ستات البلد| ماري أسعد.. المبتسمة دائمًا
حين نتكلم عن حقوق النساء والمهمشين لا يمكن أن نغفل ماري أسعد ، إحدى أوائل المناضلات ضد ختان الإناث في مصر، وأوائل المنادين بفكرة إعادة التدوير التي غابت عن السياق لعقود. في سلسلة “ستات البلد” بالتعاون مع مؤسسة المرأة والذاكرة، نتذكر تلك السيدة التي ناضلت بثبات وهدوء وابتسامة لم تفارقها.
ماري أسعد واحدة من أوائل المناهضات لختان الإناث، وكانت أبحاثها منصبة على مصر وشمال أفريقيا بالتحديد. اهتمت بتعريف الظاهرة وخطورتها وبالممارسات الضارة تجاه النساء.
ولدت ماري باسيلي أسعد، عالمة الأنثروبولوجيا، وخبيرة التنمية الاجتماعية في 16 أكتوبر عام 1922 بحي الفجالة بالقاهرة، حصلت على شهادة الماجستير في علم الاجتماع والإنسان من الجامعة الأميركية في القاهرة، في الخمسينات، وهو ما جعلها ترى سياق المجتمع بشكل أوسع وأكثر عمقًا لتصبح خبيرة التنمية الاجتماعية وناشطة في مجال حقوق النساء.
ماري أسعد السيدة البشوشة صاحبة الابتسامة القوية التي تخترق بها جميع المجالات التطوعية التي شاركت بها، فهي صاحبة مبادرة حي الزبالين وأول من نادى بضرورة الحاجة إلى فصل وفرز القمامة من المنبع، هذا بالإضافة إلى افتتاحها المدارس الصيفية لتعليم القراءة والحرف اليدوية.
ماري أسعد الأم الملهمة
في مقابلة مع مؤسسة المرأة والذاكرة، أجرتها الدكتورة هدى الصدة، في 3 نوفمبر 2014، تحدثت ماري أسعد في البداية عن والدتها، وكيف تمتعت بقوة الشخصية، وكيف اختارت زوجها، واهتمامها بأبنائها، ورغبتها في تفوقهم، قالت:
“لقد واجهت تحديًا، وكنت دائمًا أسعى إلى إثبات ذاتي منذ أن كنت صغيرة، وأهم ما أثر عليّ كانت أمي التي كانت وحيدة وكنت أذكّرها بذاتها للغاية وقد كانت غاية في الذكاء.
لم تكمل تعليمها فقد دخلت مدارس فرنسية لبعض الوقت ثم توقفت، حيث كانت مدللة للغاية، وكل ما أعرفه عن طريق محيطها هي أنها من قررت الزواج من أبي، وكان أهل أبي جميعهم في الصعيد يعيشون في بنجا، ولكنه أتى إلى القاهرة وتعلّم تعليمًا متوسطًا، ثم عندما تزوجا صارت أسرتنا أمومية”.
حكت ماري عن تحفظ والدتها بالرغم من ذلك، حيث رغبت شقيقتيها في الالتحاق بالكلية الأمريكية للبنات، ورفضت والدتها رفضًا شديدًا، نظرًا لقلقها من التحرر الزائد في المدرسة، لكنها رضخت في نهاية الأمر. حدث موقف مشابه عندما رغبت شقيقتها في الالتحاق بالجامعة الأمريكية، واعترضت والدتها على مبدأ الاختلاط، ولكنها أذعنت في النهاية.
“كنت المصرية الوحيدة التي تعمل في مؤسسة دولية”
اهتمت أسرة ماري أسعد بتعليم وعمل الفتيات، والدليل على ذلك قيام والدتها التي كانت القوة الدافعة للعائلة، بمساعدتها في سن مبكرة على التطوع مع جمعية الشابات المسيحيات، بل وطلبت من مديرة مدرستها (التى كانت عضوة فى جمعية الشابات المسيحيات) أن تقوم بتعيين ماري في الجمعية دون علمها.
وبالفعل تم إرسال ماري مع عضوات شابات إلى أول مؤتمر للمنظمة عقب الحرب العالمية الثانية في رام الله، لتتحدث عن التعديلات التي أدخلتها على المنظمة، وتشجيعها على عودة الأعضاء السابقين، وجمع الكثير من الأموال.
وفي عام 1951 تم الاستغناء عن الأعضاء الإنجليز، وذلك لرغبة الجمعية في ضم مصريين إلى المنظمة، وتم تجديد المعسكرات، وإلقاء المحاضرات، والقيام برحلات.
عن تجربتها في الجمعية تقول: “كانت أولى تجاربي مع جمعية الشابات المسيحيات والتي كانت مؤسسة معنية بالمرأة استمرت لمدة ستة عشر شهرًا فقط خلال عامي 1952-1953، وكنت المصرية الوحيدة التي تعمل في هذه المؤسسة الدولية وحتى الآن بالرغم من وجود مصريين في اللجان التنفيذية للمؤسسة لكن أظل أنا الشخص الوحيد الذي كان ضمن فريق العمل، وقد كانت تجربة مكثفة وتحررية في بداية الأمر كان الشعور بالحياة بعيدًا عن عائلتي لأول مرة، والقيام بالأمور وحدي لأول مرة“.
ختان الإناث
عن اهتمامها بمناهضة الختان، تقول ماري أسعد في المقابلة:
“لقد قمت بدراسة اكتشفت من خلالها أنه إحدى المجالات المنسية بصورة كبيرة ولها احتياج واسع هي مسألة صحة النساء، ولم يكن هناك تحديث موجّه لهذا المجال، فقد جئت من أسرة ومناخ عام يمارس فيه ختان الإناث باعتباره من العادات والتقاليد، وكنت قد اهتممت بهذا الأمر بسبب صديقاتي اللاتي قلن لي أنه ليس بالأمر السيء ولا يمثل إشكالية.
ولكن صارت الأمور أوضح مع الوقت أكثر فأكثر أن المسألة ليست متعلقة فقط بختان الإناث، بل إنه كل شيء يتعلق بوضع النساء وحقوقهن وكرامتهن وكيف لي أن أتعامل مع مسألة تنظيم الأسرة ومحو الأمية، والفتيات في المقطّم وكل ذلك وأنا أسمح بقطع أجزاء من أجسامهن، فشعرت أنني منافقة ولذلك وجدت أن هذا الشأن هو الجانب الأساسي لعملي بكامله ولذلك استمر فيه.”
طبقًا لمقالة عزيزة سامي في الأهرام أون لاين، فقد نشرت ماري أسعد في عام 1970 دراستها المبدئية حول ختان الإناث في مصر وأفريقيا، وهي الأولى من نوعها التي تغطي هذا النطاق الواسع فضلاً عن إلقاء الضوء على العوامل الاجتماعية والثقافية التي تساهم في استمرار ختان الإناث، وأصبحت هذه الدراسة هي أساس لعمل للجنة التحضيرية لمؤتمر 1994 الدولي للسكان والتنمية.
أصبحت ماري أسعد عضوة مجلس إدارة في رابطة حماية البيئة، ثم استقالت في وقت لاحق من مجلس الإدارة، وفي وقت المقابلة كانت تؤدي مهام مستشارة تنموية، قامت بعمل دعوة شاملة إلى الجمعيات والمنظمات الأهلية من أجل بحث قضايا صحة المرأة وختان الإناث، فتم تأسيس لجنة للتنمية والصحة لتقديم مساعدات طبية وصحية إلى سيدات وفتيات حي المقطم، والقيام بزيارات من قبل عاملين بالصحة، بالإضافة إلى محاولة تعليم فتيات الحي القراءة والكتابة، ولكنها باءت بالفشل.
خلال رحلتها العملية، افتتحت ماري أسعد مدارس صيفية لتعليم القراءة والحرف اليدوية في سمباط بزفتي، نالت تدريبًا في الأمم المتحدة بفضل سكرتيرة المنظمة الثائرة الأستاذة “روبرتس”، وتبوأت منصب السكرتيرة العامة عام 1954، وحازت على درجة الماجستير في علم الاجتماع وعلم الإنسان، وقد عملت في تلك الآونة في مركز البحوث الاجتماعية في الجامعة الأمريكية، وكانت عضوة نشطة في الكنيسة الأرثوذكسية، ورغبت في توسيع نشاط الكنيسة، وأصبحت عضوة في المجلس العالمي للكنائس، إلى جانب دور زوجها في ضم كنيسته للمجلس بصفته عضواً بارزًا في الكنيسة البروتستانتية.
عن تجربتها في عضوية المجلس العالمي للكنائس والتي استمرت 6 أعوام تقول أسعد:
“عندما أفكر فيمن ساعدني أجد أنهم زملائي من الرجال وخاصة الأمين العام، والنساء، لقد كان لدينا حركة نسائية حقيقية، شاركت النساء بدور فعال ونشط وعقدنا ثلاثة اجتماعات للتجمع النسائي، وشاركن أيضًا في مجموعات مختلفة وكان دورهن بارز، وقمن بتعريف أنفسهن بصورة مغايرة وقمن بدورهن القيّم عوضًا عن التقليد، ففي كثير من الأحيان كانت النساء داخل الكنيسة تتبع نماذج الرجال، ولكنهن كنّ واعيات أن يتصرفن على طبيعتهن وأن ينصت الجميع لهن كنساء، وكانت هذه هي الحركة التي نخلقها سويًا”.
نالت ماري منحة دبلوم من منظمة الصحة العالمية في إنجلترا في مجال تنظيم الأسرة بفضل مديرة المنظمة، ليلى الحمامصي؛ واٌنتدبت مفوضة في اللجنة الطبية المسيحية بالمجلس العالمي للكنائس نظرًا لعملها في مجال التوعية بختان الإناث وصحة المرأة.
عٌرض عليها العمل في سويسرا مع سكرتير عام المجلس كنائبة لفيليب بوتر، وقد رفضت في بادئ الأمر بسبب رغبتها في العمل مع الناس وتقديم المساعدات؛ ولكنها قبلت المنصب في النهاية، وجاء في روايتها تعرضها للتمييز، وتشكيك البعض في حصولها على المنصب لو لم تكن امرأة، تحدثت عن إنجازاتها في المجلس، مثل النهوض بدور المرأة وتمثيلها والتعاون بين الجنسين؛ وقد عملت في عدة مشروعات تتعلق بالمرأة من منظورات دينية وصحية، وإعادة قراءة الأديان من منظور نسوي.
حي الزبالين
كانت لها تجربة رائدة في حي الزبالين وآخر مشروع قامت به وهو مشروع فرز القمامة من المنبع بحي الزبالين، بالاشتراك مع أهالي الحي وشباب من منطقة المقطم، وتوسع المشروع ليشمل أحياء أخرى مثل طرة والقطامية، وساهم المشروع في تشغيل حوالي مائة فتاة.
لعبت ماري دورًا مهمًا في إنشاء مؤسسة حماية البيئة بالمقطم، وتطوعت للعمل بها لمدة تزيد عن 20 عامًا في حي الزبالين بالمقطم، وهو واحد من أفقر أحياء القاهرة، من خلال تطوعها ومشاركتها في العديد من المشروعات تمكنت ماري، وبمساعدة المؤسسة، من تمكين عاملي جمع القمامة عن طريق تعليمهم وإمدادهم بالمشروعات الريادية.
بهذه التجربة التي استمرت أكثر من 20 عامًا تنهي ماري أسعد رحلة نضالها والتي استمرت 7 عقود، حققت من خلالها انتصار سحيق للعدد من قضايا المرأة حتى توفت العام الماضي في عمر 96 عامًا.
13 تعليقات