«مدرسة النهضة النوبية».. أنشأها فؤاد الأول بتبرعات النوبيين عام 1932
يبدأ اليوم التاني لأسبوع التراث السكندرى، الذى ينظمه مركز الدراسات السكندرية، بجولة داخل مدرسة “فؤاد الأول”.
ومدرسة “فؤاد الأول” هي إحدى المدارس الأثرية التي أنشأت على الطراز المعماري الإيطالي، بحي الباشاوات حينها “محرم بك” في ديسمبر 1934، وحتى أكتوبر 1939. وهي أولى المدارس النوبية في الإسكندرية، التي أنشأت بتبرعات ومساعدات.
أول مدرسة نوبية
يروي حسين أحمد عبدالمجيد، رئيس جمعية النهضة النوبية، تاريخ إنشاء مدرسة فؤاد الأول، ويقول إن الفكرة نشأت بعد نزوح النوبيون عقب تشييد السد العالي. وتهجير أهلها قبل ثورة 1952 من بلدتهم الأصلية “النوبة” مستوطنين عدة محافظات. من بينها الإسكندرية، وتحديدا في منطقة محرم بك وما حولها. في المرة الأولى عام 1902 بعد إنشاء خزان أسوان، ثم في التعليات الأولى عام 1912، والثانية 1933. ثم بناء السد العالي في حقبة الستينيات.
وقد مثل ترابط النوبيون وأصالتهم الدافع نحو الإقامة في منطقة محرم بك وما حولها. فسكنوا شوارع المجموعة الشمسية، بحسب عبدالمجيد، الذي قال إنها عبارة عن شوارع في النطاق ذاته أطلق عليها أسماء “شارع النجوم، الكواكب، القمر، الشموس، وثريا”. ولاهتمامهم بالعلم قرروا إنشاء جمعية في المنطقة نفسها. ثم جاءت فكرة المدرسة، ثم بدأوا في التفكير في إنشاء مدرسة تقوم على خدمة أهالي المنطقة من أهالي النوبة أو من دونهم.
وأضاف أن النوبيين بدأوا أعمالهم الخيرية من خلال الجمعية الخيرية التي تحمل اسم “النهضة النوبية” عام 1909. مضيفًا أن اهتمام النوبيون بالتعليم كان السبب في أنهم أصبحوا أقل نسبة أمية في مصر على مدار تاريخها. وعندما قرروا إنشاء مدرسة منحهم الملك فؤاد الأول قطعة أرض عام 1934. وبدأوا في جمع القروش من بعضهم ثم من المساهمات الخارجية وأنشأوا مدرسة فؤاد الأول.
الملك فؤاد
صدر مرسوم ملكي بتأسيس مدرسة تحمل اسمها رئيسها الشرفي الملك فؤاد الأول. وتضمن الإذن الملكي، الذي ما زال يتوج ساحة الطابق الأول منها، عبارة “ديوان كبير الأمناء، حضرة المحترم الرئيس الفخري لجمعية النهضة النوبية الخيرية الإسلامية بالإسكندرية. رفعت المسامع العلية الملكية الملتمس المقدم من جمعية النهضة النوبية الخيرية بأن توضع تحت الرعاية السامية حفل وضع الحجر الأساسي لبناء مدرستها يوم الأحد 17 فبراير سنة 1935. “وكان صدر النطق السامي بالكريم بالقبول والإذن بإطلاق اسم جلالته الكريم على هذه المدرسة”.
وقد خدمت المدرسة، وفقًا لرئيسها، جميع أبناء المنطقة من النوبيين وغيرهم. وكان من ضمن خريجيها شخصيات تقلدوا مناصب عليا، من بينهم اللواء مصطفى السيد، محافظ أسوان الأسبق، وزارها الرئيس الراحل أنور السادات.
مصر والسودان
ويضيف عبدالمجيد أن المهتمين بالعلم في مصر والسودان تسارعوا لإنشاء المدرسة. فتسابقوا في دفع التبرعات لإنشائها، وكان أولهم الملك فؤاد الأول الذي تبرع بالأرض ومبلغ مائة جنيه. ثم رئيس وزراء مصر السابق محمد محمود باشا، الذي تبرع بجنيهًا واحدًا وكان حينها مبلغ كبير يعادل جنيها ذهبيا الآن “5 آلاف جنيه”. ومراد محسن باشا 1 جنيه، أما الأقل شأنًا فتبرعوا بـ50 قرشًا. والجمعيات الخيرية تبرعت بجنيهين و3 جنيهات. كما كان من بين المتبرعين بعض “الخواجات” الأجانب اللذين كانوا يقطنون مصر، فهناك من تبرع بـ 50 قرشا و30 قرشا.
أما رئيس الطائفة الميرغنية في السودان فكان له نصيب الأسد في التبرع لصالح بناء مدرسة فؤاد الأول. وتبرع بـ30 جنيهًا، وهو يعد مبلغا كبيرا جدًا حينها، وبلغ إجمالي قيمة إنشاء المدرسة 2.775 جنيه. وأرجع عبدالمجيد السبب في ذلك الاهتمام إلى حماس المتبرعين. لأن المشروع جذبهم ولاندهاشهم من حرص النوبيين على التعليم، الذي كان أحد شؤون الدولة أو الأجانب وليس الأفراد المصريين.
تخصيص المكان
وقال عبدالمجيد إن الملك فؤاد خصص للجمعية فورًا المكان الذي أقيمت عليه فيما بعد لمدة 50 عامًا. بإيجار سنوي جنيه واحد، ثم أعيدت ملكًا للجمعية مرة أخرى. ولكن الحكومة وضعت يدها عليها بعد ثورة 1952 وأخضعتها لإشرافها، وهو قرار سيادي ليس له ما يبرره.
وقد توالت القضايا التي أقامتها الجمعية على وزارة التربية والتعليم والمطالبات الرسمية لاسترداد المدرسة مع إخضاعها للثانية ومعاملتها معاملة المدارس الخاصة إلى الآن. وحصلت على أحكام قضائية ولكنها لم تنفذ، ولكن رئيس الجمعية أكد على أنهم لن يتوانوا عن السعي نحو استراد حقهم في المدرسة. وخاصة بعد نجاح آخرين في الحصول على تلك الخطوة.
وأضاف إن الحكومة مازالت تسدد قيمة إيجار المدرسة والأرض، والتي قدرت بـ660 جنيهًا منذ وضعت يدها عليها. ولم تزد تلك القيمة، مشيرًا إلى أن المدرسة تتضمن 22 فصلا. وتندرج ضمن المدارس المعانة، التي تسدد الوزارة القيمة الإيجارية عنها. مؤكدا أن الجمعية ليست حريصة على الإيجار ولكن على استرداد الأرض بما يعتليها من مبانٍ.
أبناء النوبة
وأشار إلى أن النهضة النوبية تتميز عن غيرها من المدارس بأن معظم مدرسيها من أبناء النوبة. كما أن طريقة التدريس التي انتهجتها والتربية بها تختلف كثيرًا عن المدارس الحكومية. فتنطبع أخلاق المعلمين على الطلاب. مشيرًا إلى أن الإدارة تطبق على المدرسة الابتدائية، التي مازالت تابعة لها وهي مبنى منفصل عن المدرسة الإعدادية “فؤاد الأول”، لائحة التربية والتعليم الخاصة بالمدارس الخاصة، وهي اللائحة 420 لسنة 2014.
وجاء اختيار المكان لأن أبناء النوبة تقطن الشوارع المحيطة بها. فهي جميعها شوارع المجموعة الشمسية، وتطلق عليها أسمائها، فهناك شارع القمر، الكواكب، النجوم، والشموس، وثريا. وتمركز فيها النوبيين بجانب العطارين، وهي دائرة واحدة لم يخرجوا منها، غربال، محطة مصر، الفراهدة، العطارين، كوم الدكة.
أما فيما يتعلق بالمبنى كأثر تاريخي، فيقول عبدالمجيد إن المدرسة مسجلة بالآثار ولا يستطيع أحد إجراء أي تعديل عليها إلا بتصاريح وتراخيص معينة. ولذلك فإن أعمال الصيانة الضرورية اللازمة للحفاظ عليها. ولكن كأثر فهي خاضعة للهيئة العامة للآثار. وهي حتى هذه اللحظة حالتها جيدة ولكن لم يتغير المبنى منذ إنشائه. وهو متماسك ومحتفظ بنظامه الذي بني عليه.
أما عن أول دفعة تخرجت من المدرسة فكانت لا يزيد عددها عن 50 طالبا. وحرصت المدرسة على الاحتفاظ بصورة تذكارية لهم حتى اليوم.
* مؤسسة ولاد البلد، الشريك الإعلامي لمركز الدراسات السكندرية.
تعليق واحد