غياب الدولة وارتفاع الإنتاج يغيبان روايح الزمن الجميل عن دراما رمضان
ارتبط جيل الثمانينيات والتسعينيات بالدراما الرمضانية القائمة على المسلسلات التاريخية، فلم يخلو عام منذ بداية الثمانينيات وحتى الألفية الثانية إلا ويعرض في الشهر الفضيل عمل فني يناقش قضية تاريخية على مستويات متنوعة منها الديني، والسياسي، والاجتماعي، والثقافي، والعلمي.
وجاءت بداية الأعمال الدرامية التاريخية والمبنية على أحداث دينية مع مسلسل محمد رسول الله، والذي صدر في خمسة أجزاء بداية من 1980 وحتى 1985. ثم تلاه مسلسل موسى بن نصير، وابن تيمية، وتوالت بعد ذلك المسلسلات التاريخية المتنوعة، فتوسع نشاطها لمناقشة فترات سياسية حديثة، وكذلك شخصيات من العصر الحديث منها؛ قاسم أمين، وهوانم جاردن سيتي، أوراق مصرية، رجل من هذا الزمان.
ومع نهايات التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، بدأت المسلسلات التاريخية المصرية في الاندثار؛ ليحل مكانها الدراما التركية والسورية.
وفي هذا التقرير يعرض “ولاد البلد” مفهوم الدراما التاريخية، وأهميتها، بجانب التعرف على أبرز الأسباب التي غيبت المسلسلات التاريخية عن ساحة المنافسة في مصر، وكيف كان للدراما التركية والسورية دور في ذلك؟
الدراما والتاريخ
في كتابه “الدراما التاريخية وتحديات الواقع المعاصر” الصادر عن مكتبة الشروق الدولية، يوضح الكاتب محمد عمارة أن الدراما هي التمثيل والتشخيص والتجسيد والمحاكاة للوقائع والأشخاص والملابسات والأجواء، ولكن دور “الدراما التاريخية” أخطر وأفعل في استدعاء الوعي بسنن التاريخ والقوانين التي حكمت معاركه وصراعاته، وهي الأقدر على توظيف الدروس والعبر والعظات التي تستدعيها من صفحات التاريخ في خدمة قضايا ومشكلات وتحديات الواقع المعاصر والمعايش.
واتفقت الناقدة الفنية المصرية، أستاذة فلسفة الفن، هويدا صالح، في بحثها المنشور بمجلة ذوات الثقافية بعنوان “استلهام التاريخ في الدراما التليفزيونية” مع عمارة موضحة أن الاهتمام بالدراما التاريخية جاء من كونها تعبير عن لحظة تاريخية ماضية، تعاد صياغتها من جديد وفق معالجات إخراجية مبنية على طبيعة هذه اللحظة، وتحولاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية.
وتابعت: أن الأعمال التاريخية تتراوح بين أعمال تتناول حقبًا وأحداثًا تاريخية كاملة من التاريخ القديم، وأعمال أخرى تتخذ من وقائع يتردد صداها حتى اليوم، وثالثة تتناول السير الذاتية لعدد من الشخصيات التي كان لها أدوار فاعلة في توجيه التاريخ.
الدراما السورية والتركية تسحب البساط من مصر
ومن جانبه أوضح الناقد الفني وليد أبوالسعود أن القائمين على الأعمال الفنية في مصر، تركوا ملعب الدراما التاريخية للسوريين. الذين يقدموا مسلسلات تاريخية كل عام في شهر رمضان المبارك، مشيرًا إلى أن الأردن قد دخلت في ساحة المنافسة أيضًا. مضيفًا أن القنوات المصرية قد اشترت بالفعل المسلسل العربي “هارون الرشيد” رغم أن “المسلسل المصري والذي يحمل نفس الاسم “هارون الرشيد” والذي قدمه الممثل نور الشريف 1997 كان أقوى من حيث الأداء والتمثيل.
وأيد الناقد رامي العقاد ما أثاره أبو السعود موضحًا أن الدول العربية كسوريا، وبعض البلاد الأخرى منها؛ إيران وتركيا، قدموا أعمال فنية تاريخية ودينية ونالت استحسان الجمهور وحصلت على نسب مشاهدة عالية، مؤكدًا أن الجمهور متعطش لعمل فني مبني على الدراما التاريخية.
وأوضح الكاتب محمد عبدالهادي علام، في كتابه “خريف الدبلوماسية المصرية”، والصادر عن مكتبة مدبولي، أن الدراما السورية الاجتماعية والتاريخية – سواء إنتاجًا سوريًا أو مشتركًا نجحت في كسر احتكار الدراما المصرية لساعات البث الدرامي التليفزيوني والفضائيات العربية خاصة خلال الشهر الفضيل. فقد حققت الدراما السورية نقلة نوعية في أنها أصبحت جسرًا للدراما التركية أيضًا إلى القنوات الفضائية العربية والمصرية.
غياب الإنتاج الحكومي
وتابع العقاد حديثه لـ”ولاد البلد” مشيرًا إلى أنه بجانب الدراما السورية والتركية، فإن غياب الدولة عن دعم الإنتاج الفني للأعمال التاريخية قد أدى إلى الانسحاب المصري من المنافسة. مؤكدًا أن الإنتاج الفردي لن يستطيع تحمل تكلفة إنتاج مسلسل تاريخي.
وأكد أبو السعود في حديثه لـ”ولاد البلد” أن تكلفة الأعمال الفنية التاريخية عالية جدًا، ومعظم المسلسلات التاريخية كانت قد أنتجت من قبل قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون. أما الآن فقد اكتفى القطاع بالمشاركات البسيطة في بعض المشروعات وترك الساحة للدراما السورية والتركية.
وأوضح أبو السعود أن الإنتاج الفردي لا يستطيع تحمل تكلفة الإنتاج وحده؛ لأن الدراما التاريخية لا تباع بنفس قدر المسلسلات الاجتماعية، مشيرًا إلى شركة بي لينك التي أقدمت على إنتاج مسلسل تاريخي بعنوان “أهو ده اللي صار”، والذي لم يعرض حتى الآن، فما أنفق من أموال أصبح متجمدًا لحين عرض المسلسل.
ومن جانبه أشار نائب رئيس قطاع الإنتاج، المخرج أحمد صقر لـ”ولاد البلد”، إلى أن غياب الإنتاج الحكومي وتوقف قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتلفزيون عن تقديم الأعمال الدرامية القائمة على الأحداث التاريخية، أدى إلى غيابها عن الساحة الدرامية، موضحًأ أن المنتج الخاص لن يهمه المسلسلات التاريخية أو الدينية.
واتفقت المخرجة إنعام محمد علي مع ما قاله صقر مؤكدة لـ”ولاد البلد” أن جهات الإنتاج التابعة للدولة، هي المنوط بها تقديم الدراما التاريخية من كتابة السيناريو وحتى الإنتاج. مضيفة أن الإنتاج الفردي هو المسيطر على الساحة الفنية الدرامية، ولا يفكر في تقديم المسلسلات التاريخية لأنها مكلفة، بالإضافة إلى أن بيع الأعمال العادية يحقق له مكاسب أعلى.
2 تعليقات