معاصر الزيتون بين أطلال مدينة كرانيس

حظيت زراعة الزيتون باهتمام بالغ منذ ما يزيد عن سبعة عقود مضت بمدينة كرانيس الواقعة بمنطقة كوم أوشيم بالفيوم، هذه المدينة اليونانية الرومانية التي عرفت بأنها إحدى المدن الزراعية الهامة آنذاك، ومن خلال ما تم العثور عليه من برديات وقطع أثرية وأطلال منازل بها، تم وضع تصور كامل لطبيعة الحياة اليومية في هذه المدينة.

بطليموس الثاني

ذكرت مراجع تاريخية، أن الرقعة الزراعية اتسعت بالفيوم في عهد الملك بطليموس الثاني، إذ ازدهرت زراعة أشجار الزيتون بجزء كبير من الأراضي، كما أشارت أوراق البردي المعثور عليها وتعود للقرن الثالث قبل الميلاد لشخص يدعى “زينون” كان يدير ضيعة كبيرة لشخصية نافذة في بلاط  بطليموس، ذكر فيها أنه غرس أشجار الزيتون في الضيعة، وأنه كان أحد تجار الزيتون بالفيوم.

وباتت الفيوم خلال العصر اليوناني مركزا رئيسيا لزراعة الزيتون في مصر، الذي يستخرج منه أنواع الزيت، وخصصت الدولة الرومانية كذلك بعض الأماكن لتكون أشبه بمصانع لاستخراج زيت الزيتون من ثمار الزيتون، ومن بين تلك الأماكن كانت مدينة “كرانيس”.

كرانيس المدينة الزائلة

يمتد تاريخ “كرانيس” ​​على مدى سبعة قرون، من منتصف القرن الثالث قبل الميلاد حتى نهاية القرن الخامس الميلادي، وكانت في الفيوم مساحات شاسعة من أراضي الحدائق خصصها البطالمة لزراعة الزيتونً وإنتاج الزيوت، وقد عثر في مدينة كرانيس على العديد من الأدوات والمنشآت والأواني المرتبطة بزراعته، كم تم العثور على بعض الأحجار والطواحين التي استخدمت في معاصر الزيتون، وقد كشفت حفائر بعثة جامعة “ميتشجن” الأمريكية التي عملت بمدينة كرانيس الأثرية عام 1924، وجود بعض المصانع الأهلية الصغيرة والخاصة بصناعة زيت الزيتون.

وذكر عالم الجغرافيا والفيلسوف والمؤرخ اليوناني “سترابو” الذي زار مصر في القرن الأول ق.م في موسوعته “التاريخ الجغرافي”: أن الفيوم تتميز بزارعة شجر الزيتون على نطاق واسع وبها ثمار جيدة.

زيت الزيتون قديما

احتكرت الدولة البطلمية صناعة الزيوت، وتعددت استخداماته في تلك الفترة، حيث استخدم في تحضير الزيوت والمراهم العطرية والأغراض الطبية، كما استخدمه الكهنة في طقوسهم الدينية الخاصة بداخل المعابد، كما استخدم في الطهي والمأكولات، واستخدمه الرياضيين في دهان أجسادهم، بالإضافة لاستخدامه في العديد من العلاجات والأغراض الطبية مثل، علاج الحروق والتقرحات ووجع المفاصل وعلاج زلات البرد حسبما أشارت البرديات الطبية التي تم العثور عليها بمدينة كرانيس، وتوجد الآن بمكتبة الدراسات العليا بجامعة ميتشجن الأمريكية.

كما تدلل القطع الأثرية التي عثر عليها في مدينة كرانيس على أن قناديل الإضاءة كان يستخدم فيها زيت الزيتون، ومؤخرا نشرت صفحة “متحف كيليسلي” بجامعة ميتشجين الأمريكية، صورة كان يتم تداولها على إنها لنوع من الخبز الذي كان يأكله ساكني المدينة، وفي عام 1996 وبعد 70 عامًا من اكتشافها في كرانيس، فإن ديلوين صموئيل الباحث في جامعة كامبريدج، الذي كان يهتم بعمل أبحاث عن حبوب الخبز والجعة في مصر القديمة في ذلك الوقت، طلب أن يأخذ عينة من هذا “الخبز” الموجود بالمتحف لعمل تحليل عليه ليكتشف مكوناته، لكن المدهش أنه وبعد التحليل الخاص بالعينة يكتشف أن الخبز أو هذه الكعكات ما هي إلا بقايا بذور ثمار الزيتون، وكانت تلك البقايا التي تشبه الكعك أو الخبز تستخدم في الوقود أو علف للحيوانات.

كما توجد بمتحف ميتشيجين صور توضح أكوام من بقايا ثمار الزيتون التي تم عصرها، والتي عثر عليها في صومعة الطبقة العلوية بمدينة كرانيس، وأوضحت صورة أخرى مكبس لعصر الزيتون وأواني تستخدم في حفظ الزيت.

طريقة استخراج الزيت

يتم استخراج زيت الزيتون من خلال عدة طرق، حيث كان يتم هرس الثمار بالأقدام بواسطة ارتداء ما يشبه الأحذية الخشبية، أو من خلال الطواحين الحجرية الاسطوانية وهو ما كان يستخدم في مدينة كرانيس، حسب ما تشير إليه بقايا تلك الطواحين الموجودة الآن بالمدينة، وكانت الطواحين عبارة عن حجرين متماثلين في الحجم والوزن بينهما عارضة خشبية، وكان يقوم بدفعهما الحيوانات أو الأشخاص لهرس ثمار الزيتون التي يتم وضعها بداخلها، فهي تشبه إلى حد ما طواحين القمح التي كانت تستخدم في الريف قديما، وبعد الانتهاء من عملية الهرس يصبح الزيتون عبارة عن كتلة واحدة تشبه العجينة، يتم وضع تلك العجينة وعزلها في أكياس مصنوعة من نبات الحلفا ذات مسام تسمح  بمرور الزيت من خلالها وتحجز الشوائب والأجزاء الصلبة وقشر الزيتون.

وفي عام 2002 تم العثور من خلال بعثة مشتركة من المجلس الأعلى للآثار ومركز البحوث الأمريكي على  بقايا معصرة لزيت الزيتون في منطقة “واطفة” بمحافظة الفيوم وكانت عبارة عن غرفة مربعة الشكل محاطة بسور، ويوجد بداخلها بقايا أحجار كانت مخصصة للطاحونة، بالإضافة لوجود بقايا الحوض المخصص لجمع الزيت بعد العصر.

وقد عثر بمدينة كرانيس أيضًا على معصرة أخرى عبارة عن كتلة صلبة من الحجر الجيري، وبها جزء منخفض من الحجر مخصص للزيت المستخلص عبارة عن حوض كبير أمام المعصرة، ويمكن الآن عند زيارة مدينة كرانيس الأثرية مشاهدة بعض بقايا من تلك الطواحين الحجرية، ومكان السوق القديم بوسط المدينة الزائلة والأنقاض التي لا تزال تعافر الزمن كي تبقى كدليل على أن هناك في تلك البقعة كانت توجد حياة متقدمة.

 اقرأ أيضا

منازل مكونة من طابقين.. جولة في مدينة كرانيس الأثرية بالفيوم

 

مشاركة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر