مقبرة رمسيس الثامن.. حلم الأثريين المصريين لتكرار معجزة هوارد كارتر
شكل اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون التي عثر عليها بكامل محتوياتها عام 1922 في وادي الملوك بالأقصر، درة الاكتشافات الأثرية في مصر طوال تاريخها. وظل بمثابة المقياس الذي تقاس عليه أهمية الاكتشافات اللاحقة عليه، ومعجزة أثرية يأمل الأثريون المصريون في تكرارها يوما.
ولكن ظل هناك سؤال عالق دائما، كلما ثار الحديث عن مقبرة توت عنخ آمون وما تمثله من أهمية استثنائية في التاريخ المصري. وهو: هل نتوقع أن نعثر على اكتشاف آخر يضاهي فعلا قيمة اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون؟ أم أن أرض مصر جادت بكل أسرارها وانتهى عصر الاكتشافات الكبرى؟
ولأن مصر تحتفل هذه الفترة بمرور مئة عام على الاكتشاف الذي قاده المستكشف الإنجليزي هوارد كارتر. فقد تجدد هذا السؤال الملح، والذي كانت تظهر له عادة الكثير من الإجابات والترجيحات. إلا أن هناك إجابة بعينها يتفق عليها كثير من الأثريين المصريين والأجانب، هذه الإجابة هي مقبرة رمسيس الثامن، الملك الوحيد من بين ملوك مصر الأحد عشر الذين حملوا اسم رمسيس، الذي لم نعثر على مقبرته قط!
حيث يؤمن قطاع كبير من الأثريين أن مصر ستكون على موعد مع اكتشاف استثنائي يضاهي اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون. وربما يتفوق عليه، حال العثور على مقبرة رمسيس الثامن، التي تظل المقبرة الوحيدة من بين مقابر ملوك الأسرة العشرين التي لم يعثر عليها في وادي الملوك حتى الآن، والتي يأمل البعض أن تكون محتفظة بكامل محتوياتها.
فلماذا يحلم الأثريون بالعثور على هذه المقبرة؟ ولماذا يظن البعض أن اكتشافها قد يشكل حدثا استثنائيا في تاريخنا الحديث؟ وإلى أين وصلت الجهود المصرية للبحث عن هذه المقبرة؟
البحث عن مقبرة كاملة
يقول الدكتور ممدوح الدماطي، عالم المصريات ووزير الآثار الأسبق، إن السبب وراء اعتقاد العلماء بأن اكتشاف مقبرة رمسيس الثامن قد يشكل حدثا استثنائيا. هو أنه لم يعثر حتى الآن لا على المقبرة ولا على مومياء الملك، ما يعني على الأرجح أن الجثمان لا يزال داخل مقبرته في أمان. ما يعني بالتبعية أن المقبرة من المحتمل جدا ألا تكون قد تعرضت للنهب. خاصة وأن المقتنيات التي تخص رمسيس الثامن وعثر عليها حتى الآن قليلة للغاية.
وأضاف الدماطي في حديثه لـ”باب مصر”، أن إمكانية العثور على مقبرة تضاهي في أهميتها اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، لا يتعلق فقط برمسيس الثامن. ولكن بأي مقبرة سيعثر عليها بكامل محتوياتها وهو ما يميز مقبرة توت عنخ آمون حتى الآن. مؤكدا أنه تم العثور على مقابر ملوك أعظم وأكبر تأثيرا من توت عنخ آمون ورمسيس الثامن، مثل رمسيس الثاني وسيتي الأول وغيرهما. إلا أن مقابرهم كانت فارغة ومنهوبة، وهو ما يمنح إمكانية العثور على مقبرة رمسيس الثامن كاملة، أهمية خاصة.
وزير الآثار الأسبق، لم يستبعد أيضا أن يكون السبب وراء عدم عثورنا على مقبرة رمسيس الثامن حتى الآن، أن يكون الملك لم يحظ بالتكريم اللائق ولم تكن له مقبرة ملكية. خاصة وأن هناك دراسات تشير إلى أن فترة حكم رمسيس الثامن كانت مضطربة وتشكل مرحلة من مراحل ضعف الدولة الحديثة. إضافة إلى قصر فترة حكمه وغموض مصيره، وفي ظروف كتلك كل شيء وارد.
فما الذي نعرفه عن رمسيس الثامن؟!
آثار محدودة.. وتاريخ مجهول!
يقول عالم المصريات الفرنسي نيكولاس جريمال في كتابه “تاريخ مصر القديمة” إن رمسيس الثامن (1130 – 1129 ق.م) هو واحد من أكثر ملوك الأسرة العشرين غموضا. نتيجة قلة المعلومات المعروفة عنه، بسبب فترة حكمه القصيرة للغاية والتي لم تتجاوز في بعض التقديرات عاما واحدا. ويضيف أن المعلومة الأكيدة المعروفة عنه، هو أنه كان آخر أبناء الملك رمسيس الثالث.
وهو نفس ما يؤكده الدكتور سليم حسن، في الجزء الثامن من “موسوعة مصر القديمة”. حيث يقول إن الأدلة على وجود هذا الملك قليلة للغاية، أبرزها ذكر اسمه ضمن قائمة الأمراء الموجودة بالمعبد الجنائزي لرمسيس الثالث بمدينة هابو. إضافة إلى ذكر اسمه كذلك على عدد من الجعارين. وهو ما جعل حسن يقول بأنه ليس هناك دليل واضح على ترتيب رمسيس الثامن بين ملوك الأسرة العشرين، بينما يرى جريمال أن ترتيبه كان السابع.
رمسيس الثامن والعرش
ومما يدل على قصر الفترة التي قضاها رمسيس الثامن على العرش، هي أن الآثار التي ترجع إلى رجال من عصره أيضا قليلة للغاية، من بينها لوحة محفوظة بمتحف برلين، عثر عليها في العرابة المدفونة بأبيدوس، والتي ظهر فيها رمسيس الثامن وهو يقدم رمز (ماعت) أمام خمسة من الآلهة، وفوق صدره الخرطوش الذي يحمل اسمه. ثم نقش طويل يتضمن صلوات للآلهة لكي تطيل أمد بقاء رمسيس الثامن في الحكم. وكذلك تمثال وحيد من البازلت موجود بالمتحف المصري بالقاهرة، والذي يظهر من تفاصيله غير المتقنة أنه صنع بشكل متسرع. حيث يظهر رمسيس الثامن بملامح خالية من القوة.
فيما يرى بيتر كلايتون في كتابه “تاريخ الفراعنة”، أن رمسيس الثامن، قد تولى الحكم بعد ابن أخيه رمسيس السادس. وهو ما يوحي بأنه كانت هناك مشكلة داخلية في تولي الحكم بمصر خلال تلك الفترة. لأنه لو كانت الأمور تسير بشكل طبيعي، لكان من المفترض أن يتولى رمسيس الثامن العرش (العم) قبل رمسيس السادس (ابن الأخ).
في النهاية، تتفق أغلب المصادر أن رمسيس الثامن لم يقم بأي مشاريع بناء كبيرة أو حملات عسكرية. ويعتقد أنه كان حاكما ضعيفا، ويرون أن فترة حكمه القصيرة هي تجسيد لحالة التدهور التي كانت قد بدأت تشهدها الأسر الحاكمة خلال الدولة الحديثة. كما لا يستبعدون أن يكون رمسيس الثامن قد أبعد عن الحكم أو توفي نتيجة مكائد داخل قصر الحكم.
البحث عن مقبرة ملك غامض!
تضم جبانة وادي الملوك، الواقعة على الضفة الغربية من نهر النيل المواجهة لمدينة الأقصر، مقابر ملوك الأسرات 18، 19 و20. حيث ظلت المنطقة مستخدمة كجبانة لقرابة 500 عام.
وقد بدأت عملية البحث عن المقابر الملكية واستكشاف الجبانة بدءا من أواخر القرن الثامن عشر. وخلال فترة امتدت لأكثر من مائتي عام، تم اكتشاف 65 مقبرة داخل الوادي، شملت مقابر معظم ملوك الدولة الحديثة.
وبالرغم من أن عمليات الاستكشاف في وادي الملوك، لم تتوصل حتى الآن إلى بعض مقابر ملوك الأسرة 18. إلا أن المستكشفين عثروا على جميع مقابر ملوك الأسرة العشرين. باستثناء ملك واحد فقط، وهو رمسيس الثامن.
وتشير المصادر إلى أن المقبرة التي تحمل رقم KV19 في وادي الملوك، والتي تم تخصيصها لدفن الأمير مينتوهرخيبشيف، ابن رمسيس التاسع، لم تكن مخصصة لدفنه في الأصل. بل كانت مخصصة لدفن رمسيس الثامن عندما كان لا يزال أميرا. ولكن عندما وصل إلى العرش، رأى أن تلك المقبرة لم تعد تناسب مكانته بعدما أصبح ملكا، لذا فقد تخلى عنها. وقام بإعداد مقبرة أخرى تليق به، وهي المقبرة التي لا تزال غير معروفة حتى الآن.
ولم نعثر على أي جهود لأثريين أجانب بشأن البحث عن مقبرة رمسيس الثامن بشكل محدد. كما حدث في حالة هوارد كارتر ومقبرة توت عنخ آمون، التي كان يبحث عنها كارتر بشكل محدد ومقصود لأسباب عدة. إلا أن جهود الباحثين الأجانب كانت تشمل الوادي بشكل عام، بحثا عن أي مقابر ملكية تكون قد نجت من أيدي اللصوص.
جهود البحث المصرية
يكشف أرشيف الصحافة، أن الجهود المصرية للتنقيب في وادي الملوك ترجع إلى عدة سنوات مضت. حيث أعلن وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني في مارس 2008 عن تشكيل أول بعثة أثرية مصرية برئاسة الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار حينها د. زاهي حواس، للبحث في الوادي عن مقابر عدة ملوك. في مقدمتهم رمسيس الثامن وتحتمس الثاني.
حواس قال في تصريحات صحفية حينها إن التنقيب في الوادي ظل حكرا على البعثات الأجنبية لعدة عقود. حيث كانت جميع المقابر المكتشفة حتى ذلك التاريخ بواسطة البعثات والعلماء الأجانب. مضيفا: “آن الأوان للأثريين والخبراء المصريين بالكشف عن مقابر وكنوز أجدادهم”.
وأضاف حواس أن البعثة المصرية التي تشكلت برئاسته في ذلك الوقت، اختارت المنطقة الواقعة ما بين مقبرتي الملكين مرنبتاح ووالده رمسيس الثاني للبحث عن مقبرة رمسيس الثامن. إضافة إلى البحث عن عدد من المقابر الملكية وغير الملكية. مشيرا إلى أن عمليات التنقيب الأولية التي قامت بها البعثة، عثرت على عدد من القطع الأثرية، مثل تماثيل الأوشابتي. وهي تماثيل جنائزية صغيرة توضع مع المتوفى في المقبرة لمساعدته على الإجابة على الأسئلة التي يتلقاها في العالم الآخر، إضافة إلى مجموعة من الأواني الفخارية.
جلين داش للبحوث الأثرية
جهود البعثة المصرية التي استمرت لعدة سنوات لاحقة. استعانت في عملية البحث داخل وادي الملوك بمؤسسة “جلين داش” للبحوث الأثرية لاستخدام تقنية المسح الراداري في التعرف على محتويات أرض الوادي. وخلال عملية التنقيب حققت البعثة عددا من النتائج الهامة. مثل الكشف عن نظام التحكم في الفيضانات الذي ابتكره المصريون القدماء للحفاظ على المقابر بعيدا عن مياه النيل.
وبالرغم من أن الفريق المصري كان يأمل في الاستفادة من هذه التقنية في العثور على مقبرة ملكية. وعلى الأخص رمسيس الثامن. إلا أن بعد سنوات، وجدوا أن استخدام أجهزة الرادار يظهر نتائج غير دقيقة في بعض الأحيان خاصة في مكان معقد وله تضاريس صعبة مثل وادي الملوك. وهو ما يكلفهم الكثير من الجهد بدون أي طائل. بحسب تصريحات صحفية للدكتور عفيفي رحيم، رئيس فريق البحث الميداني في وادي الملوك. الذي أكد أن لديه أمل في العثور على مقبرة ملكية كاملة في وادي الملوك رغم كل ذلك.
ومنذ تشكيل تلك البعثة وحتى الآن، لم تتوقف الجهود المصرية في التنقيب داخل وادي الملوك، والبحث عن المقابر الملكية التي لم يعثر عليها حتى الآن. وفي مقدمتها مقبرة رمسيس الثامن، وبالرغم من طول عملية البحث، إلا أن الأمل لم يتبدد يوما في أن تجود أرض مصر بكشف ثمين تستعيد بها عصر الاكتشافات الكبرى.