رحيل الفنان «جمعة فرحات».. آخر عمالقة الكاريكاتير في مصر
عن عمر ناهز الـ80 عاما، رحل فنان الكاريكاتير ورئيس جمعية الكاريكاتير المصرية جمعة فرحات، الذي يعد واحدا من أهم مبدعي فن الكاريكاتير في مصر والعالم العربي. إذ تميزت أعماله بالنقد السياسي اللاذع خاصة إبان حكم مبارك. وحصد فرحات عدة جوائز منها جائزة نقابة الصحفيين مرتين وجائزة على ومصطفى أمين.. «باب مصر» يلقى الضوء على سيرته.
روزاليوسف البداية
الفنان جمعة فرحات، فنان كاريكاتير مصري، من مواليد القاهرة عام 1941. حصل على بكالوريوس التجارة عام 1964. عمل في بداية مسيرته الفنية رسام كاريكاتير في مؤسسة روز اليوسف الصحفية لأكثر من 30 عامًا، ثم انتقل للعمل بجريدة الأهرام ويكلي منذ إصدارها الأول. ونشرت رسوماته في جميع الصحف المعارضة المصرية.
وعن بدايته قال الفنان الراحل في برنامج “السلم” المذاع على فضائية المصرية: “ظهرت موهبتي بالصدفة في هذا المجال، منذ المرحلة الثانوية بمدرسة السعدية الثانوية، ولأني كنت أكره حصة اللغة الإنجليزية ولم أكن متفوقًا في تلك المادة. كنت أثناء الحصة ارسم مدرس اللغة الإنجليزية في الكثير من الأوضاع والأشكال فقد أمتاز بضخامة الجسم.
وعندما وصل ذلك إليه وشاهد ما كنت أرسمه في كشكول الحصة طلب منى زيارته. توقعت بالفعل أن يقوم بفصلي من المدرسة جراء ما فعلته، إلا أن المفاجأة كانت أنه اصطحبني لمدرسة الكاريكاتير وهي مجلة روزاليوسف. كان ذلك في عام 1964، وكان عندي وقتها 16 عاما، وظللت هناك لأكثر من 30 عامًا حتى انتقلت بعدها إلى الأهرام ويكلي”.
الكاريكاتير السياسي
وتحدث الراحل عن فنان الكاريكاتير، وقال: “إنه يجب أن يكون لديه بجانب قدرته على الرسم، حس السخرية أو النقد الساخر، وأن يمتاز بخفة الدم سواء يظهر بالرسم أو التعليق”.
أمتاز جمعة برسم الكاريكاتير السياسي، الذي كان يوجه من خلاله سهام النقد التي تسخر من الأوضاع المسؤولة عنها الحكومة المصرية.
وفي لقاء تلفزيوني قال عن هذا الاتجاه: “قررت أن أكون رسام سياسي بعد أول زيارة لي لأمريكا عام 1983 عندما قابلت العديد من رسامي الكاريكاتير السياسي هناك، والتي كانت تنشر أعمالهم بجوار كلمة رئيس التحرير. أحسست وقتها أنه لابد أن أتخصص في هذا المجال تحديدًا لما له من أهمية. وفور رجوعي عملت في جميع صحف المعارضة المصرية فترة حكم مبارك.
كنت معارضًا قويًا، فلم أترك وزير دون معارضته، أو نقد الأوضاع غير الصحيحة. ولم يكن مسموح لي رسم الكاريكاتير السياسي أيام جمال عبدالناصر أو عهد السادات. كما قمت بالتعاون مع أحد الأمريكان وهو “جيري روبنسون” ليكون وكيل أعمالي، وهو ما أتاح لي نشر رسوماتي في أغلب الصحف الأجنبية خارج مصر”.
أحد أهم رسامي الكاريكاتير
يقول الفنان محمد عبلة، مؤسس متحف الكاريكاتير بقرية تونس في الفيوم عن الراحل: “جمعة فرحات من أهم فناني الكاريكاتير في مصر. هو فنان من جيل الرواد، عمل بالصحافة في كل من روزاليوسف، وصباح الخير يا مصر، والأهرام وغيرها. كما رسم الكاريكاتير باللغتين العربية والإنجليزية، وكانت رسوماته تمتاز ببساطة الخط لإظهار فكرته”.
وتابع: قدم فرحات من خلال برنامجه بالتلفزيون المصري “مع جمعة كل جمعة” العديد من اللمحات الهامة حول فن الكاريكاتير سواء المحلي أو العالمي. وكانت تعد جرعة دسمة للمشاهد البسيط، لتعريفه بفن الكاريكاتير وفنانيه.
تنشيط الفن
ويضيف، كما كان له دور كبير في تنشيط هذا الفن، وذلك بعد رئاسته لجمعية الكاريكاتير المصرية خلفًا للفنان طوغان. وأظهر قدرته على الإدارة حيث حل وتجاوز العديد من الأزمات التي مرت بها الجمعية.
أما على المستوى الشخصي، فقد كان جمعة صديقًا دائمًا لمتحف الكاريكاتير الذي قمت بتأسيسه بالفيوم، والذي يضم مجموعة كبيرة من أعماله. فقد كان دائم التردد على المتحف. وشارك بفاعلية في العديد من النشاطات التي نظمها المتحف. وكان سعيدًا بمساهمة المتحف في إنعاش فن الكاريكاتير.
ويعرف الجميع أنه كان يقدم المساعدة للشباب من فناني الكاريكاتير ولم يبخل على أحد بخبرته الفنية. وكان دائم الحرص على دعم ومساندة الشباب. حيث كان يحرص على حضور المعارض والفعاليات الفنية بالرغم من مرضه.
ويضيف عبلة، أكثر ما كان يميز جمعة هو حسه الفكاهي وتفاعله مع المواقف بسخرية. وبالرغم من حبه للكاريكاتير فقد كان دائم الحنين والرغبة في العودة إلى رسم اللوحات الفنية. وسننظم له فعالية خاصة نعرض العديد من أعماله خلال الفترة المقبلة.
آخر الرسامين المحترمين
أما فنان الكاريكاتير سمير عبدالغني أحد تلامذة الراحل جمعة فرحات، يقول: “بوفاة الفنان جمعة نحن جميعًا الآن في ورطة. لقد كان جمعة يحتل مكانة كبيرة، كونه أحد أهم فناني الكاريكاتير. ومن وجهة نظري أعتقد أنه آخر الرسامين المحترمين في مصر.
ولكي يكون هناك جمعة آخر يجب أن تتاح الفرصة أمام رسامي الكاريكاتير للعمل في الجرائد والمواقع الصحفية. وحتى يتم تسليم الراية من جيل إلى جيل، لتظل مصر رائدة وعظيمة في هذا المجال.
كان جمعة أحد حاملي تلك الراية من فناني الجيل الثالث من فن الكاريكاتير في مصر. حيث ضم الجيل الأول كل من، صاروخان وخوان سنتيس بجانب الفنانين طوغان وزهدي وعبدالسميع. ثم ظهر فناني الجيل الثاني أمثال مثل جاهين وحجازي وبهجت وصلاح الليثي. ثم ظهر فناني جيل الوسط أو الجيل الثالث، والتي ضمت كل من جمعة فرحات وتاج ومحسن جابر ورؤوف عبده وشريف عليش ومحي الدين اللباد.
ثقافة كبيرة وإطلاع
وتابع عبدالغني: كان جمعة يمتاز بثقافته العالية وإطلاعه المستمر. وهو ما جعل برنامجه التلفزيوني أفضل ما قُدم عن فن الكاريكاتير لمدة 20 عامًا. فلم يكن برنامجًا عاديًا. حيث كان يتناول خلاله ما يرسم في الصحف الأجنبية من رسوم كاريكاتورية معلقًا عليها بالشرح والتحليل والتي كان من خلالها يعرف المشاهد أخبار العالم بكل بساطة.
وأعتقد أن ثقافة جمعة وسعة إطلاعه كانت سببًا في تحقيق النجاح للبرنامج. فضلا عن تمتع جمعة بموهبة فذة وقدرة غير عادية على السخرية اللاذعة، وهو ما جعل كثيرين يرون فيه أحد ظرفاء عصره على الرغم من صرامة وجدة أعماله التي كانت غالبًا ما تخفي بساطته.
قريبًا من الجميع
ويضيف، يعود الفضل إلى الفنان جمعة في دخولي مجال الكاريكاتير، فهو من شجعني بعد مقابلتي له بالإسكندرية عام 1990 كنت وقتها طالبًا بالجامعة بالحضور إلى القاهرة. إذ كنت أرغب في ممارسة ودخول مجال فن الكاريكاتير، وهو ما تحقق بفضل دعمه لي طوال مشواري الفني. لقد كان قريبًا من الجميع. فقد حضر حفل زفافي. وزارني عندما رزقت بأول طفل، وحتى في أيامه الأخيرة بالرغم من مرضه فقد كان مبتسمًا دائمًا حريصًا على ألا نرى أوجاعه. ولا يسعني القول في فقده إلا أنه الآن في مكان أفضل مع جاهين وحجازي وزهدي وأبوالعينين وصلاح الليثي وبهجت عثمان وغيرهم من فناني الكاريكاتير. ينظر إلينا الآن مبتسمًا كعادته.