«سيرة الإسكندرية»: مبادرة تطوعية للتعرف على تراث المدينة

«سيرة الإسكندرية» هي مبادرة تطوعية انطلقت في بداية العام الجاري، تهدف إلى التعريف بتراث وتاريخ المدينة. وتأتي هذه المبادرة استكمالا لفكرة «الجولة» التي أطلقها الشاب السكندري «مينا ذكي» قبل سبع سنوات، حيث بدأها بمجهود فردي بعد تخرجه من جامعة الإسكندرية، تخصص الآثار اليونانية والرومانية.

بداية مبادرة «الجولة»

يقول مينا ذكي لـ«باب مصر»: “الجولة كانت مبادرة فردية تطوعية بدأت في عام 2017. عندما استضاف أحد أصدقائي ضيوفا إيطاليين من كبار السن، كانوا يتمنون زيارة مصر منذ سنوات عديدة. استعان بي صديقي لسؤالي عن الأماكن التي يمكن زيارتها بالإسكندرية. وذهبنا في جولة بعد تحديد عدد من الأماكن الأثرية المميزة في المدينة. وتعرفت على الضيوف، وفوجئت بأنهم كانوا يتمنون زيارة الإسكندرية منذ 50 عاما. حيث كان من المقرر أن تكون وجهة إجازة بالنسبة لهم، ولكنها تأجلت كثيرا”.

وتابع: بانتهاء الزيارة كانوا سعداء جدا بالجولة. ولسعادتي أيضا كتبت منشورا على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بما حدث مع الضيوف الإيطاليين والأماكن الأثرية التي قمنا بزيارتها. ولكن ما أثار تعجبي هو التعليقات على هذا المنشور. حيث تفاجأت بعدد من التعليقات التي لا تعلم هذه الأماكن الأثرية في الإسكندرية. وكان من المعلقين مصريون وسكندريون أيضا! فاقترحت عليهم أن نحدد يوما للقيام بجولة لزيارة بعض الأماكن الأثرية في الإسكندرية والتعرف عليها. وبالفعل، قمنا بهذه الجولة، وتعجب الكثيرون من وجود آثار في الإسكندرية. ولكنهم سعدوا بالجولة في النهاية.

تعريف الناس بالجولات

واستطرد حديثه: “فكرت في الاستمرار في هذه الجولات لتعريف الناس بالأماكن الأثرية والمميزة في مدينة الإسكندرية. وأنشأت صفحة على “فيسبوك” باسم “الجولة” وحددت يوم الجمعة من كل أسبوع لزيارة بعض الأماكن المحددة مسبقا. في الجولة الأولى حضر حوالي 15 فردا، والثانية حوالي 12 فردا، أما الجولة الثالثة فلم يحضر أحد. ورغم حزني الشديد من ذلك، لم استسلم وقررت الاستمرار. وفوجئت في الجولة الرابعة بحضور وفد من 76 شخصا من 11 جنسية مختلفة، كانوا موجودين بالإسكندرية في برنامج تبادل طلابي وسعدوا جدا بالجولة”.

وأضاف: “في الجولة التي تلتها، حضر 40 فردا من الصم والبكم من أحد البرامج في مكتبة الإسكندرية. وكانت هذه الجولة فارقة في تاريخ المبادرة، حيث شعرت بأهمية هذه الجولات وسعادة الكثيرين من مختلف الفئات بها. واستمرت المبادرة لمدة 7 سنوات، قمنا خلالها بـ325 زيارة استقبلنا خلالها 40 ألف ضيف من 30 دولة حول العالم ومن 15 محافظة مصرية. كما قمنا بجولات في 17 محافظة أخرى منها مرسى مطروح، البحيرة، كفر الشيخ، بورسعيد، الإسماعيلية، السويس، طنطا، الشرقية، وواحة سيوة”.

من الجولات الخاصة بالأطفال
من الجولات الخاصة بالأطفال
«سيرة الإسكندرية»

واستطرد “مينا” قائلا: “نظمنا أيضا جولات خاصة بالأطفال، وقدمنا لهم شرحا للتاريخ لهم بشكل بسيط، كما وفرنا وسائل إيضاح  مثل الملابس الفرعونية وتاج الملوك وغيرها”. ولكن مع استمرار الجولات لمدة سبع سنوات وتكرار نفس الأماكن عشرات المرات، ووجودي كمتطوع ومسؤول وحيد في المبادرة. بدأ شعور التعب والملل ينتابني. وأعلنت على صفحة المبادرة في بداية عام 2025 عن توقفها. وبالطبع، كان قرارا صادما وأحزن الكثيرين من الأفراد والمؤسسات الأثرية أيضا.

ثم جاءت فكرة التحول إلى “سيرة الإسكندرية” في بداية هذا العام، وكان من المقرر أن تكون توثيقا مرئيا ومعلوماتيا فقط عن الأماكن الأثرية. ولكن تواصل معي عدد من الأصدقاء من رواد “الجولة” ومتخصصين في التراث والآثار، وعرضوا فكرة استمرار الجولات والمشاركة بالشرح معي. وبالفعل تم التنسيق لعودة الجولات. بالإضافة إلى التواصل مع أصدقائي القائمين على مبادرتي “سيرة القاهرة” و”القاهرة عنواني”، المهتمين بتراث العاصمة. واتفقنا على تبادل الزيارات فيما بعد.

وتختلف “سيرة الإسكندرية” عن “الجولة” في عدة نقاط؛ أولها أن الزيارة الميدانية لا تقتصر على يوم الجمعة من كل أسبوع فقط، وأيضا وجود متخصصين آخرين يشرحون للجمهور (بعدما كنت قائما على الجولات بمفردي لمدة سبع سنوات). وأماكن الزيارات أصبحت غير مقتصرة على الأماكن الأثرية فقط، بل شملت الأماكن التراثية والقديمة والمميزة في الإسكندرية.

 من إنجازات المبادرة 

وأوضح “مينا” أنه فخور جدا بالمبادرة وبما حققته على مدار الفترة الماضية، ذاكرًا عدة مواقف لا يمكن نسيانها ويعتبرها من إنجازات المبادرة على أرض الواقع. منها، أن دير “سيدة النياح” بمنطقة المنشية بالإسكندرية، الذي يتجاوز عمره أكثر من 150عاما، كان يضم 6 رهبان رجال تجاوزت أعمارهم الـ70 عاما. توفي بعضهم وهاجر الآخرون إلى روما، وتم غلق المكان لمدة 31 عاما. فقامت المبادرة بالتواصل مع السفارة الإيطالية التي تواصلت بدورها مع رئاسة الطائفة. وأرسلوا لنا مفاتيح الدير مع السفارة الإيطالية. وبالفعل فتحنا الكنيسة وقمنا بعدة زيارات لها.

كما تبرعت باسم المبادرة (من مالي الشخصي) لعدد من الجهات الأثرية، حرصا مني على ظهور هذه الأماكن بشكل لائق خلال الزيارات المتكررة. منها: ترميم اللافتة الخارجية واللوحات الإرشادية للمدرج الروماني، وتقديم تبرعات للآثار الغارقة لطباعة عدة لوحات، ولعمود السواري لإقامة ممر خشبي لتمر عليه الزوار وصولا للعمود، وكذلك لكوم الشقافة لطباعة 12 لافتة للرسومات التي كانت على المقابر وطمست بفعل العوامل الجوية، وغيرها.

من جولات شوارع الإسكندرية القديمة
من جولات شوارع الإسكندرية القديمة
أول وفد سياحي

وأضاف مينا أن المبادرة تعاونت في فعاليات كثيرة مع الإدارة العامة للسياحة والمصايف، منها استقبال أول وفد سياحي يوناني في ميناء الإسكندرية بعد انقطاع لمدة 12 عاما. واصطحبناهم في برنامج زيارة بعنوان “إسكندرية اليونانية”. حدث موقف إنساني مؤثر جدا عندما طلبت سيدة يونانية البحث عن قبر والدتها التي كانت لا تعلم مكانه. وبالفعل ساعدناها بالبحث في السجلات بالمقابر اليونانية، ووجدت قبر والدتها بعد أن فقدت الأمل في ذلك.

وموقف أخر حدث في عام 2020 عندما جاء مواطن يُدعى “كيڤين” من چامايكا، يبحث عن قبر جندي من بلدتهم (صديق جده) توفي في الحرب العالمية الأولى عام 1916. وبعد بحث دام ثلاثة أيام متواصلة، وجدنا شاهد القبر في مقابر الحرب العالمية الثانية في “المنارة”. وكانت لحظة إنسانية مؤثرة بشدة.

وفي النهاية، تمنى “مينا ذكي” النجاح لمبادرة «سيرة الإسكندرية» واستفادة عدد أكبر من الجمهور من استكشاف الأماكن التراثية والأثرية في الإسكندرية.

اقرأ أيضا:

«مينيكه شيبر» في مكتبة الإسكندرية: التاريخ المنسي للنساء «الأرامل»

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.