في ندوة بالسيداج: كيف أثرت «أم كلثوم» على السياسة العربية بعد النكسة؟

احتفل مركز الدراسات والتوثيق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية (CEDEJ) بذكرى مرور خمسين عامًا على رحيل أسطورة الغناء العربي، أم كلثوم، بتنظيم سيمينار بعنوان «أم كلثوم.. جددنا حبنا ليه». جمع السيمينار باحثين مختصين في مجال الموسيقى والتراث العربي لمناقشة تأثير أم كلثوم على الثقافة العربية في ظل تطورات مصر السياسية والاجتماعية. واستعراض دورها في توجيه الفن والمجتمع العربي وكيف حافظت على مكانتها رغم التقلبات الزمنية.

جددنا حبنا ليه؟

في البداية تم تعريف المتحدثين، وهما فريدريك لاجرانچ، الباحث والأستاذ الجامعي والمترجم، أستاذ الأدب العربي بجامعة السوربون ومدير مركز (CEDEJ)، ومتخصص في مجال الموسيقى المصرية في عصر النهضة. شغل سابقا مدير قسم الدراسات العربية والعبرية في جامعة السوربون، وله عديد كبير من المؤلفات والترجمات، منها: «الموسيقى المصرية»، «ثقافة البوب في مصر»، و«كلمات الرغبة».

وكريم جمال، الكاتب والباحث الموسيقي، درس الموسيقى العربية وحصل على دبلوم والدراسات العليا للعلوم السياسية من جامعة الإسكندرية. صدر له كتاب “أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي” الحائز على جائزة الدولة التشجيعية في مجال العلوم الاجتماعية فرع التاريخ والأصالة وحفظ التراث. كما شارك في كتاب “وطن اسمه فيروز”، وكتاب «ذاكرة أكتوبر: تجليات الحرب في الثقافة المصرية»، وصدر له كتاب مؤخرا بعنوان «سلوى.. سيرة بلا نهاية».

أم كلثوم والسلطة السياسية

افتتح الباحث كريم جمال الجلسة بالتأكيد على أن مرور 50 عامًا على رحيل أم كلثوم يعد حدثًا بالغ الأهمية، مشيرًا إلى التغييرات الكبيرة التي حدثت في الأفكار والتوجهات خلال هذه الفترة. وقال: “ورغم مرور الزمن، يظل صوت أم كلثوم قويًا ومؤثرًا، وقد أثّر في أجيال لم تعاصرها من الأساس”. وهذه الظاهرة أثارت العديد من الأسئلة واستدعت البحث والدراسة، مما يجعل أم كلثوم حاضرة دائمًا في ذهن أي باحث. وأشار كريم إلى أنه يركز بشكل خاص في دراساته على العلاقة بين أم كلثوم والسلطة السياسية، وكيف تفاعل صوتها مع الحركة السياسية في مصر على مدار تلك السنوات.

وأشار إلى أنه عندما بدأ في العمل على كتابه “أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي”، كان يفكر في استكشاف العلاقة بين أم كلثوم والنهضة السياسية في مصر، سواء قبل أو بعد ثورة يوليو. وخلال عملية البحث، اكتشف أن الفترة الأكثر ارتباطًا بالسلطة كانت بعد هزيمة 1967، حيث كان هناك توحد كامل بين أم كلثوم والسياسة في مصر.

وأضاف كريم أنه في تلك الفترة، كانت أم كلثوم تتبنى بالكامل الأفكار التي كانت تروج ضد العدوان وضرورة الوقوف مجددًا للحرب، وقد تجسدت في أعمالها هذا المشروع الوطني بشكل كامل. كما تناول الباحث تساؤلًا مهمًا حول فكرة “الرمز”، متسائلًا إذا ما كانت أم كلثوم مؤهلة لتكون هذا الرمز المؤثر في المجتمع المصري والعربي.

المجهود الحربي لأم كلثوم

وقال إنه كان يتساءل أثناء عمله على الكتاب عن كيفية تجسيد أم كلثوم للرموز الوطنية وكيف استطاعت أن تكون محركًا حقيقيًا للشعوب العربية في تلك الفترة. وتساءل عن الدور الذي لعبته أم كلثوم في المجتمع المصري والعربي، مشيرًا إلى أنها لم تكن مجرد رمز للصوت الطبقي والعصامية، إذ استطاعت أن تصعد من قاع المجتمع إلى قمة المجد، لتصبح أهم امرأة عربية في القرن العشرين.

وأوضح كريم أنه كان يتساءل أيضًا إذا كانت أم كلثوم تمثل رمزًا للمرأة المصرية التي خرجت بعد ثورة 1919 وكان لها دور كبير في تغيير شكل المجتمع المصري، وظهور المرأة وتأثيرها في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. أما في السياق العربي الأوسع، فقد أشار كريم إلى أن أم كلثوم كانت بمثابة رمز حقيقي للعروبة، ليس فقط على المستوى المعنوي ولكن على المستوى المادي أيضًا، حيث كان صوتها المؤثر والفاعل هو الصوت الوحيد الذي وصل إلى جميع الطبقات والأطياف العربية في المنطقة.

ونوه بأنه كان يعتقد أن أم كلثوم تمتلك الصلاحية والقدرة على أداء دورها الكبير وتحريك الأمور في هذا السياق. وأضاف: “لم يكن الهدف من كتابي مجرد تقديم رؤية نقدية، لأن هذا ليس دوري، بل كنت أسعى لجمع ما كُتب عن المجهود الحربي من أفكار أولية وشهادات خاصة حول تلك الحفلات في فترة أم كلثوم”. وهذا المصدر كان الأكثر أهمية بالنسبة له، لأنه يتعلق بأحداث وأشخاص حقيقية وطازجة.

المصالحة مع المغرب وتونس

وتابع كريم: “الكتاب لم يكن يهدف إلى جمع الأوراق فقط، بل كان هدفه الرئيسي هو أن أم كلثوم كانت تسعى لإعادة ترميم العلاقات العربية”. وأوضح: “بعض الدول العربية كانت في خلاف كبير مع النظام المصري في تلك الفترة، خاصة تونس والمغرب. والخلاف مع المغرب كان بسبب الدعم الكبير من مصر للجزائر في حربها ضد المغرب، المعروفة إعلاميًا بحرب الرمال. بينما كان الخلاف مع تونس متعلقًا بالصراع بين الرئيس بورقيبة والرئيس عبد الناصر حول التوجه العربي والقضية الفلسطينية”.

وأوضح: “نجحت أم كلثوم في هذه الرحلات وتحديدا رحلتي المغرب وتونس في أن تعيد العلاقات المصرية التونسية والمغربية إلى سابقها، رغم كل ما سعى إليه السياسيون والدبلوماسيون والسفراء لم يفلحوا إطلاقا، لكن من نجح في هذه المصالحة كانت أم كلثوم”.

واستكمل الباحث كريم جمال: “هذا الدور يجعلنا نسأل عن تأثيرها ودورها الاجتماعي والسياسي في مرحلة ما بعد النكسة. وهذا هو المقصود من الكتاب، جمع كل ما كتب عن هذا الدور وتأثيرها على الشعوب، لأن هذه الرحلات لم تقف أبدا عند الحفاوة الرسمية، بل كان هناك حفاوة شعبية كبيرة”.

تقدير الدول

ويرى جمال أنه، في اعتقاده الشخصي، أن أم كلثوم كانت تحتاج إلى هذه الرحلات لأنها كانت في نهاية حياتها، وتستحق أن ترى حجم التقدير الذي يكنه لها العرب في الدول المختلفة بعد عقود من حبهم لها. وتحدث عن رحلات أم كلثوم، مشيرا إلى أنها في بداية حياتها كانت تولي رحلاتها الخارجية لبلاد الشام والعراق، حيث زارت لبنان وسوريا وفلسطين أكثر من مرة وزارت العراق. ولكنها لم تزر إطلاقا بلاد المغرب العربي أو الخليج أو السودان إلا زيارة وحيدة للكويت.

وأضاف جمال: “كانت تستحق هذه الرحلات الخارجية لترى حجم التقدير والمحبة الشعبية وحتى تعطي لكل بلد عربي نسخ جديدة من أغانيها القديمة، لأنها أعادت غناء أغانيها الخاصة من الستينات وربما أبعد من ذلك في تلك الرحلات. وقدمت في كل رحلة نموذجا غنائيا مميزا، يختلف في أدائه عن السابق. إذ قدمت في باريس “الأطلال” مرتين، وفي تونس والسودان قدمت الأغنية نفسها، لكن كل نسخة كانت متفردة ولها حضور وتفاصيل غنائية مختلفة عن غيرها”.

وأشار إلى أن هذا العمل كان جزءا كبيرا من البحث التاريخي الخاص به، وهو توثيق تلك الرحلات الغنائية وجمعها والتدقيق في كل تسجيل والمدة الزمنية لتلك الرحلات ومحاولة حصرها، بجوار الدور السياسي والاجتماعي لأم كلثوم.

أم كلثوم في باريس

لفت الباحث كريم جمال إلى حفل أم كلثوم في باريس بشكل خاص، معتبرًا إياه مفتاحا لتلك السنوات ورحلة عودتها بشكل عام. وأضاف أن توافد الجماهير العربية من مختلف أنحاء المغرب العربي للاستماع إلى أم كلثوم في مسرح الأولمبيا، وهم يرتدون ملابسهم الوطنية، يعد بداية لعودة العلاقات العربية. ورأى أن نجاح أم كلثوم في تحقيق هدفها في تلك السنوات كان بارزًا وواضحًا.

وأشار كريم إلى أن الدقائق الأولى من الحفل، عند فتح الستار لأول مرة على مسرح باريس، تعكس بوضوح أن أم كلثوم كانت في تلك الفترة رمزًا لمصر المنتصرة وليست المهزومة. وقال إن الشعوب العربية قررت أن حضور أم كلثوم على هذا المسرح هو تجسيد لقوة مصر وانتصارها، وليس لهزيمتها، ما جعل التفاعل مع تلك الرحلة عميقًا ومؤثرًا للغاية.

وتعمد في الكتاب التواصل مع بعض الشهادات التي تناولت تلك الرحلة، ومن حضر الحفل بالفعل، حيث وصل لأحد الحاضرين، ويدعى “أبي محمود المغربي”، الذي حضر الحفل وكتب تفاصيل عن شعوره الداخلي وهو يسمعها لأول مرة في عاصمة أوروبية وشعوره بها وهي تغني بعد خمسة أشهر فقط من الهزيمة، وقال إنه شعر وكأنه كرامته قد ردت إليه، وأن مرارة الهزيمة قد أزيلت من حلقه. وأشار إلى أن هناك أملًا كبيرًا في عودة أم كلثوم إلى الساحة الفنية، حيث كانت تتمتع بقدرة استثنائية على الغناء والاستمرار في الأداء حتى لحظة حفلتها في باريس، وهو ما كان بالنسبة له المعنى الحقيقي لتلك الرحلات.

بقاء الشعب بعد الهزيمة

وأضاف أن أم كلثوم كانت تمثل بقاء الشعب المصري واستمراريته بعد الهزيمة، ورغبتهم في مواجهة المحن والتحديات. وأكد أن أثر رحلة باريس كان عظيمًا، وقد تكون هي الأكثر شهرة في الكتاب الذي تناول تلك الفترات، حيث كانت الأكثر متابعة في الصحف العالمية والعربية. وأشار إلى أن الرئيس ديغول أرسل لها رسالة شكر على الحفل، مما أضاف للكتاب أثرًا كبيرًا عند القراء، خاصة مع تواصل الأجيال الجديدة مع أم كلثوم ورؤيتها كظاهرة قابلة للتفسير من زوايا متعددة.

وتحدث كريم عن تأثير تلك السنوات عليه شخصيًا، قائلاً إن معظم محبي أم كلثوم كانوا يشككون في غنائها في تلك الفترة، ولكن بعد أن استمع إليها بتمعن، خصوصًا في رحلاتها إلى المغرب، شعر أن أم كلثوم كانت تمتلك اتساعًا أكبر في طبقات صوتها، خاصة في القرار، وكان أداؤها أكثر تأثيرًا من أعمالها السابقة.

وأكد أن غناءها في الستينات من عمرها كان يحمل حكمة المرأة العجوز، ولكن بمعنى إيجابي، وهو ما جعل استماعاته لها تصبح أعمق وأكثر رمزية. وأضاف أنه ممتن لهذا الكتاب لأنه جعل له فرصة لفهم تلك المرحلة بشكل أفضل. وصار يستمع إلى أم كلثوم بصورة أعمق وأوسع.

مقاربة تاريخية

من جانبه، أشاد فريدريك بمشاركة كريم جمال، وقال: “مقاربة كريم جمال لأم كلثوم تاريخية، يرصد بالتفصيل والتوثيق الدقيق المتأني، ما نثرته أم كلثوم كرمز وطني في أكثر الفترات إحباطا وتخبطا لمعنويات مصر في القرن العشرين”. واستكمل: “على وجه التحديد، السنوات التي تلت النكسة، والتي فيها غنت أم كلثوم في باريس وأنا طفل صغير، وخلال هذه الفترة الحساسة اختارت المطربة أن تبتعد كليا عن الأغاني الوطنية في حفلاتها”.

وتابع: “اختارت أن تركز فقط على الأغاني العاطفية التي أضافت على نصوصها صوتها الشائخ، ما أضفى عليها مسحة من الجلال ممزوج بالأسى. وعن مقاربتي، ليست مقاربة مؤرخ بقدر ما هي مقاربة عالم موسيقى، ومهتم بعلم الاجتماع، المراقب للظواهر الطبيعية، والعيش كالسميع”.

المطربة ام كلثوم تجلس مع الضباط
المطربة ام كلثوم تجلس مع الضباط
صوتها مسموع

وأضاف أستاذ الأدب: “بعد مرور 50 عاما على رحيلها، لا يزال صوتها مسموعا في شوارع الرباط وأزقة بغداد، مرورا بباريس وضواحيها. فقد اختار تلاميذ مدرسة إعدادية في مدينة مقابلة لباريس اسم أم كلثوم ليكون الاسم الجديد لمدرستهم وتم التغيير رسميا، وتدشين المدرسة بهذه التسمية الجديدة”.

وتطرق إلى انتشارها الشعبي، وقال “لا يمكن حصر عدد المقاهي التي تحمل اسمها، سواء في طنجا أو الموصل، حيث يخرج منها صوتها مع دخان الشيشة. صورتها بنظراتها السوداء ومنديلها، سهل التعرف عليها، سواء معلقة على جدران المقاهي أو بعدما تم تحويلها إلى ميم فكاهي على الإنترنت، أو في البوب آرت أو الإعلانات التجارية”.

الظاهرة الكلثومية

تناولت الظاهرة الكلثومية أيضا عشرات المقالات العلمية، والكتب المنشورة، منها دراسة منشورة في باريس عام 2014 بعنوان “أم كلثوم سلاح عبدالناصر السري”، والتي تحكي ملابسات حفل نوفمبر عام 1967. فقد تحولت الأسطورة أو الهرم الرابع إلى أيقونة تحمل قيما تحيل تارة إلى زمن جميل متخيل، ويعلم المؤرخون من عاشه في ذروة الاحتلال البريطاني والفقر والحروب المتتالية. لكن ذلك كان زمنا يفترض أن معايير الفن فيه كانت تختلف عن معايير حاضرنا.

في حديثه، استعرض لاجرانچ دراسة الباحث اللبناني خالد عبدالله، وأشار إلى أن إتمام بناء المشروع القومي الذي تمثله أم كلثوم كان مشروعاً يجمع بين الذاتية والجماعية في آن واحد. وأضاف: “يعود هذا المشروع إلى سنوات قبل وصول جمال عبد الناصر إلى ذروة الحكم، حيث كانت هناك مصالح مشتركة بين أم كلثوم والنظام آنذاك، ما ساهم في بقائها على القمة الإعلامية. كما استغل النظام آنذاك التطورات التكنولوجية مثل إرسال الإذاعة وتوسيع نطاق الموسيقى العربية، مما سمح لها بالانتشار والانتفاع من تلك التقنيات”.

ومع ذلك، شدد عبدالله على أن أم كلثوم، رغم كونها جزءاً من تلك المرحلة، لم تكن مجرد امتداد لسياسات ناصرية. بل كانت منتجاً ثقافياً فريداً يجسد مزيجاً من الفردية والجماعية، وهو وليد العصر الليبرالي الكوزموبوليتي الذي ساد في تلك الحقبة.

التحرر من سلطة الأسرة

في استعراضه لدراسة الباحث خالد عبدالله، أشار فريدريك لاجرانچ إلى أن عبدالله كان يذكر كيف أن الشبكة الاجتماعية التي نشأت فيها أم كلثوم ضمت أعياناً ريفيين كانوا يعرفونها منذ صغرها كمُنشدَة تواشيح. كما استندت في بداية مشوارها إلى أعيان قاهريين من أصول ريفية مثل عائلة عبد الرازق. لكن لاجرانچ شدد على أن هذا لا يعادل التغيير الجذري الذي أحدثته أم كلثوم في فن الثقافة الموسيقية أو في السلوكيات الاجتماعية في ذلك الوقت.

وأوضح لاجرانچ أن أم كلثوم كانت الفتاة التي استطاعت، في سنوات قليلة وبحنكة نادرة، التحرر من سلطة الأبوين والأخوة، وهي خطوات جعلتها محط انتقاد، خاصة في ما يتعلق بمتحف المانسترلي. لكنها تجاوزت تلك المرحلة، حتى تخلصت من لهجتها الريفية وصقلت خطابها لتصبح امرأة مثقفة، قارئة للأدب التراثي والمفكرين المعاصرين. وفي أحاديثها المنشورة، كانت تشير إلى أن كتابها المفضل كان “كتاب الأغاني” الذي لا يفارقها.

وعلى صعيد الموسيقى، أكد لاجرانچ أن الأصالة التي مثلتها أم كلثوم لم تكن امتداداً لجماليات عصر النهضة أو مدرسة الحامولي وعثمان، أو حتى للتواشيح التي نشأت عليها، والتي كانت تحظى بشعبية بين أعيان العصر. بل كانت أصالتها نتاجاً لعملية اختراع فني جديدة، كما قال خالد عبدالله، نشأت من خلال عمليتين متوازيتين: الأولى كانت تمثل القطيعة مع المدرسة النهضوية السابقة التي كانت تسعى أم كلثوم للابتعاد عنها، تماماً كما كان الحال مع عبد الوهاب. أما الثانية، فكانت تتعلق بالتطور اللغوي والشعري، حيث تولى أحمد رامي تثقيفها في هذا المجال.

أم كلثوم ومحمد القصبجي
أم كلثوم ومحمد القصبجي
أم كلثوم بين القصبجي والسنباطي

أشار فريدريك لاجرانچ إلى التفرد الذي امتازت به أم كلثوم في ذائقتها الشعرية. فقد اختارت بعناية الكلمات التي تميزت بها اللغة الوسطى في الأدوار والموشحات والمواويل، والتي رآها مناسبة لعصرها.

وفي نفس الوقت، كان هناك فرز لغوي وشعري متوازٍ، حيث قام محمد القصبجي مع أم كلثوم بتطوير فرز موسيقي خاص، حيث استلهم بعض العناصر الجمالية من المدرسة النهضوية ودمجها بعناصر غربية، سواء على صعيد النغمة أو في بنية الجمل الموسيقية الطويلة المعقدة، التي كانت غير متكررة وتتطلب جهداً كبيراً من المؤدي.

وأكد لاجرانچ أن هذه الجمل الموسيقية كانت تحول دون الطرب التقليدي المرتبط بعصر النهضة، الذي يعتمد على التنويع في أداء الجمل المكررة ليترسخ في أذن المستمع. بل كانت تجربة الطرب التي سعى إليها القصبجي مغايرة، إذ كانت طرباً ذهنياً يتطلب جهداً من المستمع أيضاً، وهو ما يفسر، كما قال خالد عبدالله، عزوف أم كلثوم التدريجي عن هذا النوع من الموسيقى واختيارها لرياض السنباطي. وقال: “كان السنباطي قد تأثر بإبداعات القصبجي، وقدّم موسيقى أقل تعقيداً وأكثر راحة للمؤدي والمجتمع على حد سواء، تاركاً لأم كلثوم مساحات للتطريب في إطار الجمل الطويلة”.

ورغم ذلك، أضاف لاجرانچ أن هذه الجمل الموسيقية التي تمثلها أم كلثوم، سواء مع القصبجي أو مع السنباطي، كانت تحمل أصالة فنية قائمة على الابتكار، مما يشير إلى أن هذا الطرب كان متجذراً في أصل موجود، لكنه كان يحمل طابعاً خاصاً بناه وأبدعته أم كلثوم.

اقرأ أيضا:

ملف| «الست».. صوت السماء

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر