صور| أصل المصارعة اليونانية والرومانية.. وأين كانت تقام في الإسكندرية؟
“لعبة المصارعة” كان لها جذور تاريخية في مصر، حيث نجدها مصورة على جدران المعابد الفرعونية، وممثلة في مقابر “بني حسن” بالمنيا، حيث توضح هذه النقوش والرسومات شكل “المسكات” و”الخطفات” لرياضة المصارعة الحرة، إضافة إلى أن المصارعة هي لعبة رياضية مارسها الصغار والكبار كما هو مسجل في عدة نقوش واضحة لصور على المعابد الفرعونية.
وبدراسة تلك الصور نجدها تشتمل على أغلب الحركات الحديثة للمصارعة اليونانية الرومانية والحرة، وقد بلغ عدد الحركات المسجلة على جدران مقبرة الأمير باكت من الأسرة الحادية عشر، وأيضا بمقابر “بني حسن” بمدينة المنيا، قدرت بـ129 “مسكة مصارعة” وفقا للمعلومات التي ذكرها موقع الاتحاد المصري للمصارعة عن اللعبة.
المصارعة في العصر الحديث
وفي العصر الحديث تم إدراج المصارعة ضمن برنامج أول دورة أوليمبية عام 1896م في أثينا، ولكنها كانت المصارعة اليونانية الرومانية في فئة الرجال فقط، وفيما يخص مصارع السيدات، فاعتمدت رسميا لأول مرة في أثينا أيضا، لكن في النسخة الأخيرة عام 2004م، وتكون الاتحاد المصري للمصارعة عام 1933م، وأقيمت أول بطولة رسمية نظمها الاتحاد عام 1934م بالقاهرة.
المصارعة اليونانية والرومانية
يذكر كتاب “موسوعة الألعاب الرياضية المفضلة – تعرفها وقواعدها” من إعداد جميل نصيف، أن رياضة المصارعة انتقلت إلى باقي الشعوب عبر العصور ولم تصبح حكرا على الفراعنة وأن المصارعة التي وصلت لنا في العصر الحديث تعود في أصولها إلى الإغريق الذين اهتموا بالرياضة في سبيل بناء فرد قوي البنية، وقام الشعراء الإغريق بتمجيد هذه الرياضة ودخلت في الأساطير الإغريقية، وكانت أشهرها المعركة التي حدثت بين زيوس وكرونوز عام776 ق.م وانتصر فيها “زيوس” وأقيمت الاحتفلات الدينية والرياضية تخليدا لهذه الذكرى.
وأشار الكتاب إلى أن الإغريق عرفوا نوعين من المصارعة، الأول يكون المتصارعين في بدايتها واقفين، والثاني يكون المتصارعين في بدايتها جالسين، وعندما احتل الرومان بلاد الإغريق أشرفوا على عرضها.
رسالة ماجستير عن المصارعة
وتقول خلود محمد شوقي، مفتشة آثار وباحثة في مرحلة الدكتوراة، لـ”ولاد البلد” إن رسالة الماجستير الخاصة بها تناول جزء منها موضوع الألعاب الرياضية وساحة التدريب وحلبة المصارعة في العصر اليوناني والروماني، التي كان يطلق عليها اسم “البلايسترا”.
من اللياقة البدنية إلى الدموية
وأوضحت “شوقي” أن اليونانيين في بلاد اليونان “آثينا” وما حولها من مدن وجزر كانوا يمارسون رياضة المصارعة في ساحة للألعاب، وهى “البلايسترا” ولأن الإسكندرية اتبعت النظام والتخطيط اليوناني فبكل تأكيد كانت هذه الرياضة وما شابهها تمارس في ساحات مشابهة وإلم يكشف عنها حتى الآن.
العصر الروماني
“لكن في العصر الروماني اختلف شكل رياضة المصارعة وهدفها عنها عند الإغريق، فكانت عبارة عن مسابقات دموية، كان لابد من أحد يقتل الآخر، وكان “الكولسيوم” مكان هذه المسابقات، وبدأت فكرته كمكان للجزارة وذبح البهائم والمنافسة على ذبحها ثم استبدلوا البهائم بالعبيد أو من حكم عليهم بالإعدام.
وخلال ملخص لأجزاء من رسالة الماجستير الخاصة بها، سلطت “خلود” الضوء على هذه الرياضة، موضحة أن أشهر الألعاب التي مارسها الإغريق كانت رمي الرمح والقرص المعدني والسباحة وركوب الخيل وممارسة رياضة الصيد، عادة على الأقدام مع الكلاب، وكانت هذه الألعاب تمارس في الهواء الطلق أو داخل مبنى الجمانزين اليوناني.
إلا أن الغرض من ممارسة هذه الرياضات ومن إنشاء هذه المباني يختلف عند الرومان، فلم يكن الهدف الرئيسي لديهم من اللياقة والقوى البدنية، فقد اعتبروا أن التردد على الجمانزيا، كما فعل شباب الإغريق بغرض التمرين والتسلية، أمر مشينا بالنسبة للتقاليد الرومانية، وضياع للوقت ومن أسوأ الأفعال اللاأخلاقية كما كان”العرى الكامل” المعتاد بمسابقات البلايسترا “مدرسة المصارعة” أمرا لا يتفق مع أخلاق الرومان وتقاليدهم.
أنواع البلايسترا “مدرسة المصارعة”
وتتابع شوقي بأن الديموقراطية الأثينية تمخضت عن العديد من الباليسترا التى يملكها أفراد؛ مما يوحي بانتشار هذه المباني، نظرا لإقبال الناس على تدريب أولادهم ويعكس هذا مدى الوعي الثقافي في هذا العصر، فكان الهدف من التمرينات الرياضية هو إكساب أجسامهم رشاقة وجمال، وبالنسبة للدولة كان الهدف من وراء التدريب البدني هو إعداد الشباب للحرب وانقسم لعدة أنواع في فترة عصر الإغريق والرومان.
العصر الإغريقي
في العصر الإغريقي انقسم البلايسترا إلى:
1-البلايسترا عام:
جزء أساسي من مؤسسة “الجمنازيون” معهد التدريبات البدنية العام، كما أطلق أيضًا على عدد من مباني الجمنازيا صغيرة الحجم بأثينا “بلايسترا. استخدمت أيضًا لاجتماع أشخاص من جميع الأعمار.
2- بلايسترا خاصة:
ظهرت بلايسترا غير ملحقة بمؤسسة الجمنازيون، قائمة بذاتها، خاصة بمن أسسها وكانت ملحقة بمنزل المدرب وتعرف بأسماء أصحابها، كما تذكر بعض المصادر الأدبية أنه خلال القرن الرابع ق.م.
البلايسترا الرومانية:
لم يكن لدى الرومان مكانا يضاهي الجمنازيا والبالايسترا اليونانية؛ وبنهاية العصر الجمهوري (509-27 ق.م) بدأ أغنياء الرومان، في محاكاتهم للإغريق، ببناء أماكن للتمرين بفيلاتهم، وقد أطلقوا عليهم اسم جمنازيا وبلايسترا بلا اختلاف، وهو ما ظهر جليًا في وصف فتروفيوس للجمنازيا اليوناني تحت اسم بالايسترا.
عمارة البلايسترا وفقًا لفتروفيوس:
ومن خلال الشرح في رسالتها، توضح خلود شوقي، كيف كان تصميم “مدرسة المصارعة ” حيث يصف فيتروفيوس، مهندس معماري في عهد يوليوس قيصر، البلايسترا، بأنه يتخذ فناء التدريب بالشكل المربع أو المستطيل، ويحيطه بطول الجهات الأربعة صف أعمدة يشكل أروقة، عادة لها عمق مزدوج للحماية من الطقس السىء، وقد أقيمت بالأروقة الثلاثة الأخرى دخلات تمثل صالات واسعة زودت بمقاعد للجلوس.
واهتمت الحضارة الرومانية بإنشاء الحمامات العامة أكثر من اهتمامها بالتدريب البدني، كمنهج تعليمي بخلاف ما كان كائنا في الحضارة اليونانية، وإن أقيمت مبان ملحقة بالبلايسترا فهي مباني ملحقة بالأساس بالحمامات، أي هامشية لمن شاء من مرتادي الحمامات ممارسة بعض التمرينات البدنية قبل الاستحمام.
البلايسترا في الإسكندرية
وتشير خلود شوقي، مفتش آثار وباحثة في مرحلة الدكتوراة، إلى أنه في منطقة كوم الدكة في الإسكندرية نتج عن أعمال حفائر جنوب الرواق الجنوبي للحمامات الكشف عن بقايا لأساسات حائط ضخم يسير باتجاه شمال-جنوب، وفي نهايته الشرقية ظهر عامود من الرخام وكذلك ثلاثة أجزاء منفصلة من الحائط، وتم الكشف عن حائط آخر يقع جنوبا من كتل ضخمة من الحجر الجيري، الذي يؤكد أن الحائط المكتشف هو بالفعل الحائط الجنوبي الخارجي لمجمع الحمامات، وهكذا يكون المخطط الخارجي لساحة التدريب البالايسترا محدد على الأرض.
المبنى المدرج الكبير بمنطقة كوم الدكة
ثار جدل كبير حول تحديد هوية ووظيفة المبنى المدرج، فقد أطلق عليه مسرح قاعة مسابقات وتدريب على موسيقى، وقاعة استماع، ومجلس شيوخ، أو حتى حلبة مصارعة.
-بالايسترا ماريا (ب):
كشفت البعثة المصرية التي تجري حفائرها في منطقة الحمام الروماني بمنطقة ماريا (ب) الأثرية غرب الإسكندرية عن صالتين مشيدتين بكتل من الحجر الجيري، تمثل امتدادا للحمام الروماني، بالإضافة إلى اكتشاف حوض استحمام (مغطس) تستخدم الصالتان المكتشفتان للتمرينات الرياضية التي كانت لها أهميتها في العصر الروماني.
بلايسترا رومانية آخرى بمصر:
بلايسترا هيراكليوبوليس ماجنا:
وأشارت أوراق البردي إلى أبنية عامة مختلفة بمدينة هيراكليوبوليس (إهناسيا- بني سويف حاليًا) منها بلايسترا، وإن اختفت هذه العمارة الكلاسيكية بشكل كبير، قبل زيارة حملة نابليون بنهاية القرن الثامن عشر. حيث لم يشر “جومار” إلى أي منها في كتاب “وصف مصر” بخلاف أعمدة جرانيتية بالقرب من بنى سويف.
بلايسترا بأنطينووبوليس:
تم العثور على ساحة تدريب للرياضيين بمدينة أنطينووس الرومانية (الشيخ عبادة – المنيا حاليًا)، شمال معبد رمسيس الثانى، مبنى ضخم، أكثر من (100×80م) عرض، ربما يمتد لأكثر من ذلك.
بلايسترا يونانية –بطلمية مروى ببلاد النوبة:
خلال الحملة الرابعة من أعمال حفائر تمت بمروى. وتحديدا بالركن الشمالى-الشرقى من الموقع. تؤرخ المبانى بشكل أساسى من فترة (300-22ق.م) مروى الوسطى وهى من أعظم فترات تاريخ حضارة مروى.
خلال تلك الفترة كان التأثير اليونانى قوى وواضح ويبدو استمراره فترة الإحتلال الرومانى لمروى. حيث كشفت أعمال الحفائر بالحمامات؛ ما يشبه البلايسترا اليونانية، مثل الجمنازيون السفلى ببرينى. لكن البقايا الأثرية غير كافية من هذا البناء المبكر ليسمح بإعادة بناءه.
فيلم سبارتاكوس ودموية المصارعة الرومانية
سبارتاكوس
وظهر فيلم أمريكي بعنوان “سبارتاكوس” إنتاج عام1960 م بطولة الممثل الشهير آنذاك كيرك دوغلاس.
وعرض الفيلم فكرة ساحة التدريب والمصارعة في العصر اليوناني، وكيف كانت تحتوي على قدر كبير من العنف والدموية.
كذلك شخصية الفيلم حقيقة لصاحبها “سبارتاكوس” وهو من مصارعي الحلبه الرومانية في العصر الروماني.
وكان سبارتكوس أحد قادة ثورة العبيد في حرب الرقيق الثالثة. فقد ثار على الحياة غير الآدمية التي كان يعيشها العبيد في ظل الإمبراطورية الرومانية وذلك من أجل نيل حريتهم.
وفي 2013م ظهر مسلسل يعرض قصة سبارتاكوس، من بطوله الممثل أندي ويتفيلد في عدة مواسم. وعنه كتب الشاعر المصري الراحل أمل دنقل قصيدة تحت عنوان “كلمات سبارتكوس الأخيرة”.
ويقول مقطع منها، وفقا للموسوعة العالمية للشعر العربي:
يا إخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين
منحدرين في نهاية المساء
في شارع الإسكندر الأكبر:
لا تخجلوا.. ولترفعوا عيونكم إليّ
لأنّكم معلقون جانبي.. على مشانق القيصر
المصارعة الرومانية القديمة
وهناك كتاب بعنوان “المصارعة الرومانية القديمة.. التاريخ الدامى لرياضة الموت“، لمؤلفه “فك مايير”، وترجمة الدكتور صديق جوهر.
ويصور المؤلف عروض الإعدام الجماعية العلنية. كما يتطرق إلى شلالات الدماء المسفوكة التي تلطخت بها حلبات وجدران المسارح الرومانية منذ الأزل. وحتى إغلاقها في أواسط القرن الخامس الميلادي.
وجاء في مقدمة الكتاب أن بعض المؤرخين رأوا أن المعارك والمنافسات الدامية التي كانت تدور في باحة المسرح الروماني. وكانت بمثابة صمام الأمان الذي يقوم بتنفيس ما يختلج في نفوس عامة الشعب والغوغاء من مشاعر مكبوتة. ولذلك فإن الإثارة التي تصاحب مشاهد الذبح تخفف من إحساس الجماهير بالبؤس الذي يعانون منه في حياتهم اليومية.
ويحكى الكتاب تاريخ نشأة ألعاب المصارعة الرومانية التي دامت على مدار القرنين الأول والثانى بعد الميلاد. حيث كانت هذه العروض جزء لا يتجزأ من طقوس الحياة الرومانية. وكانت المسارح والمدرجات الرومانية منتشرة في جميع المدن الكبرى وذات الحجم المتوسط. حيث دأب الناس من جميع الطبقات على الذهاب لمشاهدة عروض المصارعة التي كانت تعتبر جزءًا من الترفيه آنذاك.
تعليق واحد