لوحات فنية من معايشة الأهالي في ملتقى «مراسم رأس البر»
شارك 13 فنانا وفنانة من مختلف المحافظات في ملتقى «مراسم رأس البر للرسم والتصوير» بدمياط، والذي تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة. يعايش مجموعة من الفنانين الأهالي في مختلف البيئات من أجل توثيق عاداتهم وتقاليدهم في لوحات فنية مميزة يتم جمعها وعرضها في معرض فني فيما بعد.. «باب مصر» يستعرض التفاصيل.
بداية الفكرة
يقول الفنان التشكيلي بدوي مبروك، قوميسير الملتقى: “تم اختيار المجموعة المشاركة في الملتقى من الفنانين التشكيليين بمصر وهم 13 فنانا وفنانة، من مختلف الأجيال. بداية من المتميزين من الفنانين الشباب أوائل الخريجين من الكليات الفنية المختلفة، سواء الفنون الجميلة أو الفنون التطبيقية أو التربية الفنية، على مستوى الجامعات المصرية”.
وتابع: بجانب الفنانين الشباب، شارك العديد من الفنانين المعروفين بالحركة التشكيلية في مصر، والذين لهم معارض متميزة وأعمال فنية رائعة من مختلف المحافظات. ويوضح، وقع الاختيار على مدينة دمياط لتميز ببيئتها المتنوعة فنيًا. فقد اشتهرت بصناعة الأثاث والموبيليا، بجانب صناعة السفن، وصناعة الحلويات. هذا بالإضافة إلى البيئة الساحلية التي تتمتع بها منطقة رأس البر الشهيرة والذي سمي الملتقى بها.
وأشار بدوي إلى أن الفنانين تجولوا في كل أنحاء مدينة دمياط والمناطق المحيطة بها مثل، رأس البر وعزبة البرج وطابية عرابى، ومساجد وكنائس المدينة العتيقة، ومصانع وورش الحلويات والموبيليا والغاب والكرينة، وبناء السفن والمراكب. وذلك بقصد الاستلهام منها وتنفيذ لوحات فنية معبرة عن طبيعة البلد التراثية، ونقل عاداته وتقاليده. ونتاج هذا الملتقى من الأعمال الفنية سيقام بها معرضا تشكيليا بالقاهرة، وسيتم خلاله تكريم الفنانين المشاركين.
الحركة التشكيلية
تقول الفنانة التشكيلية إيمان حكيم، إحدى المشاركات في الملتقى: “شاركت في الحركة التشكيلية في مصر منذ سنوات عديدة. وقد شاركت مع الهيئة العامة لقصور الثقافة في ملتقيات عدة. لكن ملتقى رأس البر مختلف بشكل كبير. حيث إن مدته كافية، إضافة إلى الاهتمام بإقامتنا كفنانين طوال فترة الملتقى ما يضعنا في جو مناسب للإبداع والتركيز، وهو شيء يحسب للهيئة وإدارة الملتقى”.
وتابعت: لم أتوقع رؤية كل هذا الجمال في مدينة دمياط، بالرغم من أني زرت رأس البر من قبل. ولكن مشاهدة كافة الأماكن عن قرب ومعايشة الأهالي كانت السبب في ملاحظة ما تتمتع به دمياط من جمال آسر. فقد شاهدنا أماكن تصنيع السفن، وعبرنا بالمراكب إلى عزبة البرج، وتنقلنا ما بين الأماكن المختلفة. وأصبح لدينا مخزون بصري زاخر بالصور والمشاهد المتعددة لكثير من الأماكن الساحرة.
واستطردت: رسمت العديد من الاسكتشات طوال مدة إقامتي. فقد تفاعل معنا الأهالي بشكل مبهر، ومنهم من طلب أن نرسمهم في سعادة بالغة، ومنهم من كان يعلق برأيه على لوحاتنا ولاحظنا كم هم متعطشون لرؤية مثل تلك الأشياء الفنية.
تقول: “جاءت اللوحة الخاصة بي تتصدرها ثلاث سفن. وقد أبدلت الصيادين من الرجال بالصيادات من النساء، وكأنهن حوريات بحر عدن من جديد لجلب الخير من البحر، وجعلتهن يمسكن في أيديهن بالشباك، والأسماك من حولهن وعلى جوانب المراكب. ويظهر من بعيد تكوين تعبيري للمنازل وهي تلقى بظلالها على الماء وفي الخلفية الفنار المميز”.
مواهب شابة
يضم الملتقى أيضا العديد من الفنانين الشباب حديثي التخرج، من بينهم الفنانة الشابة سارة مراد، الأولى على دفعة قسم التصوير الزيتي بكلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان لعام 2022.
تقول مراد: “تعد مشاركتي في هذا الملتقى أولى مشاركاتي في مثل هذه الفعاليات. والأولى أيضًا لمشاركة فنانين كبار. وقد استفدت كثيرًا من خلال الاحتكاك بالفنانين الكبار ومن تجربتهم الفنية”.
وتابعت: أول مرة أزور دمياط، وأرى ما تشتهر به من صناعات. وأعتقد أنني استفدت كثيرًا مما رأيت ومن كم المعلومات الهائلة التي حصلت عليها. إجمالا هي تجربة غنية بكل المقاييس. حيث تعلمت منها الكثير، وأصبح لدي الآن دفعة قوية للأمام وتكملة مشواري الفني بحماس وثقة وحب.
تأثرت سارة بالبيئة من حولها أثناء جولاتها الأولية في المدينة. وبحسب ما ذكرت فقد حكي لها والدها كيف كان رأس البر من أشهر المصايف في مصر. حيث كان مصيف كبار العائلات، وهو ما توافق مع أفكارها حيث رسمت كل ما له علاقة بالماء سواء فوقه أو تحته. بالإضافة إلى تصوير الأجواء الصيفية، لذا جاء عملها الفني معبرًا عن ذلك.
وتضيف، أثناء جولاتنا شاهدت أسرة على الشاطئ، تجلس تحت إحدى الشماسي، واسترجعت ما قاله والدي عن تلك المنطقة، وسعدت أن هناك عائلات تعيد أجواء مصيف رأس البر مرة أخرى، لذلك جلست بجوارهم وسألتهم. وقد أعجبتني فكرة أن أسجل تلك الحالة. لوحتي عبارة عن مصيف رأس البر ولكن بشكل أكثر حداثة. وأتمنى أن أكون عبرت عن تلك الحالة بشكل مبهج.
صور بصرية مميزة
مينا أسامة، الأول على دفعة فنون جميلة الإسكندرية، قسم التصوير دفعة 2022، هو أيضًا من المشاركين في الملتقى، وعن تلك التجربة يقول لـ”باب مصر”: “لأول مرة أزور المنطقة. فقد كانت تجربة ملهمة للغاية، والمكان من حولنا يمتلئ بالصور البصرية المميزة والجديدة بالنسبة لي. فهناك الزراعات والمياه والمراكب، هذا بالإضافة لوجود الفنانين الكبار معنا، والتعلم من خبرتهم الكبيرة”.
وتابع: استخدمت في لوحتي الفنية الأكريلك على توال. أما الموضوع فقد اخترت الألوان الهادئة مثل طبيعة المكان، رسمت فتاة ترتدي فستانًا ورديًا، مطرز بالذهبي فيما يشبه الزخارف الخشبية “الأويمة” التي يشتهر بها الأثاث الدمياطي. ووضعت في الخلفية علم مصر تعبيرًا عما رأيت من وطنية في هذا المكان.
رؤية عامة وتوزيع عادل
وتقول الفنانة التشكيلية فيفيان البتانوني، مدير عام الفنون التشكيلية بالهيئة العامة لقصور الثقافة والمسؤولة عن ملتقى رأس البر للرسم والتصوير الزيتي: “نحاول الآن في الهيئة العامة لقصور الثقافة، قطاع الفنون التشكيلة، أن يكون لدينا تنوع في عمل الملتقيات الفنية في بيئات مصرية مختلفة. وأن تكون معارضنا الفنية نتاج تلك الملتقيات لتكون رؤية عامة عن مصر ببيئاتها الجغرافية والتراثية المتنوعة. وحتى تكون خدماتنا الثقافية والفنية موزعة توزيع عادل على كافة الأقاليم والمناطق”.
وتابعت: كل مكان في مصر له طبيعة خاصة، فقد ذهبنا إلى سيوة والفرافرة وأسوان وغيرها من المناطق. ووقع اختيارنا على منطقة رأس البر كونها كانت من أشهر المصايف المصرية. ولكن بدأ اسمها يختفي من خريطة تلك المصايف وحل محلها أماكن أخرى، لذلك هدفنا أن نعيد تذكير الناس بتلك المنطقة الساحرة، وبالذكريات الجميلة. وكيف أن تلك الأماكن طبيعية أكثر وتعبر عن ثقافتنا وروحنا المصرية. وأن يتم تذكير الناس بها من خلال لوحات وعيون الفنانين.
إثراء الحياة الثقافية والفنية
وتضيف البتانوني، تزامن مع ملتقى رأس البر ملتقى آخر بمدينة القصير في البحر الأحمر. وهناك ملتقى آخر قريبًا في محافظة الأقصر. حيث نذهب بالفنانين لتلك المناطق حتى يتعايشون بشكل كامل مع البيئة المحيطة بهم. للتعبير عنها بشكل صحيح من وحي المكان الذي تعايشوا معه بكامل مفرداته.
وحول نتاج تلك الملتقيات المختلفة من لوحات الفنانين، وماذا ستفعل بها الهيئة. أشارت البتانوني إلى أنه سيتم عمل معارض خاصة لعرض تلك اللوحات. ثم توزع تلك اللوحات فيما بعد على المواقع الثقافية المختلفة التابعة للهيئة وتزين حوائطها. في محاولة لإثراء الحياة الثقافية والفنية وتعريف رواد تلك المواقع بالأماكن المتميزة في مصر.
وحول مشاركة الفنانين من شباب الخريجين، نوهت البتانوني بأن الهدف منها مساعدتهم بشكل عملي على الدخول في الحياة الثقافية والفنية. وتشجيعهم على بدء حياتهم العملية دون انتظار سنوات كي يتعرف عليهم الجمهور، وإعطائهم الفرصة للاندماج مع من سبقوهم من الفنانين الكبار.
شارك في ملتقى رأس البر للرسم والتصوير الزيتي كل من الفنانين (أحمد مجدي، أحمد شعبان، إيمان حكيم، أميرة عادل، أميرة العطار، المأمون سيد، سارة مراد، شريف سكر، عاطف الشافعي، محمد التهامي، محمد عيد، مصبح كامل، مينا أسامة، بالإضافة لقوميسير المعرض الفنان بدوى مبروك).