عرض كتاب| الفرعون الأخير.. محمد علي
كتب – مارك أمجد
قليلة هي الكتب التي تستطيع أن تتناول السيرة الذاتية لشخصية بارزة من كل الجوانب، دون تهميش لأمور وتضخيم لأخرى، خاصة لو كان المؤلف ليس صاحب السيرة، ولا من جنسيته أو ثقافته، ويضاف اختبار آخر لا يقل صعوبة، في حالة أن هذه الشخصية حققت إنجازات كانت مثارا للنقاش والاختلاف دوما، وكسبت أعداء في مماتها مقدار ما جنته في حياتها؛ وبالتالي يصبح الكاتب أمام مفترق طرق؛ إما أن يتخذ الحيطة لدرجة أن يتحول الكتاب لأرشيف بارد، أو أن يلتزم بأعلى درجات الاحترافية التي تؤهله كي يخرج منتجا فريدا، يحب كل من يقرأه أن يرجع له دائما، وكتاب الفرعون الأخير: محمد علي واحد من هذه الكتب.
ولأن المؤلف نفسه جيلبرت سينويه هو في الأصل روائي فرنسي، تمكن بلغة شاعرية سلسة أن يرصد حياة رجل أُمي غير معروف بالمرة، استطاع أن يأتي مصر كمحارب على درجة جندي، وأن يموت فيها فرعونا عظيما، بعد أن وضعها في بؤرة أخرى، ليس فقط وسط الشرق والدولة العثمانية، بل في العالم أسره، فيقول المؤلف مثلا في أحد الفصول التمهيدية:
وكان إبراهيم آغا (والد محمد علي) يشغل منصب يول آغازي أي أنه كان ضابطا مكلفا بأمن الطرق. وبموازاة مع نشاطه هذا، كان مثل غالبية الأهالي يتاجر في التبغ. شخص عادي في بيئة عادية تماما، ومع ذلك، والتاريخ يشهد على أن الآلهة تصطفي من مثل هذه الأوساط العادية شخصيات غير عادية.
لكن حياة محمد علي لا ترتبط فقط بمساراته الشخصية، الأمر الذي أدركه المؤلف فنجده يتنقل في كتابه بين: نابليون ومينو وخسرو باشا وخورشيد باشا، إلى مذبحة المماليك بتفاصيل خطتها، التي سنكتشف أن محمد علي لم يبتدعها من خياله الخاص. ثم ندخل لعالم دولة الفرعون فنتعرف على ترسانة السفن ومصانع الأسلحة والبارود وتأسيس الجيش والاقتصاد والزراعة والطرق والسدود، وطموحات أبنائه الاستعمارية التي فاقت جموح الأب، بالإضافة إلى بعض الوثائق الدبلوماسية الهامة في تلك الحقبة، والتي يعرضها المؤلف بكامل نصوصها. ويلحق بالكتاب عدة أقسام معلوماتية هامة تساعدك طوال القراءة؛ مثل معجم الكلمات العربية والتركية ومعجم بحري وتعريف بالعملات والأوزان والقياسات.
يقول جيلبرت سينويه في مقدمة الكتاب:
بما أن جيلبرت سينويه ولد في مصر، ولأنه يعرف الشرق الأوسط معرفة عميقة، فقد تمكن من أن ينفذ إلى عقلية بطله، وأن يحلل ردود أفعاله، وأن يعي بشكل جيد الدوافع التي تحركه. زد على ذلك، معرفته الدقيقة التي مكنته من تتبع مغامرة ابن كافالا المدهشة حتى موته، والذي يطالب ورثته بمصر، مثلما فعل أمير مصر في أيامنا هذه، فؤاد الثاني حين اقترن بسيدة فرنسية معلنا أن عروسه تدخل “البيت الملكي لمحمد علي”، كما تذكرنا بذلك بطاقات الدعوة إلى حفل زفافه بتاريخ الخامس من تشرين الأول لسنة 1977.
جيلبرت سينويه
روائي فرنسي، مواليد القاهرة 1947، درس بمصر أولا ثم أكمل دراساته الموسيقية بباريس، حيث تحصّل على شهادة الأستاذية في آلة القيثارة، من مؤلفاته أيضا ابن سينا أو الطريق إلى أصفهان، والمصرية، وابنة النيل، واللوح الأزرق، وأنا يسوع، كلها روايات ترجمت للعربية.
الكتاب نشر لأول مرة عام 1997، وصدر بالعربية عام 2012 بمقدمة لدريوش نوبلكو وترجمة عبدالسلام المودني، ذلك عن دار الجمل في 587 صفحة من القطع المتوسط، مزودا ببعض الخرائط الهامة، كما صدرت له بقية أعماله بالعربية عن نفس الدار.