“يدوية”.. معرض متخصص في كنوز بلدنا
كتب – ندى ضياء
في إحدى أقدم الفيلات الأثرية في حي العباسية، حيث الجمال المعماري الذي يتماشى مع جمال المنتجات المصنعة يدويا، والمساحات الخضراء ذات نفس السحر الذي تحمله نقوش المعروضات التراثية، وعبق التاريخ الذي تتشاركه جدران البنيان مع تصاميم المعروضات التي توارثها الأجيال، أقامت “يدوية” معرضها السنوي للمنتجات المحلية يدوية الصنع.
شهد المعرض –الذي امتد لمدة يومين- منتجات تراثية مصنعة من قبل أسر منتجة من كافة أرجاء مصر، والتي امتدت من سيناء إلى سيوة مرورا بمرسى مطروح، شلاتين، الواحات وصولا إلى الوجه القبلي.
وعلى الرغم من اختلاف وتنوع المنتجات إلا أنها تشاركت جميعا في درجة إبداع التصاميم ودقة التصنيع التي قد تصل إلى درجة التفوق على المنتجات المصنعة إلكترونيا.
“نعطي فرصة لكليهما بالتعرف على فنون وذوق الطرف الآخر”
تباينت المنتجات حسب المجتمعات التي صنعت فيها، فشهد المعرض عرض منتجات الفضة وفن التطريز اليدوي المعروف في سيوة، إضافة إلى الأعشاب العضوية المزروعة هناك، كذلك وجود لوحات الرمل ومنتجات الجلود المصنعة في سيناء، ومنتجات السعف والكليم والحصر.
يهدف المعرض بشكل أساسي إلى دمج المجتمعات المتطرفة جغرافيا وفنونها المختلفة في المدينة، وزيادة وعي الناس بها بهدف خلق سوق أوسع للأسر المنتجة داخل وخارج مصر، وهو ما أكد عليه أسامة غزالي، مؤسس “يدوية” والقائم على تنظيم المعرض، قائلا “نحن نسعى إلى تعريف الجمهور بالفنانين المقيمين في مناطق بعيدة بحيث نعطي فرصة لكلاهما بالتعرف على فنون وذوق الطرف الآخر”.
تعد يدوية من أولى المنصات الرقمية التي تعمل على تسويق منتجات فناني المجتمعات القبلية في السوق المحلية والعالمية، عن طريق الموقع الرسمي الذي يعرض جميع المنتجات اليدوية الصنع، تعد يدوية صلة وصل ما بين المستهلك القاطن في المدينة والمنتِج المحلي.
“يدوية” والتجارة العادلة
على الرغم من أن الموقع انطلق للعلانية عالم 2013، إلا أنه في خلال 3 سنوات نجح في خلق قاعدة جماهيرية محبة لمنتجاته ومشترين مخلصين للأعمال اليدوية التي يسوق لها، ويعد الموقع أحد المنصات الخاصة بـ Fair Trade Egypt. ( التجارة العادلة) وهي مؤسسة تقوم بعمل تدريبات حرفية للمنتجين، لتطوير منتجاتهم وخلق سوق عالمية منافسة للماركات العالمية بواسطة المنتجات المحلية.
اتخذت يدوية معرض Designopia Zone أرضا لعرض منتجاتها، فالمركز الثقافي المتخصص لإقامة المناسبات والعروض الفنية أحد أهم الأماكن التي تقدم ورش تعليمية للفنون والخطوط، إضافة إلى المهرجانات والمعارض الفنية المختلفة من فنون ونحت ورسم ومشغولات يدوية.
أنقل الواقع الذي عشته بكافة تفاصيله -التي قد يتجاهلها التاريخ- لأجيال لم تشهد هذه الحضارة والجمال
مرورا بالمعرض لا يسع المتفرج إلا الوقوف أمام لوحات دقيقة الألوان والرسم تعبر عن تاريخ مصر قديما، حيث بساطة الأهالي والإمكانات، ليكتشف أن تلك اللوحات المرسومة بدقة شديدة ما هي إلا لوحات رسمت بالرمال الطبيعية الملونة بواسطة رجل شديد البساطة وكذلك الإبداع، وهو أحمد وهبة.
وهبة صاحب الـ57 عاما من الوادي الجديد، وجد في لوحات الرمال الطريقة المثلى للتعبير عن تاريخ وتراث الوادي الجديد الذي نشأ وترعرع عليه ولكنه لم يعد موجودا حاليا وحل محله حضارة الكتل الأسمنتية على حد قوله.
وعبر وهبة عن حلمه الذي يسعى إلى تحقيقه عبر فنه قائلا “أريد أن أنقل عبر لوحاتي تراث الوادي القديم للشباب الذين لم يعاصروه أو يشهدوه، ففي لوحاتي أنقل الواقع الذي عشته بكافة تفاصيله -التي قد يتجاهلها التاريخ- لأجيال لم تشهد هذه الحضارة والجمال. فأنا شهدت أماكن جلوس الناس والتجمع عند العصاري وعملية تسقيف تلك الممرات بحيث تبعد الشمس عنهم”.
من واقع الإحساس بالمسؤولية المجتمعية لأنه من آواخر الأشخاص العاملين بفن الرسم بالرمال الملونة، يستمر وهبة في توثيقه لتاريخ الوادي الجديد للأجيال المقبلة، “كل ذرة رمل برسم بيها ببقا حاسس بيها وشايف المكان اللي برسمه بتفاصيله في دماغي على الرغم أنه مبقاش موجود دلوقتي، وعارف إن الأجيال الجديدة مفيش حد فيها هيوثق التاريخ دا غيرنا – العاملين بفن الرسم بالرمال”.
محمد فوزي مطور فن الحصر
أما بالنسبة لمحمد فوزي السيد من البحيرة، فهو يقدم فن حديث من تراث الحصر الذي ورث حرفته من أجداده. فعبر الأجيال، لطالما كانت حرفة الحصر مقصورة على رسم اللوحات بالألوان على الحصير المصنع يدويا لتصوير مشهد جمالي، ولكن بالنسبة لفوزي قام بإضافة الكتابة بالحصر الملون على اللوحات.
شرح فوزي الاختلاف قائلا “زمان كان الشغل المنقوش بيقعدوا يرسموا بالألوان بس، لكن حاليا أنا طورت من الصنعة وأضفت ليها طابع متمدن عن طريق الكتابة بالحصر الملون ليظهر كأن الكلمات مكتوبة بالكومبيوتر وهو فن أنا الوحيد اللي بعمله في العالم”.
يعبر فوزي بالكلمات التي يرسمها على الحصر بأغلب ما يجوب في فكر الناس من أقوال مأثورة وآيات قرآنية، وعلى مدار فترة تتراوح من بين أسبوع إلى شهر يجلس يوميا لتحويل الصور التي يصنعها خيال إلى فن حقيقي معروض للناس.
وعلى الرغم من مدى جمال اللوحات التي يصنعها، إلا أنه يلاقي صعوبة في رواج تلك المنتجات إلا في القاهرة، وذلك لما قد يجده البعض من ارتفاع أسعارها، وعبر على أن تلك الصعوبات لا تمثل له عائقا حقيقيا، لأن كل ما يهمه هو ممارسة شغفه قائلا “أنا بصرف على فني من جيبي أكتر ما هو بيجيلي، بس مش مهم. لأن دي أكتر حاجة بحب أعملها ولأني شاطر فيها”.
منتجات سيوة
بعيدا عن فوزي ووهبة،جلس عبدالله عيد، من سيوة مع زوجته سلمى ليعرض منتجاتهما المميزة، فمنذ 10 سنوات ترك عبدالله المدينة وتوجه إلى سيوة باحثا عن الهدوء وتحقيق حلمه في زراعة الأعشاب العضوية في أرضه الخاصة وهي ما كانت جزء من المعرض.
النعناع الحبقي وعشبة الليمون وغيرها من الأعشاب التي لاتصنع إلا في بعض بلدان الشرق الأوسط كانت من أهم المعروضات في القسم السيوي و التي لاقت إقبالا جماهيريا عاليا.
وشرح عيد أنه يقوم طول السنة بزراعة تلك الأعشاب دون أي مواد كيمائية فقط عن طريق استغلال طبيعة الجو في سيوة الذي يسمح بزراعة منتجات لا تُزرع إلا في طقس جوي مماثل، ليقوم ببيعها في السوق بأسعار مخفضة عن تلك التي تكون مستوردة من دول شرق آسيا، قائلا “يستغرب أغلب الناس أن تلك الأعشاب تزرع في سيوة وقد يظن البعض أنها مختلفة عن التي يشتروها مستوردة، لكن في الواقع أن أغلب تلك الأعشاب من الممكن زراعتها والحصول عليها من هنا في مصر دون الحاجة إلى استيرادها بأسعار غالية”.
بجانبه جلست سلمى زوجته تعرض الشيلان والتيلان (الرداء السيوي التقليدي) المطرزة يدويا، إضافة إلى الفضة المصممة والمصنعة يدويا، شارحة “نحن مجموعة صديقات قررنا إنشاء أسرة منتجة تقوم بعمل منتجات تراثية قديمة وأخذنا بعض الدورات التدريبية من أجل تعلم دقة المصنعية والحرفية”.
من المعروف عن سيوة الأشغال اليدوية المتميزة، ولكن تصميم الفضة وتصنيعها يدويا كانت من الإضافات التي عرضها معرض يدوية، وعلقت سلمى على أن صناعة الفضة أصلها من سيوة ولكن بعد أن توفى سنوسي جبجب، المصمم والصانع الأول والأساسي لها منذ عشرات السنين، اندثرت معه حرفته لفترة طويلة خاصة بعد تربع الذهب لفترة طويلة على عرش المجوهرات، ولكن بعد ارتفاع أسعاره وعودة الناس للفضة عادت النساء إلى تعلم تصميم وتصنيع الفضة لتشكيل أساور وخواتم مميزة وتراثية.
وقالت سلمى “أخدنا دورات تعليمية لأحياء تلك الصناعة التي ماتت منذ حوالي 50 سنة، ونعمل بشكل أساسي على عكس الطابع السيوي في الإكسسوارات وعرضها بصورة حديثة”.
ولم تكن الفضة هي الإكسسوارات النسائية الوحيدة المعروضة في المعرض، إذ شغلت المنتجات التجميلية المصنعة في مرسى علم جزء كبير من المعروضات.
وقالت زينب فضل إن الحرف اليدوية المعروضة تشمل في تصميمها جزء مما توارثته النساء في مرسى علم عبر الأجيال، مستشهدة بعقد حملته في يديها قائلة “التصميم ده اسمه عقد الفتيلة المضفور، أمي كانت بتلبس زيه ومن قبلها ستي وألوانه ثابتة أزرق، أو أحمر، أو أبيض. ولكن زمان اللي كانوا بيصنعوه كان بيكون لنفسهم بس، ومكناش بنبيعه، بس دلوقتي الوضع أختلف وبقي في تجارة من التراث ده”.
13 تعليقات