في الصعيد أيضا «تياترو».. يحتاج الدعم

لم يكن قد تجاوز السادسة، عندما ظهرت موهبة كيرلس صابر، عندما قام بالتمثيل على مسرح الكنيسة في محافظة المنيا، ومنذ هذا الظهور عشق المسرح وكلما تقدم عمره زاد شغفه، لكن بعد حصوله على بكالوريوس التجارة عام 2016، أدرك ابن ملوي أنه لابد من تنمية موهبته بشكل احترافي. ليكون فرقة “تياترو الصعيد” المسرحية.

بداية الشغف

يقول كيرلس صابر لـ”باب مصر”: شعرت بحاجتي إلى دراسة الإخراج المسرحي، وأذكر أني في المرحلة الإعدادية كنت أقوم بتجميع أصدقائي ثم اجعلهم يمثلون مسرحية من إخراجي، وبالطبع كانت النصوص تحتاج إلي العديد من التعديلات وذلك وفق رؤيتي الخاصة، ثم تطور الأمر إلى أن أصبحت أقوم بكتابة بعض النصوص للمسرحية، والآن اكتب أغلب النصوص التي تقوم فرقة تياترو الصعيد بتقديمها. وعن الكتابة المسرحية يقول كيرلس: “أشعر بسعادة غامرة وأنا أكتب فكرة أو نص يتحول من خلال التمثيل والإخراج إلى شيئ يمكن مشاهدته والاستمتاع به”.

مسرح الجامعة

ساهم مسرح كلية الحقوق بجامعة بني سويف في تحقيق حلم “كيرو” كما يسميه أصدقائه ومحبيه، ففي عام 2012، التحق بكلية التجارة ومنذ عامه الأول فكر في تكوين فريق للمسرح، وبدأت أعماله المسرحية على خشبة مسرح كلية الحقوق، حيث لم يكن يوجد مسرح بكلية التجارة، وكان كيرلس معروفا لدى طلبة كلية الحقوق أكثر من طلبة التجارة.

يقول كيرلس: في السنة الثالثة من الجامعة كنت مسؤولا عن منتخب جامعة بني سويف في التمثيل، وكنت أخرج العروض المسرحية التي تشارك بها الجامعة في المسابقات، وكونت فريق تمثيل من طلبة كلية التجارة، وخلال فترة الدراسة بالجامعة وحتى أشبع رغبتي وشغفي بالتمثيل والإخراج المسرحي، أسست في عام 2013 فرقتي الخاصة والتي أطلقت عليها “برا الصندوق”، كان أغلب أعضاءها من الأصدقاء بالجامعة من محافظات  المنيا، بني سويف، أسيوط، قدمت من خلال هذه الفرقة العديد من الأفكار التي كانت مناسبة لاسم الفرقة، حيث ناقشت بعض العروض قضايا لا يتم تناولها كثيرا. فقدمت نصوص تناولت الإلحاد والجنس وغيرها من موضوعات خلافية أو مسكوت عنها، وقدمت الفرقة عروضًا في محافظات مختلفة بلغ عددها 12 محافظة، وذلك من خلال الجمعيات الأهلية والمراكز الثقافية الخاصة ونوادي المسرح، وكانت الفرقة تتحمل كافة التكاليف الخاصة بالعرض.

تياترو الصعيد

بعد أن أنهى كيرلس دراسته الجامعية عام 2016، انفرط عقد فرقة “برا الصندوق”، وهو ما جعله يفكر في تكوين فرقة للمسرح في محافظة المنيا، على غرار فرقة مسرح “تياترو مصر”، حيث تزامن ذلك مع ظهور ما يعرف بمسرح الشباب، الذي دعا له الممثل أشرف عبدالباقي من خلال تجربته الجديدة، التي أطلق عليها “تياترو مصر”، ومن هنا ولدت فرقة “تياترو الصعيد”.

يتحدث كيرلس عن الفرقة ويقول: قابلت الفنان أشرف عبدالباقي وطلبت منه الإذن في استخدام الاسم الخاص بمشروعه لعمل مشروع مسرحي في المنيا تحت عنوان “تياترو الصعيد” فرحب بشدة وشجعني كثيرًا وعرض رغبته أن يحضر حفل الافتتاح لكن حالت ظروفه دون ذلك.

ومن هنا بدأت رحلة البحث عن أعضاء “تياترو الصعيد”، فاستلزم ذلك زيارة كيرلس محافظات المنيا وأسيوط وبني سويف لاختيار الممثلين، حيث جاب المراكز والقرى لمدة ثلاثة أشهر، ومن خلال صفحات فيسبوك كان الإعلان عن مواعيد الاختبارات في المحافظات، وبدأ اختيار فريق العمل الأولي الذي وصل عدده إلى 45 ممثلا، من بينهم إداريين وفنيين، وكانت بروفات العروض الأولي تتم في محافظة المنيا، حيث وفرت لهم إحدى المؤسسات الخاصة مكانًا للفرقة، وتم التجهيز لعرضيين مسرحيين للافتتاح، أحدهما كان باسم “الموجوعة” من تأليف حمادة زيدان، أحد أبناء مدينة ملوي، والآخر باسم “الجنوب تحت” من تأليف كيرلس صابر.

حفل الافتتاح

حضر حفل الافتتاح أكثر من 850 متفرج، يقول كيرلس عنه: مع النجاح الذي حققناه في الموسم الأول، كان هذا دافعا للبحث عن وجوه جديدة للموسم الثاني، عن طريق تجارب الأداء كما فعلنا في بداية تكوين الفرقة، وهو ما ضاعف من أعداد المواهب بالفرقة.

ويكمل: مع الموسم الثالث، فكرنا أن نؤسس أكاديمية بدلا من فكرة الاختبارات وتجارب الأداء التي كنا نقوم بها، لأننا لاحظنا أن أغلب المتقدمين يحتاجون للدعم، وأن الـ5 دقائق التي يسمح فيها للمتقدم بتجربة أداء ليست كافية وغير منصفة لتقييم الموهبة، لذا أسسنا أكاديمية تياترو الصعيد في عام 2016، نوفر من خلالها تدريب المشتركين على فنون الأداء المسرحي والتمثيل، ولم نكتف بالتدريب داخل الأكاديمية لكننا انطلقنا في القرى والمراكز المختلفة، ومن خلال المجموعات التي قمنا بتدريبها وقع الاختيار على المتميزين لينضموا لـ”تياترو الصعيد”.

عروض يومية

شهد الموسم الثالث لـ”تياترو الصعيد” تطورًا ملحوظًا، حيث تم إنتاج عرض طويل هو “ولاد تسعة” وهي مسرحية من ثلاثة فصول، كانت مدة عرضها ثلاث ساعات، ولأن قاعة المسرح لا تستوعب سوى 500 متفرج، كان يتم العرض لمرتين في اليوم، وذلك نظراً للإقبال الشديد على الحالة المسرحية التي تقدمها “تياترو الصعيد”، وبسبب التكلفة المادية الكبيرة لم تقدم “تياترو الصعيد” سوى عرضين فقط في العام.

يقول كيرلس: وصل عدد أعضاء الفرقة في الموسم الرابع إلى ما يقرب من 120 ممثلا وممثلة، وقمنا بتوفير مكان يتسع لـ100 كرسي، نعرض فيه في الأسبوع الواحد ثلاثة عروض مختلفة.

توافد على عروض” تياترو الصعيد” جمهور من قرى ومراكز محافظة المنيا، وقدمت الفرقة العديد من العروض المسرحية من خلال  المؤسسات والجمعيات الأهلية، وتناقش أعلب العروض قضايا ومشكلات المجتمع المحلي في الصعيد.

النجاح المتواصل دفع صابر لتقديم تجربة جديدة لاقت هي الأخرى نجاحًا باهرًا بالرغم من أنها مازالت في البدايات، وهي تكوين فرقة “تياتيرو كيدز” فرقة مسرحية للأطفال، وكان عرضها الأول “المؤسسة” الذي تناول مشكلة أطفال الشوارع، دالاً على تشوق الجمهور في الصعيد للمسرح، حيث كان للعرض صدى رائع وإشادات مرحبة.

مخاوف مستمرة

يذكر كيرلس أن أكثر ما يؤرقه وأعضاء الفرقة، فكرة عدم الاستمرارية، وذلك في ظل ما نعيشه ونشعر به من عدم وجود دعم كاف من جهة حكومية أو منتج خاص، وهو الأمر الذي يجعله يضطر إلى الاستدانة لتحمل تكاليف العروض.

ويختتم كيرلس حديثه قائلا: “نفسي أنجح في المنيا هذا حلمي، أحتاج أن يكون المسرح في المنيا”، ويضيف بنبرة تحمل مزيجًا من النجاح والخوف من الفشل، “ما نفعله هو التحدي بعينه، حيث نعمل بأقل الإمكانيات، ونناقش قضايا مجتمعية في مجتمع شبه مغلق، ولأني عاشق للمسرح ومرتبط بمجتمعي المحلي فإن مكاني وأحلامي ستكون في الصعيد”.

مشاركة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر