مراجعة كتاب| «الطريق إلى مكة».. مذكرات كاتب يهودي
كتب – مارك أمجد
هو مذكرات الكاتب اليهودي النمسوي (ليوبولد فايس)، الذي أسلم وصار اسمه محمد أسد عام 1926، وهو يقول في مقدمة كتابه: ما أرويه في هذا الكتاب لا يعد سيرة ذاتية لامرئ يشعر بالفخر لدور قام به في الحياة العامة، كما لا يعد رواية لمغامرات خضتها، على الرغم من أني صادفت مغامرات عجيبة، فإنها لم تمثل لي أكثر من مجرد أحداث مرافقة ومصاحبة لما كان يدور داخلي وما أصادفه، عدا كل ذلك فهو لا يعد قصة حياة رجل يفتش بقصد ونية عن إيمان عميق أو عقيدة بذاتها؛ فذلك الإيمان حل عليّ عبر رحلة السنين دون أن أسعى إليه. حكايتي ببساطة هي حكاية اكتشاف رجل أوروبي للإسلام كدين متكامل في أي مجتمع إسلامي.
وبناء عليه، يوضح محمد أسد في كتابه كل المفاهيم الخاطئة التي تعمد الغرب تكوينها عن الإسلام، وكأوروبي عاش في شبه الجزيرة وسط العرب، واختلط بهم وتأثر بأفكارهم، يفند كل تلك المفاهيم المغلوطة من زاوية قريبة جدا لصحفي وكاتب عبقري عمل لصالح أشهر الجرائد الألمانية وألف طيلة عمله هذا عددا لا بأس به من الكتب، فيتحدث عن تدهور الدولة الإسلامية بعد مجد الخلفاء الأوائل وحياة الأندلس، بسبب ما فعله المسلمون في المسلمين، ويذكّر القارئ بأن الحروب الصليبية هي الفيروس الخطير الذي زرع روح الحقد والتعصب عند الأوروبيين تجاه كل ما هو عربي أو إسلامي، ويسلط الضوء أيضا على العلوم التي أحياها وأسسها علماء المسلمين مثل جابر بن حيان والخوارزمي، ويدافع عن الأمور التي يتذرع بها أعداء الإسلام مثل تعدد الزوجات مثلا، فيوضح أنه عادة كانت عند العرب وغيرهم قبل الإسلام.
ثم يتطرق لأهم القضايا وأكثرها انتفاضة حتى يومنا هذا؛ القضية الفلسطينية، فيورد المؤلف حوارًا له مع أحد قادة الحركة الصهيونية الدكتور (حاييم وايزمان)؛ ويثبت له بالأدلة والبراهين أن الكتلة الرئيسة للشعب الذي يعيش على أرض فلسطين ويتحدث العربية سواء مسلم أو مسيحي، هم الامتداد المباشر ونسل السكان الأصليين الذين كانوا على هذه الأرض من آلاف السنين، وكانوا أيضا يعيشون هنا قبل وصول العبرانيين.
يعرض أسد تجربته بطريقة كلها شعر، أقرب إلى رواية وثائقية تروى على لسان مختبر حقيقي للبيئة التي يصفها: قالت لي ما أغربك دون كل الناس، تستنكر الغموض وترفضه في كل دين… مع أنك أنت نفسك غامض، تصل وتتواصل مع الحياة من حولك بأطراف أناملك وترى في الأمور اليومية العادية أنماطا من الغموض والتعقيد فيما يبدو للناس الآخرين أمورا عادية، ولكن في اللحظة التي تتحدث فيها عن الدين، تتحول إلى عقلاني تماما، الأمر الذي عكس ذلك عند كل الناس.
محمد أسد؛ ولد عام 1900 بإحدى مقاطعات النمسا التي ضمت لألمانيا بعد ذلك. عمل صحافيا ومراسلا لكثير من صحف وسط أوروبا وألمانيا وهولندا وسويسرا عن منطقة الشرق الأوسط وإيران وأفغانستان والهند. عاصر وشارك في كثير من الأحداث التي شكلت مستقبل المنطقة الممتدة من ليبيا حتى الهند، قبل وبعد إعلان دولة باكستان الإسلامية. وعمل مندوبا للحكومة الباكستانية لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
من أهم أعماله:
– مقالات صحفية من فلسطين في عشرينيات القرن العشرين مؤيدة للحق العربي وذلك قبل إسلامه.
– الإسلام على مفترق الطرق.
– مجلة عرفات الإسلامية بباكستان.
المترجم في سطور؛ رفعت السيد علي؛ تخرج في كلية الطب جامعة القاهرة عام 1975، حصل على دبلوم الدراسات العليا في الأنثروبولوجيا من جامعة القاهرة 1994. كاتب مقالات سياسية وأدبية وعلمية بعديد من الصحف والمجلات.
الطريق إلى مكة؛ كتب بالإنجليزية ونشر لأول مرة عام 1954 في أمريكا ثم إنجلترا. وترجم بعدها إلى الألمانية والسويدية والهولندية والفرنسية والأوردية. صدر بالعربية عن دار الجمل عام 2010 في 559 صفحة من القطع المتوسط.