عرض “القصر الأحمر” للبيع يكشف تخاذل مسؤولي الدقهلية عن حماية المباني الأثرية
بصورة مخيفة استيقظت “رنا” صاحبة العشر سنوات من نومها، لتسمع أصواتًا عالية آتية من داخل القصر المهجور أمامها، فتتسمرت قدماها للحظة، معتقدة أن “العفاريت رجعت”.
هرعت الطفلة لوالدتها وخرجا إلى شرفة منزلهما، ليجدا مجموعة من الرجال يلتفون حول “القصر الأحمر” لا يعلمون من هم أو ماذا يفعلون، وإذا بمحمد السايس يخبرهم “دول الناس الجداد اللي هيشتروا القصر الأحمر”.
كان بيع قصر إسكندر الأثري بمنطقة المختلط، التابعة لبندر المنصورة، ضمن سلسلة هدم المباني الأثرية القديمة التي تظهر “لقيطة” لا تجد من يحميها، واستبدالها بأبراج سكنية، تكشف عن وجه سيئ لعقارات غاب عنها الإبداع الفني في التصميم.
بدأت مشكلة القصر منذ أكثر من 25 عامًا، حينما عرضه ورثة إسكندر باشا للبيع، واشتراه حسام الدين إسماعيل، وأقدم على تسجيله بالشهر العقاري ليضمن أحقيته.
أنشأ الخواجة ألفريد جبور القصر عام 1920، ثم اشتراه إسكندر أفندي حنا عام 1934، وتبلغ مساحته 625 مترًا، وكان محاطًا بحديقة من 4 جهات تنبت فيها أندر أنواع النباتات، وعرف بـ”القصر الأحمر” نظرًا لطلاء جدرانه باللون الأحمر.
بني القصر على الطراز القوطي وهو مستوحى من المفردات القبطية المستخدمة في بناء الكنائس؛ خاصة في أوروبا، ويتضمن فتحات على شكل صليب، وواجهته على هيئة قشور سمك.
ظهر القصر مسجلًا على موقع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، ضمن قوائم حصر المبان المتميزة داخل المحافظة، والتي يحظر هدمها، ويجوز بيعها لمشترٍ آخر، لكن لا يحق له المساس بها إما بالبناء أو الهدم أو التعديل، وذلك وفقًا للقانون رقم 144 لسنة 2006.
بدأ القصر يعاني من أعمال تخريبة، وسقطت أجزاء كثيرة منه، حتى الأبواب والشبابيك لم تسلم من الأذى وتمت سرقتها، وأصبح مأوى للحشرات والحيوانات، وتحول من تحفة معمارية نادرة لمقلب قمامة رئيسي بمنطقة تعتبر “فاخرة”.
انتشرت الشائعات حول القصر بأنه مسكون بـ”العفاريت والجن”، لكنها مجرد أقاويل كذبها أهالي المنطقة.
لم يتحرك مالك القصر الحالي لإنقاذه من الانهيار لأنه “اشتراه على هذا الوضع”، لكنه سعى لهدمه كاملًا وحصل على إقرار من الآثار بأنه غير مدرج ضمن أثريات الدقهلية، ورفض الحي تنفيذ رغبته في البداية حتى أرسل لجنة هندسية أثبتت أنه آيل للسقوط ويجب إزالته، وذلك حسب تصريحه.
وبالتزامن مع الموت البطيء الزاحف نحو القصر الأحمر، أبدى مالكه استعداده لبيعه للآثار لأن “الترميم هيتكلف من 4 لـ5 ملايين جنيه، وأنا مش معايا ربع المبلغ دا” بحسب قوله، وطلب مبلغ 9 ملايين و375 ألف جنيه أي أن سعر المتر 15 ألف جنيه، وفقًا لمحامي المالك.
أثار قرار بيع القصر غضب الأثريين بالدقهلية، إذ طالب مهند فودة، عضو مبادرة “أنقذوا المنصورة” من الحكومة طرح القصر للاستثمار بعد الاتفاق مع الورثة، وتحويله لـ”كافيه سياحي” يدر ربحًا ودخلًا كبيرًا نظرًا لقيمته الأثرية.
واستنكر مسؤولو المبادرة تخاذل المسؤولين عن حمايته، معتبرين ذلك بداية لهدم المناطق الأثرية القديمة.
حزنت الطفلة الصغيرة فور علمها برغبة المُلاك في التخلي عن العقار، ولم تتخيل أنها ستستيقظ يومًا دون أن تجده أمامها، ولكن ما بين قرار البيع أو الترميم، تنتظر “رنا” وباقي أهالي المختلط مصير القصر الذي يرجع عمره لأضعاف عمرها، لكنه علامة مميزة في المنطقة تفتخر به.
تعليق واحد