صور| دندرة.. كيف تحولت المدينة المقدسة من عبادة الشر إلى “سيدة السماء”؟
تزامنًا مع منتدى دندرة الثقافي السنوي، والذي سيعقد في 28 مارس الجاري، نلقي الضوء على أهمية هذا المكان التراثي، والبداية بأشهر وأقدم معالم المدينة وهو معبد دندرة.
دندرة أو المدينة المقدسة واحدة من أهم المدن والمراكز الحضارية في مصر القديمة، والتي اكتسبت شهرتها من خلال المعبد الذي يحمل اسمها، والذي كُرس لعبادة الآلهة حاتحور، آلهة الحب والموسيقى عند القدماء المصريين، بحسب الدكتورة عنايات محمد في كتابها “الآثار اليونانية الرومانية”.
أصل التسمية
توضح عنايات محمد أن المدينة كانت تعرف حتى عصر الأسرة السادسة (2345 ق.م) بـ(أونت)، نسبة إلى أون مدينة الشمس، مضيفة أنه تصادف وجود مدن أخرى تحمل نفس الاسم، لذلك عدل الاسم ليصبح (أونت تا نترت)، وحرفت فيما بعد إلى (تا – نترت)، والتي تعني المدينة المقدسة أو مدينة الربة المقدسة، والتي تشير إلى حاتحور، وتتابع وفي العصر اليوناني حرف الاسم إلى (تنتيرة) ثم (تنترة) لتعرف بالعربية باسمها الحالي دندرة.
موقع متميز
وأورد الدكتور مدحت جابر في كتابه (بعض جوانب جغرافية العمران في مصر القديمة)، أن دندرة كانت عاصمة الإقليم السادس، وكانت تعامل كمركز إداري اقليمي بجانب العاصمة السياسية، وكانت تحتوي على مدينة كبيرة ومركزين صغيرين وقريتين كبريتين بمساحة قدرها حوالي 300 كيلومتر مربع، ويقطنها حوالي 29 ألف نسمة.
وبحسب جابر، فقد بلغ طول الجبهة النيلية للمدينة 55 كيلو مترا، لافتا إلى أن الموقع المتميز للمدينة ووقوعها على الطريق الشمالي الشرقي المؤدي للبحر الأحمر والذي كان يربط مصر بإفريقيا تجاريا، زاد من أهميتها لتصبح كأحد أهم المراكز التجارية والإدارية، خصوصا في العصر اليوناني الروماني (332- 31 ق.م).
التمساح
وتلفت الدكتورة عنايات محمد إلى أن موقع دندرة المختلف على الضفة الغربية من ثنية النيل بقنا، سببا في تواجد التماسيح هناك، ليصبح التمساح المعبود الرئيسي لدندرة، والتي كان رمزها عبارة عن تمساح ويعلو رأسه أو جسده ريشة وكانت تسمى (أيك)، كما أن الرمز تغير في عصر الرعامسة (1307 -1196 ق.م) ليصبح تمساحا، وقد اخترقت جسده السهام في إشارة للانتصار على الشر.
كما توضح أن عبادة التمساح استمرت في دندرة حتى عصر الملك طاهرقا في الأسرة 25 (690 إلى 664 ق.م)، لتستبدل بعبادة الثالوث المقدس (حاتحور وحورس وايحي).
سيدة السماء
تشير عنايات محمد إلى أن اسم حاتحور مركب من (حات)، وتعني البيت الريفي المصنوع من البوص، و(حور) وهو اسم الإله حورس ليصبح معنى الاسم (بيت حورس)، لأنه طبقا للأسطورة تزوجت حاتحور من حورس فكانت بمثابة البيت والسكن له.
وتضيف، أن لحاتحور أشكال متعددة أشهرها المرأة الجميلة، وعلى رأسها قرص الشمس لتتشابه مع إيزيس كربة للجمال والأنوثة والحب، أو أن تصور على هيئة بقرة كاملة أو امرأة برأس بقرة، لتعبر عن الأمومة والخصب والنماء، أو أن تصور كامرأة كاملة بأذني بقرة لتجمع الصفتين.
وتلمح محمد إلى أن حاتحور حظيت بألقاب عدة منها (سيدة دندرة) و(سيدة السماء)، كما حظيت بطراز أعمدة خاص بها عرف بـ(الأعمدة الحاتحورية)، وهي طراز عرف منذ عصر الدولة الحديثة واستمر حتى العصور البطلمية.
المعبد:
ويرجع تاريخ المعبد إلى عصر الملك بطليموس الثامن (116 ق.م)، حيث وجدت له خراطيش داخل المعبد، وبحسب مؤلفة كتاب الآثار اليونانية والرومانية، فإن تطور البناء داخل المعبد استمر حتى عصر كليوباترا السابعة (34 ق.م)، حيث صورت هي وابنها قيصرون على الجدار الخارجي للمعبد، وأن أعمال البناء والزخرفة امتدت إلى العصر الروماني خلال عهد تيبروس وكاليجولا وكلاديوس ونيرون.
وتشير محمد إلى أن المعبد يختلف عن المعابد المصرية في أنه ذو محور شمالي جنوبي، بعكس جميع المعابد المصرية بالمحور الشرقي الغربي، موضحة أن المعبد كرس لعبادة الثالوث المقدس لدندرة (حاتحور وحورس وايحي)، ومكون من طابقين على نفس تخطيط معيد إدفو، لارتباط المعبدين برحلة الزواج المقدس بين حورس وحاتحور.
وتردف، أن المعبد في طابقه الأول، يتكون من البوابة الشمالية التي يحيط بها الصرح، والتي تؤدي إلى صالة الأعمدة الكبرى ثم الصغرى والتي تؤدي إلى قاعتين تؤديان في نهاية المعبد إلى قدس الأقداس، أما الطابق الثاني فيوجد به حجرة الاتحاد مع الشمس وحجرة (الأوزوريون)، بالإضافة إلى ملحقات المعبد مثل الماميزي والمستشفى والكنيسة.
صالة الأعمدة الكبرى
وتورد محمد أن صالة الأعمدة الكبرى تتكون من 18 عامودا من الطراز الحاتحوري، وتتميز بالنقوش الدينية ذات الألوان البديعة، وسقف الصالة مقسم إلى قسم شمالي وآخر جنوبي، حيث نقشت الإله نوت إلهة السماء على كل جزء وهى تبسط جسدها لتلمس الأرض بأقدامها ويديها ويوجد تحتها 18 مركبا كل منها تمثل 10 أيام، أي أن مجموعهم 180 يوما في كل قسم ليصبح المجموع النهائي في القسمين 360 يوما وهو عدد أيام السنة، وفي النصف الشمالي صورت الأبراج الشمالية وهي “الأسد والثعبان وحامل القوس والعقرب والميزان والجدي”، أما في القسم الجنوبي فنرى الأبراج الجنوبية وهي “الجوزاء والسرطان والثور والكبش وحامل الماء والحوت”، كما يوجد بالسقف مناظر تمثل ساعات الليل والنهار ومناظر تدرج القمر حتى يصبح بدرا.
صالة الأعمدة الصغرى
وبحسب عنايات محمد، تسمى هذه الصالة بصالة الظهور ويوجد بها 6 أعمدة من الطراز المركب من رأس حاتحور وإزهار اللوتس، ويوجد بها مناظر تأسيس المعبد، وعلى الجانب الأيمن للصالة يوجد ثلاث حجرات تخزين، واحدة للذهب والفضة والأحجار الكريمة والثانية لأواني مياه النيل التي تستخدم في تطهير المعبد والثالثة لتخزين القرابين، وعلى الجانب الأيسر ثلاث حجرات واحدة للبخور والعطور والدهانات، وكانت بمثابة معمل كيميائي وحجرة تخزين منتجات الحصاد وأخيرا حجرة القرابين.
قاعة القرابين
وخلف الصالة يوجد قاعة صغيرة تدل النقوش بها أنها كانت تستخدم لتقديم الأضاحي والقرابين للآلهة، وإلى اليسار منها يوجد حجرة صغيرة للتطهير، كما يوجد ممر صغير يؤدي إلى سطح المعبد.
قاعة راحة الآلهة
وتؤدي القاعة إلى قاعة أخرى وهي أكثر قداسة من سابقتها، وتسمى قاعة راحة الآلهة، وبها مناظر دينية تشرح أدوار حاتحور وعلاقتها بالسماء والشمس، وعلى يسار الحجرة يوجد حجرة لتخزين ملابس الكهنة.
قدس الأقداس
وتوضح محمد أن قدس الأقداس عبارة عن حجرة مظلمة طوال العام، وتضاء بواسطة فتحات بسيطة في السقف، مشيرة إلى أن المنظر التقليدي على يمين ويسار المدخل للملك، وهو يقدم باب الناووس الحجري والذي كان مخصصا لتمثال حاتحور، والذي كان يعتقد أنه مصنوعا من خليط الذهب والفضة.
وتلفت إلى أن قدس الأقداس محاط من الخارج بممر يفتح منه 11 حجرة، بعضها استخدم كمقاصير للآلهة الضيوف، وبعضها الآخر استعمل كغرف تخزين وهي بالترتيب من اليمين إلى اليسار:
حجرة البعث ومخصصة للإله بتاح كأحد آلهة الخلق.
حجرة الميلاد وخاصة بإيزيس.
حجرة الموت للإله سوكر وبها مناظر تمثل بعثه.
حجرة اتحاد الأرضين وهي للإله حورس سماتاوي أي موحد الأرضين.
حجرة البيت الكبير، أي معبد دندرة وهي من أهم الحجرات، حيث كان يوجد بها شعار دندرة وهو الشخشيخة.
حجرة الشعلة، وهي خاصة بالإلهة (وادجت)، وكان يحفظ بها مقصورة حاتحور التي تحمل في رحلتها إلى إدفو.
حجرة العرش مخصصة للإله رع.
حجرة الجواهر.
حجرة التطهير.
حجرة الفضة.
حجرة العام الجديد.
وفوق سطح المعبد، يوجد حجرتين واحدة عند طرفه الجنوبي وهي مقصورة الاتحاد بقرص الشمس، والأخرى عند الطرف الشمالي وهي حجرة أوزوريس والمعروفة بالأوزوريون.
الاتحاد بقرص الشمس
وتلمح عنايات محمد إلى أن الحجرة يوجد بها 12 عمودا حتحوريا كلها مكتملة ما عدا اثنين، وكانت مخصصة لطقوس الاحتفال باتحاد حاتحور مع الشمس وهو الطقس المرتبط بأول أيام السنة الجديدة، حيث كان الكهنة يضعون تمثال الإلهة داخل المركب المقدس ويحمل على الأكتاف عبر السلم الدائري المؤدي إلى السطح ليوضع داخل المقصورة ذات السقف الخشبي والمصمم بطريقة تسمح بفتحه إلى السماء ليتلقى التمثال أول شعاع من أشعة رع في العام الجديد، وبعدها يتم إعادته مرة أخرى إلى قدس الأقداس عبر سلم آخر مستقيم المحور.
الأوزوريون
وبحسب محمد، يتكون الأوزوريون من فناء يؤدي إلى حجرتين، الأولى كانت تضاء بواسطة باب ونافذتين، أما الثانية فكانت مظلمة تماما وتضاء بواسطة شق في السقف، موضحة أن الفناء يحتوي على مناظر لموكب الكهنة يمثلون المقاطعات وهم يمرون من أمام أوزوريس، أما الحجرة الأولى فتحتوي على مناظر دينية لموت أوزوريس ومراحل بعثه بواسطة إيزيس ونفتيس.
ساعة الأبراج
وتتميز الحجرة الثانية بالنقش الموجود في السقف، والذي يمثل دائرة البروج المصرية (الزودياك) وبها الأشكال التقليدية، لافتة إلى أن النسخة الموجودة حاليا نسخة مقلدة، بينما النسخة الأصلية معروضة حاليا بمتحف اللوفر.
كنيسة ومستشفى وبحيرة
وتشير عنايات محمد إلى بعض المباني الملحقة بالمعبد، مثل معبد إيزيس والذي يقع خلف المعبد الرئيس، وبني في عصر الملك أغسطس، ويعتقد انه ربما كان يستخدم للولادة بسبب المناظر التي مزجت بين حاتحور وايزيس وصورتها وهي ترضع حورس كأنه ابنها، كما توجد حجرة الولادة البطلمية والتي تقع على يمين المدخل الرئيسي للمعبد، وترجع لعصر الملك نكتانبو (343-360 ق.م)، وتحتوي على مناظر الولادة المقدسة للإله ايحي، وعلى مقربة منها يقع الماميزي الروماني من عصر الملك أغسطس (31 ق.م)، واستكمل في عصري تراجان وهادريان.
وتوضح الكاتبة، أن الكنيسة القبطية تقع بين الماميزي البطلمي والروماني، وهي من أقدم الكنائس الرومانية، وترجع للقرن الخامس الميلادي، وتتخذ الشكل البازيليكي، وتتكون من صحن أوسط وجناحين جانبيين أصغر منه في المساحة يفصلهما صف من الأعمدة.
وتتابع، أن المستشفى كشف عنها في عام 1968، وهي عبارة عن مبنى يحيط به سور مهدم من الطوب الأجر، ويحتوي على حجرات للمرضى وآثار لمجاري مائية للاستحمام أو شرب الماء المقدس، والذي كان يأتي من البحيرة المقدسة بالمعبد.
وتذكر الكاتبة أن البحيرة المقدسة تقع في جنوب غرب المعبد، وهي عبارة عن حوض مستطيل، في كل ركن من أركانه الأربعة يوجد سلم هابط يؤدي إلى الماء، والذي كان مصدره المياه الجوفية وليس نهر النيل، بسبب أن المعبد يوازي النيل ولا يقابله.
السرداب
وتلمح مؤلفة كتاب الآثار اليونانية الرومانية إلى أن المعبد مثل غالبية المعابد البطلمية، يحتوي على سرداب كان يستخدم لتخزين النفائس من الجواهر والحلي، كما دلت النقوش كما كان يستخدم لطريق هروب سري في حالة تعرض المعبد لهجوم الأعداء.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
(1) الآثار اليونانية الرومانية – عنايات محمد أحمد – الحضري للطباعة – من ص 280 إلى ص 298.
(2) بعض جوانب جغرافية العمران في مصر القديمة – دكتور محمد مدحت جابر – جامعة المنيا 1982 – ص 20 وص 128.
* جميع الصور الواردة بالموضوع من ويكيبيديا برخصة المشاع الإبداعي
20 تعليقات