صور| “أرسينوي” مدينة تاريخية تحولت لبقايا جدران وأحجار بالفيوم
أحجار متناثرة بين نباتات الحلفا والحشائش، بقايا جدار حجري قديم، سور حديدي يحاوط المكان، هذا ما تبقى من مدينة أرسينوي القديمة، التي يرجع تاريخها إلى عهد الأسرة الخامسة.
وتعد أرسينوي من أعرق وأقدم المدن المصرية القديمة وأهمها على الإطلاق، فقد شهدت هذه المدينة كافة مراحل تطوير الدولة المصرية القديمة، ولا يعرف العديد من أهالي الفيوم تاريخها إذ تسمى الآن “كيمان فارس”.
” أرسينوى – شيدت ” أصل الفيوم
يقول الأثري أحمد عبدالعال، مدير آثار الفيوم الأسبق، إن مدينة أرسينوى أو “شيدت” هي الأصل لمدينة الفيوم قديما، ويعود تشييد هذه المدينة إلى عهد الأسرة الخامسة، وقد ازدهرت تلك المدينة كثيرًا في عهد الأسرة الثانية عشرة، وتم تشييد معبد للإله سوبك معبود الفيوم بها وتحديدًا في عصر إمنمحات الثالث، وسميت أرسينوي تكريمًا لزوجة بطليموس الثاني فيلادفيوس، وبلغت مساحة المدينة قديمًا 220 فدانا، لذا فأطلالها من أكبر ما تم معرفته عن بقايا لمدن مصرية، وكان يقع في شمال المدينة المعبد الرئيسي الخاص في عصر الدولة الوسطى.
ويضيف عبدالعال: تم العثور على العديد من الآثار للمدينة القديمة، ومن بينها تمثال للملك إمنمحات الثالث من الجرانيت الأسود، والعديد من العملات البرونزية، والبرديات، والتماثيل والأواني الفخارية، ونقلت وزارة الآثار العديد منها إلى منطقة كوم أوشيم، ومن تلك القطع التماثيل الخاصة بمعبد الملك رمسيس الثاني الذي شيد بأرسينوى، وعرضها فيما يشبه المتحف المفتوح وذلك خلف متحف كوم أوشيم الحالي، أما ما تبقى من هذه الآثار كان بقايا لحمامات رومانية وأجزاء لبقايا معبد روماني، وتم إحاطتها بسياج من الحديد.
بعثة مشتركة للتنقيب
في عام 2000 ولمدة ثلاثة شهور، قامت بعثة مشتركة من كليتي الآثار بجامعتي الفيوم والقاهرة بالتعاون مع منطقة آثار الفيوم، بالتنقيب بمنطقة كيمان فارس، ومن خلال التنقيب تم العثور على بقايا من المواسير الفخارية، وأجزاء من تماثيل “التراكوتا” وهي التماثيل التي كانت تصنع من الطين، حيث كانت هذه التماثيل الطينية تمثل مستوى اجتماعيا مختلفا عن ذلك الذى تمثله تماثيل الرخام و البرونز، كما عثر أيضا على بعض الأواني الفخارية، وعملات من البرونز.
أرسينوي عاصمة المقاطعة 21 قديما
في سياق متصل يقول الدكتور عاطف عبدالدايم، الأستاذ بكلية الآثار جامعة الفيوم ومؤلف كتاب “العمران والعمارة بمدينة الفيوم من القرن التاسع عشر إلى الربع الأول من القرن العشرين الميلادي“، دراسة جديدة في ضوء وثائق الوقف، إن منطقة كيمان فارس الحالية كانت هي الموقع الأصلي لمدينة الفيوم عاصمة الإقليم الحادي والعشرين، والتي كانت من أقسام مصر العليا قديما وكرست لعبادة المعبود والإله سوبك التمساح، وكان يطلق عليها أرسينوي أو كركوديلوبوليس، وتمتد من الجنوب إلى الشمال، وشملت العديد من المرتفعات التي تكونت من أنقاض الأحجار الجيرية والطوب والفخار التي ظهرت مبعثرة لمسافة بلغت حوالى 3 كم نحو الشمال، و2 كم من الشرق إلى الغرب.
وبحسب ما كشفت عنه أوراق البردي بمنطقة كيمان فارس الحالية، فإن مدينة أرسينوي القديمة كان بها في العصر اليوناني مجموعة من الشوارع أشهرها شارع أوليمب، وضاحية تنتلوس، وشارع برمبلى، وشارع ثيربيا، وشارع أمناء الخزانة، وشارع برسيا، وشارع مسرح الأوليمب، وقد كانت محاطة بالحدائق والبساتين الخاصة بالفاكهة، كما كان بها ملعب للرياضة ومضمار للسباق.
والمثير للدهشة أن لا أحد يعرف عن بيت رستم باشا الذي كان ناظرا لجفالك محمد علي في الفيوم أي شيء، وهو الرجل الذي قام في عام 1846م باستخراج ونقل مجموعة من الأعمدة الرخامية من منطقة كيمان فارس وجعلها بمنزله الذي لا يعرف مكانا له سوى أحد كتب على باشا مبارك، الذي اهتم في مرحلة من حياته بالعمران في مصر، قبل أن يشغله التعليم في مصر ويكون مسؤولا عنه في فترة ما.
ويذكر علي باشا مبارك، أن مدينة الفيوم الحالية تقع جنوب المدينة القديمة التي كانت آثارها عبارة عن تلال عالية متسعة وتبلغ مساحتها نحو ألف فدان، ويعرفها الأهالي بكيمان فارس نسبة لتلك التلال، وبحسب ما ذكره مبارك فإن هناك مزاعم عند بعض الأهالي أن المسلمين العرب قد أحرقوا ودمروا تلك المدينة القديمة عندما دخلوا مصر، وأن أغلب آثار المدينة مستخرجة من تلالها.
ظلت “أرسينوى” هكذا أكواما من الحجارة وأطلال تحكي تاريخ تم تدميره، حتي بداية مطلع القرن العشرين الميلادي، إذ تحولت أجزاء كبيرة من هذه المدينة إلى منطقة زراعية، وقسمت إلى أحواض زراعية فأصبح هناك حوضا زراعيا يضم عدد من الأفدنة وسمي بحوض كيمان فارس الغربي، وكما سمي حوض أخر باسم حوض كيمان فارس القبلي، ثم في عام 1979 تم إنشاء كلية التربية التي كانت حينذاك فرعا لجامعة القاهرة، وتبعتها كلية الزراعة، وبالطبع تم البناء على بقايا المدينة القديمة.
وبعد أن أصبحت جامعة الفيوم، تم التوسع في بناء أبنية للعديد من الكليات، والآن يشغل الحرم الجامعي مساحة 100 فدان، ونشطت حركة العمران في هذه المنطقة وتم تشييد العديد من المباني السكنية، وهو ما جاء على حساب هذا الموقع التاريخي الهام وتاريخ تلك المدينة القديمة.
ويري العديد من أهالي الفيوم الآن هذا الجزء المتبقي من أرسينوي الجميلة وهو عبارة عن بقايا حائط من الأحجار الجيرية خلف سياج حديدي، وقد أخفت الحشائش ما تبقى من بقايا جدران كانت شاهدة على حضارة عريقة.