عرض كتاب| «الهوية» لميلان كونديرا
كتب – مارك أمجد
في روايته الثامنة “الهوية” يسرد كونديرا علاقة حب بين “جان مارك” و”شانتال” التي تكبره بأعوام قليلة، فشكّلت مسألة العمر تلك قضية حساسة بينهما، خاصة وأنها صارت تشعر مؤخرا بأنها ذبلت، إذ انصرفت عنها أعين الرجال، الأمر الذي يمثل دلالة على أنها صارت فقط اليوم امرأة كبيرة غير مرغوب فيها. ثم تتفاقم الأحداث عندما تبدأ خطابات مغازلة تصل لصندوق بريد منزلهم باسم شانتال فتكتشف بين ليلة وضحاها أن هناك أخيرا من لا يزال متيم بها، بل ويجهد نفسه ويضيع وقته في كتابة هذه الجمل لها، لكنها لا تعرف هويته للأسف. تشك في كل شخص تقابله في الشارع أو الأوتوبيس. حتى المتسول الذي اعتاد الوقوف أمام منزله لا تفلته من قائمتها. لتكتشف في النهاية أن صاحب تلك الخطابات كان دائما أمامها، دون أن تلحظه.
يلتزم كونديرا بأسلوبه المعتاد الانخراط في الأحداث وكأننا نحن القراء وصلنا متأخرين، عدد قليل جدا من الشخصيات، تكثيف للأحداث، الصراحة المرفهة وليست كابوسية كافكا، سرد بطيء دون ملل، تأرجحه بين الشخصيات وعدم شعوره بالشفقة تجاه أحدهم، عدم الاعتماد على حدث رئيسي تقوم عليه الرواية مثلما نرى في أي كتاب آخر، استخدام مصطلحات خاصة به وكأنه يؤسس لفكرة وجود قاموس “كونديري”، استخفافه بالموت وتأويله بمنحى يجعل من محبي الحياة سخفاء فنراه يذكر اسما مستعارا للقنبلة التي سقطت على هيروشيما وهو Little boy، تأثره بالفلسفة النيتشوية خاصة تجاه المرأة، توصيفاته الشبيقية الواعية كأن يقول عن جسد إحداهن آلة إفرازات، مهارته وهو يجعل من قصة حب ضعيفة بين شخصين عاديين تبدو وكأنها قصة تخص العالم كله؛ تندمج فيها السياسة بالأخلاقيات والجنس والحروب وحيوانية البشر.
ليس ما يمر عبر البشر عطر وردة لا ماديا، شاعريا، بل اللعاب المادي المبتذل الذي ينتقل مع جيش الجراثيم من فم العشيقة إلى عشيقها، ومن فم العشيق إلى زوجته، ومن الزوجة إلى الطفل، كل منا غارق في بحر من لعابات تتمازج وتجعل منا جماعة لعابات واحدة، إنسانية واحدة رطبة ومتحدة.
الرواية انتهى منها مؤلفها في فرنسا خريف عام 1996 ثم صدرت باللغة العربية في 124 صفحة عن دار “ورد” السورية في 1998 من ترجمة دكتور أنطون حمصي، كما صدرت أيضا عن المركز الثقافي العربي من ترجمة محمد التهامي العماري.
تعليق واحد