ماجد نادر يكتب: «وزير هيمثل معاك؟!»

عرفت «عماد أبو غازي» لسنوات دون أن يعرفني. عرفته كباحث في التاريخ والوثائق، وكأستاذ جامعي ثم أستاذ ومنسق في دبلومة الإدارة الثقافية بجامعة القاهرة. وكذلك كأب لصديقتي وزميلتي في هذا الوقت في سيماتك – مركز الفيلم البديل “مريم أبو غازي”، ثم من بعدها كوزير ثقافة في 2011، وأخيرا كبطل لفيلمي «كل ما تستطيع الرياح أن تحمله».

عندما اخترته لبطولة الفيلم، طلبت من المنتج «تامر السعيد» التواصل معه في البداية معرفة رأيه في الاختيار. وعندما أبدى موافقة مبدئية، ذهبت لمقابلته في مكان هادئ بوسط البلد. تحدثنا كثيرا عن الفيلم، وعن أحداثه التي تدور حول عائلة قبطية مثل عائلتي، إذ أن الفيلم مستوحى من إصابة جدتي بالزهايمر. تطرقنا للحديث عن الأفلام التي تحكي عن عائلات قبطية وموقف الرقابة المرتبك منها وأزمة فيلم «بحب السيما»، حكى لي: «أنا كنت في لجنة الوزارة ساعة أزمة فيلم “بحب السيما”، كنت أنا وجورج إسحاق ونادر عدلي»

فقطاعته: أنا ابن نادر عدلي.

فرد: أنا كنت مع أبوك في المدرسة

***

عندما عدت اللي البيت، حكيت لأبي وقال لي إنه تعامل معه كثيرا في المجلس الأعلى للثقافة ثم كوزير ثقافة. قاطعتنا أمي متعجبة: “وزير هيمثل معاك؟”.

قلت لها، إنه ليس الصورة التقليدية للوزراء. فهو رجل لطيف، هادئ، ويحب ويقدر الفن، ومنفتح للتجارب بفضول كبير.

عماد أبو غازي.. من الفيلم
عماد أبو غازي.. من الفيلم

عندما أفكر في اختيار الممثلين أفكر في أشخاص تشبه الأشخاص الحقيقيين في الروح والشكل وطريقة الكلام. أفكر في صوتهم وأنا أكتب الحوار، أو أعدله لطريقتهم أثناء البروفات ليصبح أكثر طبيعية. عماد أبو غازي يشبه أبي، والشخصية تمثل جدي وصغت ملامحها بالمزج بين جدي وأبي والتشابه بينهما. إحدى المرات أثناء مشاهدة صور مع فريق العمل، ظن أحدهم أن عماد أبي بالفعل. بدأنا الكثير من البروفات مع ممثلين مختلفين حتى قبل اختيار باقي فريق التمثيل بشكل نهائي، دون أن يعترض عماد على كثرتها أو يمل منها. كنت كلما سألته: “تحب نعمل كذا؟” يرد: «أنت المخرج، قولي وأنا هعمل». ترددت إن كان سيرتبك في الخروج عن النص، ولكنه فاجئني بأنه يؤدي المشاهد المرتجلة بأريحية شديدة.

***

في لقاء الأول، سألته إن كان قد سبق له التمثيل سواء في المدرسة أو الجامعة، فنفى. ولكنه كان يمثل في منزله، حيث كانوا يؤدون بعض المسرحيات في المنزل. ورغم ذلك، عندما كنا نختار الملابس التي تناسب الشخصية من دولابه الشخصي، كان يضع كل طاقم على شماعة ويغلفه ويكتب عليه المشهد حتى يعرف متى سيرتديه في التصوير.

يأتي يوميا بشنطة سفر بها الملابس المطلوبة. يأتي في موعده تماما ولا يتذمر أبدا إن طال الانتظار أو طال وقت العمل. كان دائما يأتي حافظا لحوار الفيلم، لجمله بالتحديد، وكان كذلك منفتحا على تغييرها كليا وارتجال حوار جديد. كان مزيجا من الالتزام والفضول والتجربة، ملهما للعمل معه. فعادة ما أشعر أنه إذا لم يكن التمثيل هو المهنة الأساسية للشخص، فسيقوم بأدائها بطاقة قليلة. فمعظم الأشخاص غير مستعدين لساعات العمل الطويلة وحفظ الحوار، كذلك الكثير منهم ما يفقدون الاهتمام سريعا إن لم تكن مهنتهم ولا يسعون لبناء مسار مهني بها. ولكن في حالة عماد انتصر الفضول والشغف.

                                                                                                                                   مخرج مصري

اقرأ أيضا:

ليلى بهاء الدين تكتب: «كأني عدت إلى المنزل»

د. محمد عفيفي يكتب: «عماد أبو غازي» مؤرخًا

بسمة عبد العزيز تكتب: في مَحبة الحضور الهادئ الطاغي

د. سلمى مبارك تكتب: إنسان من الطراز النادر

د. أنور مغيث: مع «عماد»

د. ياسر منجي يكتب: لأنه أبَى إلا أن يكون «عمادًا»

كريم زيدان يكتب: المحب لما يعمل.. المخلص لما يعتقد

وليد غالي يكتب: «النبيل»

عماد أبو غازي يكتب: السينما في دراسات الوثائق والأرشيف

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر