«متحف الميمورابيليا»: رحلة كنوز الأسواق الشعبية للبيوت المصرية
«متحف الميمورابيليا» عنوان اختاره الكاتب والسينمائي المصري حسام علوان لصفحة إلكترونية لتوثيق تاريخ مقتنيات شخصية قديمة عثر عليها خلال جولاته في الأسواق الشعبية، بعضها لوحات أصلية ورسائل وصور، ووثائق ومقتنيات، وأثاث تاريخي، تقع في يده عن طريق الصدفة بعدما بدأت رحلتها من تاجر إلى آخر حتى تصل إلى هواة جمع المقتنيات القديمة.
متحف أهلي
بدأ الكاتب حسام علوان هوايته قبل ثلاثين عاما في جمع المقتنيات القديمة حتى حول منزله إلى متحف. العديد من الصور والخطابات والمستندات الأصلية ضلت طريقها عن أصحابها حتى أصبح مصيرها في يده. كذلك لوحات أصلية وسجاد قديم وكرسي عتيق وغيرها من المقتنيات التي احتفظ بها علوان في غرفة مكتبه.
ويقول علوان لـ«باب مصر»: “أجمع هذه القطع القديمة خلال جولاتي المستمرة في الأسواق الشعبية بين محافظتي القاهرة والإسكندرية، ومنها سوق الجمعة والعطارين وسوق سينما ديانا وأماكن أخرى بحثا عن قطعة قديمة تجذبني لاقتنائها بهدف الاستمتاع بالتجربة”.
ينتج عن الجولات في الأسواق الشعبية العثور على أوراق هامة عن طريق الصدفة. منها لوحة أصلية للفنانة الإيطالية “اميليا دا فورنو كازوناتو”. إذ وجدها ملقاة على الأرض بين أوراق قديمة في “سوق الجمعة”. وأوراق خاصة بالموسيقار الراحل محمد فوزي. والأوراق الأصلية لتأسيس سينما ديانا الأقدم في القاهرة، من خلال شراء كرتونة مغلقة ممتلئة بالأوراق، يطلق عليها التجار اسم “شروة”.
أوراق هامشية
على غير السائد فإن علوان غير مهووس بالمقتنيات الملكية أو الخاصة بمشاهير وشخصيات عامة. ويوضح: “الأوراق الهامشية هامة جدا لأنها تجسد روح كل فترة من خلال طرق الكتابة والموضوعات”. ويأتي ذلك على غرار مدرسة “الحوليات الفرنسية” المتأثرة بالوثائق العامة وتوثيق التاريخ من خلال الأوراق الهامشية كمصادر للتأريخ المجتمعي.
تأتي قيمة الأوراق الهامشية في إعادة القراءة نظرا لانخفاض قيمتها والتي قد تكون في بعض الأحيان مجانا لراغبي اقتنائها. مضيفا أنها تعتبر مادة للبحث والمعرفة عن شكل الحياة الاجتماعية في مصر عبر مراحل زمنية مختلفة من خلال الخطابات اليومية والأوراق وغيرها من المقتنيات الخاصة بالمواطنين التي تلقي نظرة عن الذوق العام لكل مرحلة.
تجار الأنتيكات
تتم عملية بيع هذه القطع من خلال طريقتين الأولى عبر الأسواق الشعبية مثل سوق الجمعة، العطارين وغيرها. وقد يجهل البائع بتاريخ كل قطعة أو قيمتها، والثانية من خلال تجار متخصصين ويحصلون على القطع من بائعي الخردة والأسواق الشعبية مع عملية فرزها وتحديد الأسعار.
بيع وشراء المقتنيات القديمة يتم من خلال عدد كبير من التجار في هذا المجال. ويتخصص كل تاجر في مقتنيات فئة محددة، لوحات أصلية، أوراق وكتب قديمة، أختام وطوابع، عملات معدنية، أثاث قديم، قطع معدنية أصلية قديمة وتعرف باسم “الخردة”.
ومنهم محمد عمر، تاجر التحف والأنتيكات المصري بجانب عمله الأصلي في التدريس، وينقسم عمله في عرض القطع القديمة بين محافظتي القاهرة والغربية. إذ تعلم بالممارسة كيفية الحصول على قطع نادرة ومميزة، ذات قيمة عالية. ويحصل يوميا على عدد من القطع التراثية المصرية التي يتخطى عمرها مائة عاما، ويتم فرزها بحسب المحافظات التابعة لها.
نوادر تراثية
أبرز القطع التي حصل عليها أدوات ترجع إلى الحرب العالمية الثانية في مصر منذ أربعينات القرن الماضي. كالأسلحة الإنجليزية الأصلية، وأدوات مؤرخة بالختم الأصلي، جزء من قرآن مملوكي خاص بملك ووصل سعر بيعه إلى 5 آلاف جنيه. وبعض القطع النادرة يفضل الاحتفاظ بيها عن بيعها ومنها إطار ملكي للاحتفال بزواج الملك فاروق من الملكة فريدة.
أما القطع المصرية نادرة، بسبب وجود مستعمر معظم الوقت. ومن القطع المصرية النادرة، أعمال النحاس المحلاوي، الشخاليل والكوز المحلاوي. والنحاسيات المصرية القديمة التي ترجع إلى دولة مصر العثمانية كمطحنة قديمة نحاس تحمل ختم السلطان العثماني الطغراء. ومصاحف ومسابك جميعها تحمل ختم الدولة. وقوالب الختم العثماني الأصلية، كما قال.
عن خامات القطع يتحدث عمر لـ«باب مصر»: “الخامات، نحاس، أوراق، أخشاب ومعادن ويتوقف تحديد سعر كل قطعة وفقا لوجود يميزها من قيمة أو فن أو تاريخ أو أعمال يدوية”.
لا تتم عملية البيع والشراء بشكل عشوائي، وللمجال رواد قدامى تخصصوا في فرز وتقييم وبيع القطع القديمة والتراثية على مدار 50 عاما. ويحصل كل تاجر على القطع بمختلف أنواعها من تجار الخردة بعد شرائهم لمقتنيات المنازل القديمة التي يعرضها أصحابها للبيع وبدوره التاجر يحاول الاستفادة من كل قطعة بالمنزل بخلاف الأثاث.
إنقاذ التراث
يوضح ذكي الجبار كبير تجار الأنتيكات في سوق ديانا الشعبي بالقاهرة طريقة العمل في جمع وتصنيف المقتنيات القديمة. إذ يحصل كل تاجر على البضاعة مغلقة وتسمى “بنود”. ويتم بيعها بإحدى الطريقتين إما فرزها وتحديد سعرها أولا وتباع كل قطعة على حدة وبعضها يكون بلا قيمة أو تباع مغلقة ويقوم المشتري بمهمة الفرز.
اقتحام العديد من غير المتخصصين للمجال جعله يأخذ صورة تجارية حتى لجأ البعض لتقليد القطع القديمة. ويقول ذكي: “الهاوي غير المتخصص قد لا يدرك الفرق بين القطعة الأصلية والمقلدة. وتتم من خلال استبدال النحاس بالبرونز وتقليد إمضاء لفنانين على لوحات غير أصلية”.
ويتابع تاجر الأنتيكات: “المجال عظيم ولنا دور رائد في إنقاذ التراث من أيدي باعة الخردة الذين يجهلون قيمة القطعة حتى تصل لهاوي الاحتفاظ بها وبدوره يحافظ عليها لفترة أطول”.
اقرأ أيضا
في سلسلة ندوات «خزانة» للتراث: العمارة الإسلامية من منظور أيقونة سوهاج