كيف تعكس «جداريات الإسكندرية» ثقافة المدينة وهويتها؟
نظمت مؤسسة «راقودة للفن والتراث» لقاءً بعنوان «جداريات الإسكندرية»، تناول الرؤية الإبداعية لجداريات المدينة من جوانبها الجمالية والثقافية والاجتماعية، كما تم التركيز على البعد البيئي للجداريات، وكيفية مساهمتها في خلق لوحات تشكيلية تعكس خصائص البيئة المحيطة بالمجتمع، إلى جانب دمجها مع الأحداث التاريخية والثقافية المؤثرة على المدينة.
تاريخ الجداريات
في بداية اللقاء عرضت د.دعاء محفوط، باحثة في التراث الثقافي غير المادي ومسؤول المشاركة المجتمعية بمؤسسة راقودة، تاريخ الجداريات عبر العصور المختلفة؛ في عصر مصر القديمة، وفي العصور اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية. وأكدت أن الفنون التشكيلية، ولاسيما الجداريات المرتبطة بالفن الشعبي، تعد من أنواع الفنون التي قد تعكس انفعالات داخلية معينة. سواء كانت بقصد من الفنان الشعبي الذي يجسد من خلالها الواقع المرئي أو من خلال أفراد المجتمع أنفسهم الذين يستخدمون تلك الجداريات على حوائط منزلهم. كما يجسدون من خلالها أفراحهم وتأملاتهم، ومواقفهم في الحياة، وتفاعلهم مع عناصر بيئتهم.
تقول محفوظ: “هناك عدة رموز ودلالات وظيفية ثابتة ومستمرة منذ العصور القديمة حتى الآن. منها: غصن الزيتون الذي يرمز للاستقرار والسلام، والشجرة رمز الحياة والأمومة والرزق، والنخيل الذي يرمز للخير دائما. كما تمتع اللوتس بأهمية شعبية كرمز زهري مقدس لمصر. ويُعد الأسد من الرموز الحيوانية الشعبية التي ترمز للشجاعة والقوة. أما الثعبان فيرمز للشر والعداوة منذ بدء الخليقة. وذكرت الأساطير والمعتقدات أن الثعبان هو ألد أعداء الشمس، واتخذ الإله “ست” (إله الشر) الحية رمزا له”.
وتابعت: رمز التمساح موجود منذ الحضارة المصرية القديمة. حيث كانوا يخافونه ويقدسونه إتقاء شره، وكانوا يعتقدون أن قوته تطرد الأرواح الشريرة. وفي العصور المسيحية كانت الأسماك رمزا يعبر عن السيد المسيح. وفي العصور الإسلامية، وخاصًة فترة المماليك، كانت الأسماك رمزا للخصوبة والفأل الحسن. كما اتخذ الفنان الشعبي “عروس البحر” رمزا للتفاؤل والخير. بينما يعتبر الجمل من الرموز التي ترمز إلى رحلة الحج والخير والصبر، ويظهر على جدران المنازل حتى اليوم، خاصة في صعيد مصر، ليظهر أن أهل هذا المنزل قد ذهبوا للحج.
ذلك بالإضافة إلى الرموز الطبيعية مثل الشمس، السماء، البحر، والأرض، وهناك أيضا الرموز الهندسية مثل الدائرة التي ترمز عادة إلى الشمس، والمثلث والمربع اللذان يرمزان إلى الأمان والابتهال إلى الله. كما توجد بعض الرموز الأخرى مثل السيف، الهلال، النجمة، الكف، والعين التي ترمز إلى صد العين الشريرة والحسد. بينما يعد “مفتاح الحياة” من الرموز الفرعونية التي يُعتقد أن لها قوة سحرية لجلب الحظ والبهجة.
دلالات الألوان في الجداريات
في سياق متصل تناول اللقاء الدلالات الرمزية لتلك الجداريات من خلال الألوان. فاستخدام اللون الأبيض يرمز إلى السعادة والانتصار والنماء والصفاء والشفافية. أما اللون الأسود فيرمز عند المصري القديم إلى الظلمات الممهدة لظهور النور، أي أنه رمز البعث والخلود. في حين أن اللون الأحمر يعد لون الملوك ودال على الحروب والنصر، وفي معظم الثقافات يرمز إلى النار أو الحرب. كما يرمز الأصفر إلى الرمال والغيرة والتعصب، وهو اللون الذي استخدمه الفراعنة في تزيين المومياء والملابس والأدوات. ويرمز الأخضر إلى الخصوبة والنماء، والأزرق إلى السماء والبحر.
عرضت د.ياسمين الحلو، مسؤول الرصد والحصر بمؤسسة راقودة تخصص التراث الشعبي، أبرز الجداريات في مدينة الإسكندرية التي عبرت عن البيئة الساحلية واستخدام رموزها المميزة. والتي تعرض بعضها للطمس عبر الزمن نتيجة لعدم رعايتها والاهتمام بها. البعض الآخر طُمست ملامحه وساءت حالته. ومن بين تلك الجداريات، جدارية “محكى القلعة” عند مدخل طريق قلعة قايتباي. التي تعد من أهم الجداريات التي تجذب الزوار والسائحين لالتقاط الصور بجوارها. وهي من تصميم الفنان محمد شاكر، الذي اعتمد فيها على العديد من العناصر الرمزية واللونية، متأثرا بالعديد من الحضارات التي تعاقبت على مدينة الإسكندرية.
التراث السكندري
وتابعت «الحلو»: جدارية المبنى الرئيسي لشركة “سوميد” في منطقة لوران هي من الجداريات ذات الإيقاع الثنائي. وقد صممها الفنان محمد شاكر أيضا، معتمدا فيها على الرموز الهندسية واللونية. أما الفنان عبد السلام عيد فقد استخدم رموزا ذات دلالات طبية في تصميمه لجدارية كلية الطب. فنجد فيها تجسيدا لابن سينا وأبقراط، بالإضافة إلى تجسيد مراحل تطور مهنة الطب بدءا من التحنيط وصولا إلى أحدث الأجهزة الطبية. كما تتضمن أيضا رموزا من جسد الإنسان مثل القلب والمعدة والعين.
ومن أشهر الجداريات بالإسكندرية نجد جدارية “سنترال محطة الرمل”، التي تضم موتيفات شعبية سكندرية. حيث يتضح فيها تأثر الفنان بالبيئة والرمز الفني السكندري. فنجد الحنطور، وهو من أول وسائل النقل التي شاع استخدامها بالإسكندرية. كما نجد رمزا مهما للإسكندرية وهو الفنان سيد درويش. بالإضافة إلى بعض الآلات الموسيقية مثل العود، الطبلة، والجرامافون، وكاميرا قديمة للتصوير السينمائي يتخللها الأشرطة السينمائية كرمز للفن بالمدينة. هذا بالإضافة إلى جدارية كلية الفنون الجميلة والجدارية الشهيرة بمنطقة سيدي جابر التي تعرضت ملامحها للطمس بشكل كبير اليوم.
وفي نهاية اللقاء عرضت «الحلو» مجموعة من الجداريات السكندرية المميزة التي اختفت تماما اليوم. وكانت موجودة على طريق الكورنيش بمنطقة بحري. والتي كانت تتضمن رموزا من البيئة السكندرية مثل الشبك والصيد، وعروس البحر، والصياد السكندري بزيه المعروف، والملابس المميزة للفتاة السكندرية قديما.