ليلى بهاء الدين تكتب: «كأني عدت إلى المنزل»

التقيت بـ«عماد أبو غازي» في «جينف» عندما كنت مستشارة إعلامية في البعثة المصرية. كان قد جاء مع آخرين لترتيب مشاركتنا في معرض الكتاب حيث كانت مصر ضيف الشرف في هذا العام. بسبب طبيعة عملي الدبلوماسي، كنت قد شاهدت على مر السنين العديد من المعارض المصرية بمستوياتها المتفاوتة. وأحيانا كانت دون المستوى المأمول لدولة مثل مصر بحضارتها الغنية وتاريخها الطويل وفنونها وآدابها المتنوعة.

إلا أن مشاركتنا في هذا المعرض جاءت على أعلى مستوى، حيث شارك نخبة متنوعة من أفضل كتابنا وفنانينا مثل الكاتبين إبراهيم أصلان ومحمد سلماوي والمثال آدم حنين وغيرهم. كما جاء اختيار الكتب المعروضة متميزا، وشعرت بفخر شديد لثراء المعرض، وزاد ذلك الفخر عندما نشرت الصحف السويسرية مقالات تمتدح الجناح المصري وتصفه بالمبهر.

كان عماد هو “دينامو” هذا المعرض، وارتبطت شخصيته في ذهني بالقاهرة التي أحبها والتي في مخيلتي. قاهرة أبي، الكاتب الصحفي أحمد بهاء الدين، وأصدقاءه من الكتاب والفنانين والسياسيين الذين كان شغلهم الشاغل مصر ونهضتها. عرفت من عماد أن والده وأبي كانا أصدقاء من قبل أن يتزوج والداي، وكان بدر الدين أبو غازي من كتاب مجلة “الفصول” التي كان أبي مدير تحريرها.

ثم ذكرني عماد بمحطات سبق أن التقينا بها ولم أكن أتذكرها كلها، على سبيل المثال، كنا قد التقينا عام 1982 أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان، عندما ظهرت حالة من النشاط لدى بعض المثقفين والطلاب للتعبير عن رفضهم للغزو الإسرائيلي ومناصرتهم للشعبين اللبناني والفلسطيني.

***
بدر الدين أبو غازي وأحمد بهاء الدين ومجموعة من الأصدقاء - نهاية الأربعينيات
بدر الدين أبو غازي وأحمد بهاء الدين ومجموعة من الأصدقاء – نهاية الأربعينيات

عندما عدت من مهمتي في الخارج، تطورت صداقتنا بالتدريج، وعرض علي الزواج ووافقت. وأتذكر أنني عندما أخبرت أخي زياد بهاء الدين بقرارنا، قال لي جملة لم أنساها، وتأكدت صحتها على مدار السنين: (لو اتجوزتيه حتبقي كأنك رجعتي البيت). وبالفعل، قد نختلف في الآراء ونتناقش بالساعات، إلا أن مرجعيتنا ومفاتيح فهمنا للأمور واحدة، باستثناء الأكل، فهو نباتي متقشف في الأكل، ودائما يردد: “أنا آكل لكي أعيش ولا أعيش لكي آكل”.

مع العشرة تأكدت صفات أخرى، أهمها التواضع (المبالغ فيه أحيانا)، والصدق، فأفعاله مثل أقواله، والإخلاص في العمل وفي علاقاته، وفي الجهد المبذول لمساعدة الآخرين. ويتضح ذلك بشده في علاقته بتلاميذه، وهي العلاقة التي تستمر أحيانا لسنوات بعد تخرجهم. وهو متفائل بصورة عقلانية، فبينما هناك من لا يري سوى نصف الكوب الفارغ، أو من لا يرى سوى النصف الممتلئ، يرى عماد النصفيين معا ويعتقد أنه بالإرادة والجهد من الممكن ملئ النصف الفارغ.

وأخيرا، وليس آخرا، تعجبني علاقته بابنته مريم، الفتاة الذكية والنشطة، والتي تشبهه في الكثير من الصفات. يعاملها كابنة وكصديقة في آن واحد، يحترم آراءها ويترك لها حرية اتخاذ القرار، فلا توجد أوامر وتعليمات بل نقاش ومداعبة. في عيد ميلاده السبعين، أتمنى له الصحة والعافية وطول العمر، وأن تستمر قدرته على إلهام وإسعاد من حوله بكرمه وعقله المتفتح وروحه الشابة وفكره المستنير.

                                                                                                                                سفيرة سابقة

اقرأ أيضا:

ماجد نادر يكتب: «وزير هيمثل معاك؟

د. محمد عفيفي يكتب: «عماد أبو غازي» مؤرخًا

بسمة عبد العزيز تكتب: في مَحبة الحضور الهادئ الطاغي

د. سلمى مبارك تكتب: إنسان من الطراز النادر

د. أنور مغيث: مع «عماد»

د. ياسر منجي يكتب: لأنه أبَى إلا أن يكون «عمادًا»

كريم زيدان يكتب: المحب لما يعمل.. المخلص لما يعتقد

وليد غالي يكتب: «النبيل»

عماد أبو غازي يكتب: السينما في دراسات الوثائق والأرشيف

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر