مشهد خضراء الشريفة: أثر تاريخي نادر مٌهدد بالزوال

يعد مصلى خضراء الشريفة من الآثار الإسلامية الفريدة في مصر، حيث يمتاز بتصميم معماري يعود إلى العصر الأيوبي. ورغم ما يتمتع به من قيمة تاريخية كبيرة وتخطيط نادر يضم ثلاثة محاريب، فإنه يعاني من إهمال شديد يهدد بقاءه، إذ تحولت جدرانه إلى مساحة مهملة مملوءة بالقمامة والنباتات البرية. وفي ظل غياب خطة ترميم واضحة ضمن مشاريع تطوير منطقة عزبة خيرالله، يزداد القلق بين الأثريين بشأن فقدان هذا المعلم التاريخي دون تدخل فوري.

تاريخ مصلى خضراء الشريفة

يحمل مصلى خضراء الشريفة رقم 474 في عداد الآثار الإسلامية، وقد أنشأه عبدالله الأيوبي الشامي. ويُعرف مشروع “القاهرة التاريخية” التابع لمكتبة الإسكندرية هذا المصلى باعتباره أثرا يعود إلى عصر الدولة الأيوبية. وقد أنشئ المصلى على يد أبي محمد عبد الله الأيوبي الشامي في عام 577هـ/ 1181م، ويقع في شارع الخضراء الشريفة بحي مصر القديمة بمدينة القاهرة.

وفي هذا الصدد تحدث د. محمد حمزة الحداد، أستاذ الآثار والحضارة والفن الإسلامي، عن تاريخ المشهد قائلا: “يعد مصلى مشهد خضراء الشريفة من الأمثلة النادرة للمشاهد في العمارة المصرية الإسلامية، ويرجع تخطيطه إلى أواخر العصر الفاطمي وأوائل العصر الأيوبي، وتخطيطه فريد”.

إهمال مشهد أثري

أشار عميد كلية الآثار إلى الإهمال الذي يعاني منه المصلى الأثري، موضحا في تصريحات خاصة «باب مصر»: “المصلى في حالة مزرية منذ تسجيله في عداد الآثار، لكن المسؤولية تقع على الإدارة الحالية لإهماله بهذا الشكل. المصلى يقع في منطقة كانت مأوى للكثير من الهجرات من الصعيد والأقاليم المصرية المختلفة، وهي منطقة تسمى عزبة خيرالله الجديدة الواقعة خلف مبنى خيالة الشرطة وأمام متحف الحضارة حاليا”.

وتابع حديثه عن المنطقة وهي نفسها المعروفة بـ”القرافة الكبرى”، والتي تحتوي أيضا على مجموعة قباب السبع، ويقول: “هذه القباب تُعرف خطأ باسم قباب السبع بنات، وهي أقدم أمثلة القباب في العمارة الإسلامية في مصر. لا تزال هذه القباب تقع إلى الغرب من مشهد خضراء الشريفة. وبالقرب منها يقع جامع القرافة أو الأولياء، والذي أجريت حوله حفائر في السبعينيات من القرن الماضي بواسطة الدكتورة سعاد ماهر، ونشرت عنها تقارير وبعض العلماء والباحثين الأجانب كتبوا عن هذا الجامع الذي يرجع إلى فترة مبكرة جدا، حيث كان يحتوي على لوحة تأسيسية لوالدة العزيز بالله سنة 336 هجرية”.

معمار فريد

وصف مساعد رئيس جامعة القاهرة السابق تخطيط المصلى بأنه نادر للغاية، حيث يتبع نظام تخطيط القلب والجناحين، ويتضمن عددا من المحاريب، من بينها المحراب الرئيسي والمحاريب الجانبية.

وحول الإهمال الذي يتعرض له المصلى، قال: “إهمال المصلى واضح تماما، إذ أصبح مجرد جدران فارغة تماما من الداخل، وأصبحت الحجرات بلا أسقف، بينما المحاريب لا تزال موجودة لكنها في حالة يرثى لها. إذا لم تخضع للصيانة، فإننا سنفقد هذا الأثر النادر للأبد”. وتسائل د.حمزة: “هل إهمال المشهد بهذا الشكل أمر مقصود في ظل مشروعات التطوير الجارية في المنطقة؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن الخراب سيظل يحيط به حتى ينهار ويتساقط دون تدخل”.

مشروع تطوير

تخضع منطقة عزبة خيرالله للعديد من المشروعات العمرانية. وبحسب بيان صادر في فبراير 2024 عن محافظة القاهرة، أُبرم بروتوكول تعاون بين محافظة القاهرة وجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروعات تطوير منطقتي عزبة خيرالله والزاوية الحمراء. بتمويل من الاتحاد الأوروبي عبر الوكالة الفرنسية بقيمة 43 مليون جنيه.

ووفقا لدراسة مركز طارق والي للعمارة والتراث المنشورة عام 2015، تضم المنطقة العديد من المواقع التاريخية مثل الجبخانة وقباب السبع بنات وتل الطواحين وكنيسة الطاحونة. بالإضافة إلى قناطر مياه أحمد بن طولون وبئر أم السلطان ومشهد خضراء الشريفة. وأشارت الدراسة إلى أن غياب الحماية عن تلك المواقع أدت إلى التعدي عليها، وتحويلها إلى مساحات تستخدم لتراكم القمامة بدلا من الاستفادة منها كمراكز ثقافية تخدم المجتمع.

مطالب بالصيانة والترميم

واستكمل د. حمزة حديثه عن المشهد قائلا: “لا يجب أن نخسر كل فترة أثرا من الآثار المصرية الفريدة. ونطالب بالتدخل لصيانة وترميم هذا الأثر النادر، والذي درسه الكثير من علماء الآثار على رأسهم أبو العمارة الإسلامية الكابتن كريزويل. ولا تزال مكتبته موجودة باسمه حتى الآن بالجامعة الأمريكية. بالإضافة إلى دراسات بلوم ويوسف راغب، ودراستي للمشهد في الماجستير عن القرافة والقباب ودراسات علماء وباحثين آخرين”.

كما قارن أستاذ الآثار المصلى بمشهد السيدة رقية، وأردف قائلا: “لا بد من إعداد مشروع فوري لهذا المشهد من أجل صيانته وترميمه، لأنه أثر نادر في تخطيطه. ويقترب من مشهد السيدة رقية الذي يرجع إلى عام 527 هجريا بشارع الأشراف. ويعد المصلى أكثر تطورا من مشهد السيدة رقية. وأيضا مشهد 77 ولي بأسوان من المشاهد المتميزة جدا”.

ولتجديد وحماية المشهد وإعادته إلى شكله السابق، أوضح: “أقترح تقديم دراسة استشارية تستمد من الصور القديمة والدراسات الهندسية التي تتضمن المساقط القديمة والمحفوظة. وذلك استنادا إلى تقارير لجنة حفظ الآثار العربية التي لها فضل في الحفاظ على جميع الآثار الإسلامية وتسجيلها”.

آثار الحية

“هل وجود آثار إسلامية بجانب مناطق عمراني يكتب عليها النهاية؟”. يجيب المؤرخ الأثري موضحا: “هذا أمر طبيعي وهنا يتضح الفرق بين الآثار المصرية الإسلامية والآثار المصرية القديمة. فالآثار المصرية القديمة موجودة في أماكن منعزلة عن الناس في مناطق صحراوية. أما الآثار المصرية الإسلامية “آثار حية” كما يعرفها اليونسكو بأنها لا تزال في نفس البيئة التي يعيش فيها الناس حتى الآن. يظهر ذلك بوضوح في إشكالية المقابر، فالمدافن المصرية القديمة لا تستخدم في الدفن. أما المصرية الإسلامية فما زال الدفن مستمرا بها حتى الآن واستمر الدفن فيها لمدة 1426 عاما. حتى صدور قرار في إبريل الماضي من قبل المحافظ بوقف الدفن تمهيدا للدم”.

كما أشار إلى أزمة أخرى تهدد المصلى والقاهرة التاريخية، وهي المياه الجوفية. وقال: “كانت تنُقل من خلال الأسبلة، وكان يوجد بالقاهرة التاريخية أكثر من 3000 سبيل تنتقل خلالها المياه عبر الصهاريج. ولكن مع توقف عمل الأسبلة أصبحت المياه الجوفية تخرج على السطح، مما يشكل تهديدا مباشرا لكل الآثار الإسلامية”.

اقرأ أيضا:

عمرها 99 عاما.. نزع شبابيك وأبواب «فيلا غُرة» التراثية تمهيدا الهدم

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر