سيرة الرجل النبيل الذي دمر أحلام نابليون في صعيد مصر
لم يتخيل نابليون بونابرت، عند وصوله إلى صعيد مصر مدي المقاومة التي يمكن أن يلقاها، كان الجحيم فى انتظاره بعد أن استقرت له الأمور فى القاهرة، ولكن كان لأهل الصعيد رأى آخر، حينها شعر بونابرت بأنه يسير في بحر من الرمال المتحركة، لا يهدأ له بال ولا يستقر لحملته قرار على أرض الصعيد، وكان قائد المقاومة الشيخ الجيلاني القائد المجهول الذى لم تذكره كتابات المؤرخين إلا قليلا.
الشيخ الجيلاني
تتبع الباحث طه حسين الجوهري، في كتابه الذي صدر مؤخرا عن المؤسسة العربية للعلوم والثقافة حكاية الجيلاني، وتفاصيل الدور الذى لعبه في المقاومة ضد الحملة الفرنسية.
بدأت المقاومة قبل أن يصل بونابرت إلى الصعيد، من بلاد الحجاز، كان حلم بونابرت أن يسيطر على صعيد، ثم ينتقل الى بلاد الحجاز للسيطرة عليها، حيث قام الجيلاني يجمع الأموال والتبرعات والأسلحة والملابس من كل المجاورين ليستطيع الإنفاق على ما سمي جيش الحجاز، قدم له محمد بإصلاح الحضرمي خمسمائة بندقية صغار مغربية ومائتي حربة من حراب الشام، 400 كيس حبوب الأرز وألفي نعل ينتعلها فقراء المجاهدين، كما جهز الشيخ عبد الرحمن العسيري 3 مراكب لنقل البضائع والركاب.
قصة حياته
ينقسم كتاب طه حسين الجوهري إلى جزأين، الأول، تسليط الضوء على الشخصية المحورية للبحث والتي لعبت دورا كبيرا في الحملة الفرنسية وصفاته ونسبه وألقابه ودوره وخططه في المقاومة.
والجزء الثاني، دورة الحروب العسكرية وأهم المدن والقرى التي لعبت دورا كبيرا في مقاومته والمعارك الفاصلة التي جرت على يديه وكانت لها الأثر البالغ في تغير مجريات هذه الحملة.
الشيخ محمد أو أحمد الجيلاني أو الكيلالي كما أكدت المصادر المغربية، أما في مصر، فكان يطلق عليه الشيخ محمد الجيلاني أو محمد الكيلاني.
وحسب المصادر المغربية، فهو السيد محمد ابن أحمد ابن السيد المختار السباعي المعروف بالجيلالي، وكتبت ترجمته في أغلب الكتب التي تناولت سيرته تحت اسم الجيلالي بن أحمد السباعي، والذي يرجع نسبه لسيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
وولد الشيخ محمد الجيلالي في ضواحي مدينة مراكش المغرب، وتوفي في قرية حجازة بمدينة قوص في قنا حيث يقع مقامه بجوار مقام صديقة الشيخ المجاهد القاضي علي عبيد قاضي الصعيد وكبير آل الشيخ بقرية حجازة قبلي في مدينة قوص.
الرجل النبيل
يوضح طه الجوهري في كتابه، أن الشيخ الجيلاني الذي يلقب بالرجل النبيل استطاع أن ينظم جيش المتطوعين الحجازيين فول ابن أخته الشريف حسن وأخيه الشريف طاهر قيادة الفوج الأول من الحجازيين، وتولي هو بنفسه قيادة الفوج الثاني، وقسم المتطوعين لمجموعات تشبه كتائب الجيش وولى على كل مجموعة قيادة خاصة بها.
مكانة الجيلاني والتفاف الناس حوله، جعل المماليك ينضمون إليه في أغلب المعارك بل وتركوا لقواده أمر القيادة العامة في بعض المعارك، وهذا تؤكده روايات أبناء القرى الذين استمع إليهم الباحث طه الجوهري في رحلته عن الشيخ الجيلاتي.
في مذكرات القائد المنهزم بونابرت يقول: إن الجيش الفرنسي قد استولى على الإسكندرية والقاهرة وانتصر في معركة شبراريس وإمبابة، ولكن موقف الفرنسيين لم يكن مُسْتَقِرًّا، بل ظل مزعزعا ولم يحتمل المصريون وجود الفرنسيين في بلادهم إلا كرها وهم – بوصفهم مؤمنين مسلمين لا يخفون حسرتهم واستياءهم من انتصار غير المؤمنين، وكانوا يعتبرون أنه من العار والخزي أن تسقط مصر في أيدي الفرنسيين، إن الجيش الفرنسي على الرغم من انتصاراته- كانت تحيط به الأخطار لأنه كان يصعب عليه أن يصمد في حرب دينية.
لعل ما ذكره الجوهري عن قدرة الشيخ الجيلاني في محاربة الفرنسيين يتبين في إدارة الحرب عن طريق أشبه بحرب العصابات الحديثة، وهو أسلوب أرهق الفرنسيين وأقلق مضاجعهم، فنتج عن ذلك أن الفرنسيين لم يستطيعوا تأسيس سلطة حقيقية لهم في الصعيد على امتداد الفترة التي قضتها الحملة في مصر.
يسرد الجوهري أسباب اختيار الشيخ الجيلاني للصعيد ليكون مسرحًا لعمليات المقاومة، فيقول إنه ينم عن ذكائه العسكري الفطري وذلك لأن الفرق بين الصعيد والوجه البحري كبير، وكان الشيخ يدرك أنه يسهل إمداد القوات الفرنسية المحاربة في الوجه البحري بالإمدادات من القاهرة لسهولة التنقل فيها وقرب المسافات بين المدن، أما الصعيد فلم يكن الإمداد سهلا وطول المسافات كان في صالح المدافعين ومنهكا لقوى المهاجمين.
معركة سمهود
معركة سمهود هي أول المواجهات بين نابليون وقوات الجيلاني، وتعتبر هذه المعركة الفاصلة الثانية بعد سدمنت في 22 يناير عام 1799.
وقدر بونابرت جيش المصريين في مذكراته بسبعة آلاف من المشاة وألفين من عرب الحجاز بقيادة الشريف حسن.
والمعركة الثانية والفاصلة التي قادها الشيخ الجيلاني هي معركة القصير، حيث أقلع القائد كولوا بأسطوله من السويس في 2 فبراير عام 1799م، ووصل الأسطول الفرنسي أمام القصير في 7 فبراير عام 1799م، ولحظه السيئ وصل الأسطول ميناء القصير في نفس اللحظة التي كانت ترسو بها سفن الفوج الثاني من المتطوعين من أهل الحجاز بقيادة الجيلاني.
أصيب الشيخ النبيل في أشرس معركة جمعت المقاومة في الصعيد بالفرنسيين في موقعة البارود، ويعتبر نهر النيل شاهدا على المعركة الخالدة مع الفرنسيين التي كانت من أشرس وأصعب المعارك التي خاضتها الحملة الفرنسية خلال فترة وجودها في مصر.
وكان الأسطول الفرنسي الذي يتكون من 12 سفينة، عائد من جنوب مصر وأثناء مروره بمنطقة قفط، هاجم المصريين بما لديهم من أسلحة تقليدية، قوات الحملة الفرنسية وتمكنوا من قتل أكثر من 500 جندي فرنسي وتحطيم الأسطول الفرنسي وعلي رأسهم سفينة القيادة إيطاليا المخصصة لنابليون.
وقد وصف الفرنسيون معركة البارود بأنها أشد المعارك صعوبة وشراسة لأنها تسببت في إضعاف وهبوط الروح المعنوية للفرنسيين، في حين ذكرت بعض المراجع الفرنسية أن الجنود المشاركين في هذه المعركة كانوا من المرضى للتهوين من قوة المعركة و بسالة المصريين من أبناء قنا في الدفاع عن أرضهم.
وقد أصيب الشيخ الجيلاني فى إحدى هذه المعارك إصابة بالغة، وقضى 3 أيام في ضيافة الشيخ علي عبيد صديقه بقرية حجازة بقوص جنوب المحافظة ليرحل فى االيوم الرابع متأثرًا بإصابته الخطيرة، قام أهالي حجازة بإقامة مدفن للشيخ بمندرة حجازة الموحدة التي تسمى الآن بمندرة “آل الشيخ” ليستقر جثمانه في المندرة الخاصة بهم ودفن الشيخ علي عبيد بجواره بعد وفاته.
يعتمد كتاب الرجل النبيل أخر المصادر التي تناولت شخصية الشيخ الجيلاني، على وثائق رسمية أو إلى كتابات مؤرخي الحملة الذين عايشوها أو عاصروها وشاهدوها بأم أعينهم، وكذلك السير الشعبية، إضافة إلى بعض قصص الحوادث التي مازالت في ذاكرة بعض أحفاد الذين شاركوا فيها وكتابة القصص التي وصلت متواترة من أكثر من راو للأحداث ومن قرى مختلفة.
تعليق واحد