عرض كتاب| "فتح أمريكا: مسألة الآخر" لتزفيتان تودوروف
كتب: مارك أمجد
تزفيتان تودوروف؛ باحث ومفكر بلغاري الأصل، خصص مشروعه الكتابي لقضايا الآخر والغزو والاستيطان، ولعل تعرفنا نحن العرب إليه وإلى أفكاره الجديرة بالاطلاع كان من خلال كتابه “فتح أمريكا: مسألة الآخر” من ترجمة بشير سباعي، وناقش فيه “تودوروف” قضية فتح الإسبان وعلى رأسهم كريستوفر كولومبوس قارة أمريكا، وكيف خدم ذلك الفتح الثقافة المسيحية لإسبانيا في حين أنه ظلم حضارة شعوب الهنود الحمر، بعد أن تم اعتبارهم حفنة من الرعاع غير الآدميين.
وبذلك تتضح لنا إيديولوجية تودوروف، فهو مفكر حيادي جدا، تعنيه الإنسانية والحريات، أكثر مما يعنيه الانحياز لفريق بعينه. وهذا ما نجده بدوره في كتابه الصارخ “تأملات في الديمقراطية” حيث يشرح عقدة الغرب تجاه كل ما هو عربي. ويفصل أسباب ما يعرف بالإسلاموفوبيا. فالكاتب يرى أن الغرب لا يفصل بين الإسلام والفكر المتطرف والإرهاب، وهو لا يستطيع أن ينظر لكل ما هو عربي إلا من خلال الإسلام.
يتطرق لمسألة أمريكا بالذات، وكيف اتخذت من قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر إجراءاتها الوقائية ضد التنظيمات الجهادية، أما بعد سقوط البرجان فاختلفت السياسة تماما وقررت الولايات المتحدة أن تضرب بيد من حديد لدرجة بدت معها مخمورة لا تميز عدوها الحقيقي بشكل صحيح. فاضطهدت كل العرب بكافة انتماءاتهم الفكرية وأنشأت سجونا وحشية مثل أبو غريب وجوانتنامو وأعلنت الحرب على الشرق الأوسط بأسره.
يسلط الكاتب الضوء على أن سياسة الحرب التي شنتها أمريكا على العراق وباكستان وأفغانستان لم تكن في صالح الحلفاء أبدا، لأنهم في نهاية المطاف اكتشفوا أنهم حاربوا طواحين الهواء، وأن معركتهم لم تحقق شيئا سوى أنها خلقت مزيدا من الأعداء لم يكونوا موجودين من قبل. مستشهدا بالقول المأثور للمخرج الشهير ستانلي كوبريك بعد أن أنجز فيلمه Full METAL Jacket حينما قال: “بحثنا عن العدو فوجدناه نحن”.
مقطع من الكتاب:
كل مجتمع هو متعدد الثقافات، لا وجود لأي مجتمع متجانس تماما. الثقافة هي مجموعة من الرموز المشتركة لجماعة اجتماعية. لا تتشكل الجماعة على أساس اللغة أو الأصول العرقية المختلفة فقط، بل أن الأفراد -أيضا- يتسمون بعادات وخصائص وسمات اجتماعية محددة. يهيأ الأفراد لإطار يسمى “الإطار الثقافي” بالمعنى الأنثروبولوجي للمصطلح: هناك ثقافة الشباب، و ثقافة المتقاعدين، ثقافة المقاولين، و ثقافة الأطباء. بل -أيضا- ثقافة المتشردين الذين يتفاهمون بالإشارة، في حين أن بعض الجماعات تجد في الغالب صعوبة في التواصل مع هذه الفئات. ما هي التعددية الثقافية؟ يكفي القول: إنها نزعة إنسانية. إنها سمة سياسية تكمن في نقد الاختلافات بين المجتمعات داخل بلد ما. تطورت سياسات التعددية الثقافية، التي كانت غائبة في معظم دول أوروبا، في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
تزفيتان تودوروف:
تزفيتان تودوروف فيلسوف فرنسي-بلغاري وُلِد في 1 مارس 1939 في مدينة صوفيا البلغارية. عاش في فرنسا منذ 1963، وكتب عن النظرية الأدبية، تاريخ الفكر، ونظرية الثقافة.
نشر تودوروف 21 كتابا، بما في ذلك “شاعرية النثر (1971)”، “مقدمة الشاعرية (1981)”، و “فتح أمريكا (1982)”، ميخائيل باختين : مبدأ الحوارية (1984)”، “مواجهة المتطرف: الحياة الأخلاقية في معسكرات الاعتقال (1991)”، “حول التنوع الإنساني (1993)”، “الأمل والذاكرة (2000)”، “والحديقة المنقوصة : تركة الانسانيه (2002)”.
عن كتاب تأملات في الحضارة والديمقراطية والغيرية:
الكتاب صادر باللغة العربية عن وزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية طبعة أولى عام ٢٠١٤ ضمن سلسلة كتاب الدوحة من ترجمة محمد الجرطي في ١٧٣ صفحة من القطع الكبير.