عرض كتاب “الخليل إبراهيم” لبروس فيلر
كتب – مارك أمجد
يسلّط كتاب “الخليل إبراهيم” الضوء على المكانة الكبرى التي حظي بها سيدنا إبراهيم عند الديانات الإبراهيمية الثلاث، والطرح الذي يقدمه الكتاب هو كيف وجدت كل ديانة منهم الشخصية الإبراهيمية مُكمّلة لجذور عقيدتها منذ سيدنا آدم وحتى الآن، وسنحاول في تلك المقالة عرض صورة سيدنا إبراهيم في اليهودية والمسيحية والإسلام بعيون مؤلف “الخليل إبراهيم”.
في التوراة
بعض الحاخامات ذكروا مثلا في تفاسيرهم أن إبراهيم كان السبب في خلق الله للعالم: “لولاك ما كنت قد خلقت الشمس ومدارها، لولاك ما كنت قد خلقت القمر”.
هكذا يقول الرب في واحد من المدراش (التفسير اليهودي التقليدي للتوراة)، وهناك اعتقاد أن إبراهيم سيجلس عند المدخل المؤدي إلى الجحيم ويسمح لكل إسرائيلي غير مختتن بالذهاب إلى هناك.
واليهود الربانيون منحوه القداسة واعتبروه أول يهودي عرفته الخليقة، واعتمدوا في تكريمه لهذه الدرجة على آية من سفر التكوين تقول على لسان الله: من أجل أن إبراهيم سمع لقولي وحفظ أوامري وفرائضي وشرائعي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه رغم زخم التوراة بشخصيات قيادية مُلهمة، اختار اليهود دونها جميعا إبراهيم كي يكون هو رمز عزتهم ومجدهم، فإذا نظرنا جيدا سنجد أن موسى هو من أنقذهم من عبوديتهم وخرج بهم من مصر للبرية، وهو من شق البحر الأحمر وصعد الجبل وخاطب الله ونزل لهم بلوحيْ الشريعة، إلا أنهم مالوا بالأكثر لاعتبار إبراهيم الرجل الذي اختاره الله وكلّفه كي يتمم مشيئته.
عند المسيحيين
بادئ ذي بدء ترى المسيحية أن المسيح وإبراهيم فَعلا نفس الشيء حينما طُلب منهما من قِبل الله، فالمسيح أمره الآب بالصلب وإبراهيم أمره آدوناي أن يأخذ ابنه إسحق ويقدمه محرقة له، وكحركة شبيهة لما فعله اليهود من حيث تقديس إبراهيم، جعله المسيحيون يرمز لله الذي قدم ابنه الوحيد، فداء وكفارة عن خطايا العالم وخطية آدم في الأساس.
ثم نجد بولس الرسول في الإنجيل يشير لإبراهيم بشكل مبالغ، ففي رسائله الأربع عشرة يذكره تسع عشرة مرة، ويذهب بولس في تأملاته لاعتبار إبراهيم أكبر مثال لفكرة الإيمان غير المشروط الذي تقوم عليه المسيحية، ولعل ذلك النبي بالذات هو خير تصوير لنداء الله للإنسان غير المتكبر، الذي ليس من الشرط أن يكون خالٍ من أي نقائص كي يحدّثه الرب ويتخذه خليلا له.
وبعض المفكرين المسيحيين الغربيين اعترضوا على كون إبراهيم يهوديا أصلا واعتبروه مسيحيا خالصا، بل واعتقدوا أن الصوت الذي نادى إبراهيم لم يكن سوى صوت المسيح، وبالتالي المسيحيون هم الذين سيرثون الأرض المقدسة وهم الأُمّة التي وعد الله بها إبراهيم حينما قال له: وأجعل نسلك كتراب الأرض وأكثره تكثيرا كنجوم السماء وكالرمل على شاطئ البحر.
في الإسلام
إذا رجعنا لقاموس اللغة العربية وبحثنا عن معنى كلمة “حنيف” سنجده كالآتي: من كان على دين إبراهيم أيام الجاهلية في الحج والختان واعتزال الأصنام، ومن بين الأنبياء الخمسة والعشرين هناك سبعة عشر ينتمون لعائلته، والله في الإسلام لم يختره فقط بل اختبره أيضا، فقد كان لديه مشاكل مع الملك عابد الأوثان وزوجته، وفي سورة البقرة يطلب إبراهيم من الله دليلا على قدرته في إحياء الموتى. يسأله الله: ﴿أولم تؤمن﴾ يرد: ﴿بلى ولكن ليطمئن قلبي﴾ فيطلب الله من إبراهيم أن يأخذ أربعة من الطير ويقطعهم إلى أجزاء ويبعثر تلك الأجزاء فوق الجبال، ثم يطلب من إبراهيم أن يستدعيهم: ﴿يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم﴾.
كذلك يُذكر اسم إبراهيم في خمس وعشرين سورة من سور القرآن المائة وأربع عشرة، ناهيك عن سورة سُميت خصيصا على اسمه، ونقرأ في سورة الممتحنة: ﴿قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده﴾.
ويتساءل المؤلف هنا؛ كيف يستأثر الإسلام لنفسه بالحنيفية الإبراهيمية ربما أكثر من المسيحية واليهودية نفسهما، بكلمات أخرى كيف نعتبر أبو الآباء مسلما في حين أن محمدا أتىبعد ألفين وخمسمئة عام من حياة إبراهيم، كما ظهر الإسلام بعد ستة قرون من المسيحية وعلى الأقل بعد ألف سنة من اليهودية؟، لكن المؤلف بعد جولة يقضيها بين مساجد الولايات المتحدة يتلقى الإجابة من الشيوخ هناك؛ وهي أنه لو نقصد الإسلام بمعنى معرفة محمد وتلاوة الشهادتين، فهذا قطعا ليس المتحقق في حالة إبراهيم، أما لو نقصد الإسلام من التسليم والخضوع لله، فبلا شك إبراهيم سلّم حياته كلها لله وخضع له تمام الخضوع، والإسلام في أصله ما هو إلا حركة إصلاح في سبيل التوحيد، وإبراهيم منذ كان طفلا صغيرا في بابل كان حنيفا.
كتاب “الخليل إبراهيم” من تأليف بروس فيلر، وترجمة نشأت باخوم ومراجعة وتقديم أحمد هويدي، صدرت الطبعة الأولى عام 2016 عن المركز القومي للترجمة في 238 صفحة من القطع الكبير.
4 تعليقات