لوكاندة قارون.. تاريخ ينتظر الإحياء
باتت لوكاندة قارون معلمًا مهمًا من معالم ميدان السواقي في مدينة الفيوم، فقد تغير شكل المكان عشرات المرات حسب رؤية المحافظ الذي يتولى إدارة شؤون المحافظة، لكن لم يستطع أحدهم الاقتراب منها، وقد يكون هذا إيجابيًا، لكن المؤسف والسلبي أن جميعهم لم يضخ الدماء في عروق “اللوكاندة” التي تأسست عام 1899، فهرمت وشاخت، وهو ما تزامن مع الموت الإكلينكي الذي شهدته المحافظة التي كانت توصف في وقت ما بـ”سويسرا الشرق”، تغير المكان ومرت السنين لكن “لوكاندة قارون” بقيت على حالها، شاهدة حتى الآن على كل هذا التغيير، تغيرت المدينة من حول اللوكاندة، فهدمت البيوت القديمة بطرزها المعمارية المتنوعة وحلت مكانها عمارات أكثر ما يمكن أن نصف به بشاعتها أنها علب أسمنتية.
التنسيق الحضاري
نشر الجهاز القومي للتنسيق الحضاري عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، بعض الصور القديمة والنادرة للوكاندة قارون، حيث يستعد فرع الجهاز بمحافظة الفيوم لاستلام وتسجيل اللوكاندة ووضعها ضمن خطة التنسيق الحضاري لمدينة الفيوم.
ويستعد فرع الجهاز في الفترة القادمة لمعاينة اللوكاندة، لتوثيقها ومنح أصحابها الموافقة على إعادة فتحها واستغلالها، وهو ما كان مقررًا منذ فترة لكن بسبب جائحة كورونا تأجلت المعاينة.
وعن معايير تسجيل المباني في إدارة التنسيق الحضاري تقول الدكتورة منى حسن سليمان، رئيس قسم الهندسة المعمارية بكلية الهندسة جامعة الفيوم ورئيس لجنة التنسيق الحضاري بالمحافظة، إن أي مبنى يعود تاريخه إلى أكثر من مائة عام أو مائة وخمسون عاما يكون تابعًا للتنسيق الحضاري بالمحافظة، وتستند معايير ضم المباني للتنسيق الحضاري ليس لأنه قديم فقط لكن على مجموعة شروط مهمة منها: قيمة المبني المعمارية، وتقدر تلك القيمة من خلال تصميم المبني وواجهة المبنى وتفاصيله، من خلال تقييم خبراء في العمارة وتاريخها ونظرياتها، ونحن نقوم بذلك للمحافظة للأجيال القادمة كي يروا تاريخنا.
وتكمل الدكتورة منى، نهتم كثيرا في التنسيق الحضاري بالحفاظ على أي مبنى له طابع معماري وقيمة جمالية مهمة للأجيال القادمة حتى يكتشفوا ويعرفوا تاريخهم، حيث إن تلك المباني لا تقل أهمية عن آثارنا كونها وثيقة تاريخية معمارية، وقد قسمت الدولة المباني القديمة لأكثر من مائة وخمسون عاما بحيث تختص بها الآثار، أما المباني التي تنتمي إلى القاهرة الخديوية فهي تتبع جهاز التنسيق الحضاري، فكل ما تم بناؤه في القرن التاسع عشر والقرن العشرين يتبعنا في التنسيق الحضاري، وقد يكون هناك مبان بنيت في نفس الحقبة لكنها تفتقر إلى القيمة المعمارية والجمالية فهي مباني عادية، لا تؤثر في عمران المدينة ولا تسجل، أما ما يضيف للعمران فهي التي تسجل.
وتابعت: لكن التنسيق الحضارى يواجه بهجمات شرسة من ملاك تلك المباني، لأنه بمجرد تسجيل المبنى من قبل التنسيق الحضاري لا يحق لمالك العقار أو المبنى هدمه، وحتى أن أراد ترميمه لابد من تقديم طلب إلى التنسيق الحضاري لتشكيل لجنة والاتفاق مع استشاري ترميم متخصص حتى لا يضر بالشكل الجمالي والحضاري، مشيرة إلى انتظار خروج التشريع الخاص بالتعويضات ونزع الملكية، حيث يرفع العديد من الأفراد دعاوى قضائية على هيئة التنسيق الحضاري، ويحصل بعضهم على أحكام قضائية لتمكينهم من هدم المبنى، لذلك نكون حذرين للغاية في عملية تسجيل المباني.
صور وحكايات
تحكي الصور التي تم نشرها عن لوكاندة قارون، تاريخ المكان وكيف كان بالماضي، حيث تغير المكان الآن وأصبح ميدان السواقي، أشهر ميادين محافظة الفيوم والذي يتوسط المدينة، وتطل عليه اللوكاندة التي تقع أمامها مباشرة السواقي.
نشاهد في إحدى الصور ترعة متفرعة من بحر يوسف تمر من أمام اللوكاندة، وهو ما تغير بتغطية تلك المسافة، كما كانت تواجه اللوكاندة كافتيريا المدينة، والتي تم هدمها في آواخر التسعينيات، وأصبح مكانها الآن حديقة عامة بها السواقي الشهيرة بالفيوم.
أيضا كان يمر أمام اللوكاندة شريط للسكك الحديدية، كان يشق وسط المدينة حيث كان يمر القطار من قلب مدينة الفيوم، حتى قرية أبوكساه التابعة لمركز أبشواي مارًا ببضع قرى، وقد تم إلغاء هذا الخط في التسعينيات.
مبنى لوكاندة قارون
قام ملاك لوكاندة قارون مؤخرا بعمل ترميمات على المبنى، بناء على اشتراطات جهاز التنسيق الحضاري استعدادا لضمه للجهاز، وحتى يمكن إعادة نشاط اللوكاندة من جديد، واستمرار تاريخها في مجال الفندقة فقد استقبلت شخصيات شهيرة من السياسيين والفنانين، لاسيما أنها كانت اللوكاندة الوحيدة داخل المدينة، بجانب أوبرج الفيوم الذي يقع على ضفاف بحيرة قارون، وكان مقرا شتويًا للملك فاروق.
يتكون مبنى اللوكاندة من طابقين، الطابق العلوي هو ما يحتوي على الغرف الخاصة باللوكاندة لاستقبال الزبائن، والذي لم يتغير كثيرا منذ بناؤها، أما الطابق الأرضي فهو الذي تعرض للتغير على مر الأعوام، حيث إن الدور الأرضي تم تقسيمه إلى محال أو أنشطة تجارية منذ بنائها.
وتشير إحدى صورة اللوكاندة القديمة، إلى لافتة كتبت على الطابق الأول تشير أنه مقر “بورصة الفيوم”، والتي لا يوجد الكثير من المعلومات حولها، لكن من المرجح أن تكون بورصة زراعية للقطن، فقد كانت الفيوم من أهم محافظات الصعيد في زراعة القطن.
أيضًا كان يوجد بالدور الأرضي قهوة قارون الشهيرة، التي جلس عليها العديد من الأدباء والفنانين، كما اختفت قهوة قارون مع نهاية الثمانينيات، وتغير نشاطها لأكثر من مرة، وهي الآن عبارة عن “مقلى” لبيع التسالي، بينما تحول صالون الحلاقة الذي كان خلف المقهى إلى محل للعصائر، فيما أصبح محل ملابس شهير في مدينة الفيوم، مكان شركة بيع المصنوعات المصرية – صيدناوي التي كانت تحتل جزء كبير من الطابق الأول-.
تنتظر لوكاندة قارون الآن أن تدب الحياة فيها مرة أخرى، ونحن معها نأمل وننتظر ذلك.