلال الياباني الذ استمر من عام 1910 إلى عام 1945، ولا الحرب الكورية التي بدأت عام 1950 وانتهت بوقف إطلاق النار في عام 1953.

ورغم أن انتقالهم كان عن طريق الصدفة إلا أنه بسبب هذا القرار البسيط، نجوا منها، ورافقهم شعور بالذنب أنهم ناجون. وبعدها بثلاث سنوات، رأت لأول مرة كتاب صور تم إنتاجه وتوزيعه سراً ليكون شاهداً على المذبحة. أحضره والدها معه سرا، وأخفاه في خزانة الكتب، لكنها فتحت الخزانة دون قصد وأصيبت بالصدمة بسبب بشاعة الصور التي شاهدتها. هذه الصور جعلتها تتساءل عن الدور الذي من الممكن أن تقوم به لمواجهة هذا العنف. وأرادت أن تكتب وهي في الرابعة عشرة لكن والدها منعها حينها.

 الكاتبة الكورية هان كانج
الكاتبة الكورية هان كانج
أفعال بشرية

قبل نشر روايتها “أفعال بشرية”، لم تكن متأكدة كيف سيستقبلها الجماهير. ولكنها فؤجئت بالاهتمام بالرواية، وتغطية  واسعة من معظم وسائل الإعلام، باستثناء بعض الصحف ذات التوجهات اليمينية. وقد عبّر القراء عن رغبتهم في تذكّر أحداث جوانججو، مؤكدين أنهم لا يريدون أن تُنسى تلك الحقبة.

قضت هان ثماني أو تسع ساعات يوميًا في دراسة وثائق تتعلق بمجزرة جوانججو، بالإضافة إلى أمثلة أخرى على وحشية البشر عبر القرن العشرين. ومع كل ساعة قضتها في القراءة، بدأ إيمانها بالإنسانية يتلاشى بشكل كبير. شعرت بالإحباط وواجهت صعوبة في الاستمرار في الكتابة، وكادت تستسلم.

ووجدت كتابات لأحد أعضاء الميليشيات، بتاريخ 27 مايو 1980، يقول فيها: “يا إلهي، لماذا يؤرقني هذا الشيء المسمى الضمير ويؤلمني إلى هذا الحد؟ أريد أن أعيش”. وتوفي الشاب هناك وهو في السابعة والعشرين من عمره. وعند قراءتها لهذه الكلمات، أدركت ما كانت تفتقده في قراءتها السابقة. ورغم أن الرواية بدأت بالوحشية والعنف، إلا أنها رأت أنه يجب أن تتجه نحو الكرامة الإنسانية.

اقرأ أيضا:

 أعتقد أن البشر يجب أن يكونوا نباتات

محمد نجيب مترجم روائية نوبل: لهذه الأسباب ترجمت هان كانج

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر