عرايس الحالاتية.. مسرح متنقل للأطفال
عربة فوقها لفائف من قماش، سماعة صوت، أعمدة وألواح خشبية، صندوقًا خشبيا يشبه الدولاب كتب عليه “الحالاتية”، بمجرد نصب وتجهيز هذه الأشياء وعمل المسرح وبدء العرض، تكتشف عالم ساحر من الحكايات والحواديت أبطاله عرائس فرقة الحالاتية المسرحية، التي أسسها الفنان التشكيلي والمخرج المسرحي ولاعب العرائس محمد قطامش.
بداية الفرقة
بدأ الفنان محمد قطامش، ابن محافظة المنصورة، مشواره الفني وهو في عمر الثامنة عشر، حيث كون مع أصدقاؤه فرقة صغيرة أطلقوا عليها اسم “السهريات”، كانوا يقدمون خلالها مشاهد ومقاطع تمثيلية مرتجلة في الأفراح والمناسبات الخاصة، ويتناولون المشاكل المجتمعية، لم يدرس قطامش الفن بشكل أكاديمي، ورغم أنه خريج كلية التجارة، لكنه يعمل كمصمم ديكور، ومخرج مسرحي، ومصمم للعرائس، فضلاً عن شغفه بالفن التشكيلي. بدأ قطامش العمل بالمسرح بتقديم مشروع ضمن نوادي المسرح التابع لفرع ثقافة المنصورة، وكانت أولى تجاربه في التسعينيات، إذ قدم عرضًا مسرحيًا دمج خلاله ثلاث عرائس من الدمى المتحركة “الماريونت” يصل طول الواحدة إلى متر و20 سم، وكانت العرائس من تصميمه وتنفيذه، وكانت لهم أدوار رئيسية في النص، وهو ما لم توافق عليه لجنة تقييم المشاريع المقدمة، رأت اللجنة أن تقديم العرائس ضمن النص المسرحي يعتبر كسرًا لقوانين المسرح، فظهور العرائس على خشبة المسرح بجانب الممثلين يشتت عين المتفرج. فيقول قطامش: أصبح هذا الآن شيء عادي أن نرى الدمى المتحركة بجانب الممثل على المسرح، وأعتقد أني حاولت التجديد والخروج عن المألوف والمعتاد، وأرى أن رفض مشروعي كان بمثابة دفعي ضريبة التجديد.
الحالاتية وتسميتها
على مدار مشواره الفني أعتمد قطامش على التعلم الذاتي، فهو من علم نفسه بنفسه واعتمد على تطوير ذاته لما يحتاجه، ترك العمل في نوادي المسرح الخاص بالثقافة واتجه إلى تأسيس فرقته الخاصة فكانت “الحالاتية”.
يقول قطامش: الحالاتية من الحالة سواء المسرحية أو المزاجية الفنية التي تكون بين أشخاص عاديين، ونحن من خلال العرض نضع المتلقي أمام حالة معينة نتناول خلالها أحد العيوب المجتمعية كنوع من المكاشفة لما قد يكون مخادعًا أحيانًا كظاهرة سلبية، ومن يكتب لـ”الحالاتية” يعي ذلك جيدًا، لذلك أصبح لدينا كتابات خاصة بالحالاتية مبنية في الأساس على الموروث والتراث.
ويضيف، عملت أيضًا على مشروع ثقافي لإعادة إحياء التراث الإذاعي القديم عن طريق عرضه بصريًا من خلال العرائس، فقدمت العديد من الأوبريتات الإذاعية الشهيرة مثل، “الدندورما”، و”قسم وأرزاق”، والبرنامج الغنائي “عوف الأصيل” وغيرها، لكن هذه العروض كانت تستلزم مني الدراسة التاريخية حتى أتمكن من تصميم الديكور والملابس بشكل دقيق، مثلاً في أوبريت عوف الأصيل بحثت في مصر الفاطمية لأقدم ديكورات وشوارع وملابس تلك الحقبة، وأطلق الدكتور سيد على أستاذ المسرح العربي بجامعة حلوان على تلك التجربة اسم “المسرح المتحفي”.
أنشطة الحالاتية
تختار فرقة الحالاتية النصوص المسرحية وفق مجموعة من المعايير الخاصة، وقد تكون النصوص عبارة عن قصص تراثية أو صور غنائية إذاعية مسجلة، أو نصوص خاصة، إضافة لوجود مساحات للارتجال، وقد تجمع القصة ما بين التراث والحداثة.
وعن فريق الحالاتية يقول قطامش: ليس هناك عدد محدد لفريق الحالاتية، لكن في الأساس الحالة التي يتم عرضها تكون من أثنين من اللاعبين وقد يصل العدد إلى عشرة لاعبين وذلك حسب العرض، وتقدم الحالاتية مجموعة من الفقرات، سواء لطلبة المدارس أو للجمهور العادي في الحدائق أو على خشبة المسرح، وينقسم عرض الحالاتية إلى فقرتين أساسيتين، فقرة تعرض داخل الاستناد وكأنك تشاهد شاشة التلفزيون لكن بشكل حي، وأخرى تفاعلية أمام الاستاند مع الجمهور.
يكمل قطامش: أطفال الأقاليم محرومين، فهم ليسوا كأطفال القاهرة والمدن الكبرى، اللذين يتاح لهم الذهاب للمسارح ومدن الملاهي الكبرى، لذا نستخدم في عروضنا بالأقاليم العرائس الشهيرة، مثل عرائس عالم سمسم، بوجي وطمطم، باسنت ودياسطي، حيث يسعد الأطفال بمشاهدة تلك العرائس، ويتفاعلون معها وكأنهم في استديو يشاهدون تصوير حلقة من حلقاتها التلفزيونية، وأحيانًا استخدم هذه العرائس كفواصل بين الفقرات الأساسية لفرقة الحالاتية والتي يصل مدة عرضها الواحد بين الساعة والنصف إلى ساعتين.
أشهر العرائس
تستخدم الحالاتية أنواع مختلفة من العرائس، فهناك العروسة الكولاج، وهي مصنعة من عدة خامات تمتاز بأنها ذات حجم كبير تصل إلى حجم الشخص العادي ومسطحة ويتم تحريكها من الخلف عن طريق العصا ولا تستخدمها سوى فرقة الحالاتية، وعرائس الماريونت وهي نوعين، عروسة يتم تحريكها من خلال الاستاند وأخرى يقوم المتلقي بالتفاعل معها بمحادثتها والرقص معها وفي بعض الأحيان تحريكها بنفسه، وهناك العروسة القفاز الشبيهة بالأراجوز، وهناك دمى الخداع البصري والتي يتفاعل معها الأطفال كثيرا، وهناك دمى الكرنفال لكنها تختلف في ملابسها عن ما يتم مشاهدته من دمى الاحتفالات في الشوارع، حيث إنها دمى تمثل الفنون التراثية للمحافظات المصرية مثل، التنورة والبمبوطية التي قام قطامش بتصميمها.
وعن أشهر عرائس الحالاتية التي لن تراها في مكان آخر يقول قطامش: الأشهر لدينا هي العروسة ” ظاظا” وهو عبارة عن بغبغاء، وهناك راقص التنورة الذي يتم تحريكه من خلال الخيوط وهو ما يعطيه حيوية أكبر، وليس من خلال سيخ حديدي مثبت في رأس العروسة كما في العرائس الأخرى، وهناك راقص الخيل أو رقصة الخيل وهي أيضًا خاصة بفرقة الحالاتية دون غيرها وهي أيضًا من تصميمي.
كورونا والعرائس
منذ شهر فبراير الماضي لم تخرج عرائس الحالاتية خارج الاستديو الخاص بها، بسبب كورونا، إذ تأثرت هي الأخرى بالإجراءات الاحترازية، فقد كانت تنطلق وترقص في الحدائق والمدارس والمسارح لكنها توقفت، واتجه قطامش إلى العمل على قناته الخاصة على اليوتيوب ومعه أيضًا عرائس الحالاتية، فهو بجانب الفيديوهات التعليمية عن تصنيع العرائس، يقدم فيديوهات أطلق عليها اسم “لعب عرائس” والتي يأمل أن يتحول لبرنامج فيما بعد، فهو يختار أحد الأحداث الحالية وتقوم العرائس بالتعليق عليه ومحاورة الضيوف، لكن عرائس الحالاتية تستقبل يوميا زوارها من الأطفال والأشخاص العاديين الذين يلتقطون الصور معها في مرسم واستديو قطامش الخاص به في مدينة المنصورة.
يأمل الفنان محمد قطامش، في أن تقدم الحالاتية عروضها في العديد من الأماكن حتى يسعد الأطفال بما يقدمه لهم، وتخرج العرائس مرة أخرى للعب وتقديم عروضها.
2 تعليقات