د.صالح لمعي: يجب تفعيل الاتفاقيات على قادة إسرائيل لأنهم انتهكوا كافة القوانين الدولية| حوار
يمتلك الدكتور صالح لمعي، أستاذ العمارة الإسلامية والترميم وعضو هيئة الإيكوموس باليونسكو، رؤية شاملة حول الأحداث والتطورات التي تجري في فلسطين والمدينة القديمة في القدس على وجه الخصوص، حيث إنه بحكم منصبه تولى الإشراف على العديد من المشروعات في بعض المناطق التي تضررت جراء الحروب والنزاعات مثل لبنان وكوسوفو. اختار لمعي العمل في هذه الأماكن خلال الفترات الحساسة التي شهدتها. إذ كان يتطلع إلى إعادة إحياء تراثها الوطني، وإنقاذه من الاندثار.. «باب مصر» أجري معه الحوار التالي للحديث حول وضع فلسطين والقدس.
كيف تابعت ما يجري في فلسطين من تدمير لتراثها من الجانب الإسرائيلي؟
إسرائيل دائما ما تفرض نفسها على فلسطين، إذ اخترعوا لأنفسهم تاريخ وهمي داخلها. على سبيل المثال قاموا لسنوات طويلة بشراء منازل قديمة في مدينة القدس. حتى أن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق «شارون» قد اشترى له منزلًا داخل المدينة. فالمار بالقدس القديمة سيلاحظ أن علم إسرائيل مرفوعًا على أسطح العديد من المنازل القديمة وهذا الأمر كان نتيجة محاولات مستمرة ومنظمة على مدار سنوات طويلة من جانب الجماعات اليهودية بهدف شراء هذه المنازل من بعض الأهالي. ثم وضع علم إسرائيل عليها، في محاولة لإضفاء الطابع اليهودي على المنازل.
وقد كنت شاهدًا بنفسي على واقعة استيلاء هذه الجماعات اليهودية على أحد المنازل هناك. إذ طالبوا بطرد صاحبة البيت وكانت امرأة فلسطينية. كانوا قد دخلوا عليها من سطح منزلها واستولوا عليه بالفعل. وعندما جاءت الشرطة الإسرائيلية للموقع تحدث اليهود أنهم قد اشتروا حصة من جانب ورثة المنزل الذين هاجروا للعيش في أمريكا. وبالتالي عندما دخلوا على السيدة بهذه الطريقة خرجت للشارع هرعًا واضطرت للمغادرة، وجرى الاستيلاء على بيتها. وقد أبلغت الشرطة الإسرائيلية طرفي النزاع بأن الحل هو الاحتكام للقضاء. لذلك ما أريد أن أؤكد عليه أن إسرائيل هي دولة احتلال تتعامل تمامًا مع القدس كما تعامل الإنجليز مع مدينة القاهرة وقت احتلالها.
زرت القدس عدة مرات ضمن تكليفات رسمية.. حدثنا عن هذه التكليفات؟
زرت القدس لأول مرة في أوائل تسعينيات القرن الماضي ضمن وفد مصري رسمي بطلب من الرئيس عرفات بشأن المسجد الأقصى، وتحديدًا بسبب تدهور وضع قبة الصخرة. وقد استجاب وقتها الرئيس الراحل حسني مبارك للطلب. فقد عاني الموقع- المسجد الأقصى- لسنوات من الإهمال خصوصًا بعد حرب 67، أي عندما سيطرت إسرائيل على القدس. لذلك عندما تهيأت الفرصة ذهبنا إلى هناك وعاينا وضع القبة. وقد عهد بعد ذلك للمشروع لشركة أيرلندية وعالجت الأمور.
وبعد ذلك ذهبت للقدس كاستشاري مع اليونسكو من خلال لجنة رباعية دولية وكنت العضو المسلم المتابع لما يجري من ترميمات داخل موقع قبة الصخرة. وقد قمنا بكتابة تقرير حول كنيسة القيامة، وترددت بحكم عملي على مدينة القدس كثيرًا أثناء تلك الفترة. فهذه اللجنة عهد إليها أيضًا وضع المخطط العام لتطور مدينة القدس القديمة. ووضعنا بالفعل هذا المخطط وكذلك أساليب حفظه وصيانته، وجرى بعدها اعتماده من جانب منظمة اليونسكو، إلى أن تم حل اللجنة في نهاية المطاف.
تتحدث أنك كنت العضو «المسلم» داخل هذه اللجنة.. إذن كيف تتم عملية اختيار هذه اللجان؟
يجب أن تعرف أن إسرائيل هي دولة احتلال بالمعنى الحرفي الذي تحمله الكلمة. وكونها دولة احتلال يتم إشراكها على نطاق المناقشات الدولية بخصوص وضع مدينة القدس. وبالتالي تشترك في اللجان الدولية. إذ كانت لجنتنا تضم في عضويتها فرد إسرائيلي وهو ضمن اللجنة الرباعية، فهم لهم السلطة الكاملة في هذه الأمور.
وأثناء تلك الفترة تم تكليفنا أيضًا للعمل على حائط المسجد “المرواني” بسبب وجود مشكلة في الحائط الشرقي وتعرضه لميل وكذلك شقوق. وقد قمنا حينها بعمليات الرفع والتوثيق. ورفعنا التقرير بالتالي للحكومة الإسرائيلية لأنها -كما ذكرت المتحكمة في كافة الأمور داخل مدينة القدس. أتذكر كنا نتعرض لعمليات تفتيش كاملة من جانبهم، قبل دخول الموقع وبعد الخروج منه.
هل وجدتم شيء يخص إسرائيل خلال أعمال التوثيق؟
لا، لم نجد شيئًا.. فقد قاموا بعمل حفريات داخل المواقع الأثرية في القدس. فعندما أزالوا حي المغاربة الملاصق لحائط البراق، نفذوا حفريات بالموقع، أملًا منهم في إيجاد آثار يهودية. لكنهم وجدوا آثار تعود للمدينة القديمة خلال العصر الروماني.
إسرائيل لها محاولات كثيرة في حفر أنفاق أسفل الأقصى.. ما الذي يقوله القانون الدولي في هذه الحالة؟
إسرائيل قامت بعمل فتحات عميقة داخل قبة الصخرة، فبعد انتهاء الحملة الصليبية أغلق صلاح الدين هذه الفتحات. لذلك قامت إسرائيل بفتحها مرة أخرى بحثًا عن أية آثار قد تخصهم داخل الصخرة لكنهم لم يجدوا شيئًا في نهاية الأمر. وبخصوص بحثهم عن هيكل سليمان، فهذا الهيكل لا يوجد له أي أثر لأن المعروف تاريخيًا أنه قد أزيل مرتين بشكل كامل. كما أن المعبد تم بناؤه من الخشب، وتمت إزالته بشكل كامل في عصر الرومان إذ لم يتبق له أي أثر منذ تلك الواقعة.
أما بالنسبة لموقف القانون الدولي، فنحن هنا يجب أن نعرف طبيعة الأمر فهذه السلطة المحتلة اعتبرت أن القدس ملكًا لهم منذ عام 1967؛ وبالتالي لا يوجد جهة في العالم يمكنها أن تقف أمام ما يحدث فهذه دولة احتلال. ونحن حين نتعامل معهم نتعامل كونهم سلطة محتلة وطبقًا لقوانين الأمم المتحدة، فإن دولة الاحتلال لابد أن تحافظ على الأوضاع الراهنة؛ لكنهم يقوموا من وقت لآخر بالعبث بهذه المواقع بحثًا عن أي شيء قد يخصهم داخلها. وبالفعل حاولوا قديمًا تقسيم حرم المسجد المرواني بين اليهود والمسلمين لكنهم لم ينجحوا في الأمر. لكننا للأسف الشديد لا نعرف ماذا سيجري في المستقبل، أو ما هي خططهم المستقبلية حول وضع المدينة.
مؤخرًا تعدى الاحتلال الإسرائيلي على حرمة المسجد الأقصى بتواجد المستوطنين داخله.. ما الذي أعطاهم هذا الحق؟
هناك خطأ وقع فيه الكل، لابد من إدراك طبيعة الأقصى، فالأقصى ليس فقط مسجد قبة الصخرة الذي يتم تداول صورته بصورة مستمرة. لكن الأقصى هو المسطح الكامل داخل السور الواقع في هذا الحرم، فأي فراغ عام بداخله هو جزء من المسجد الأقصى؛ أي بداية من بوابات الدخول. فإسرائيل استغلت هذا الأمر وحاولت مرارًا وتكرارًا تمرير المسألة باعتبار أنه يمكن أن يتشارك المسلمون واليهود هذه الفراغات، وهذه اللعبة تم كشفها، لكنهم يحاولون من حين لآخر وضع أيديهم على هذه الفراغات، وبالتالي تقسيم الأقصى، وهذه المسألة لن نقبلها أبدًا.
ما الذي تقوله اتفاقيات «لاهاي» حول حماية الممتلكات الثقافية وقت النزاع المسلح؟
اتفاقيات لاهاي -معاهدتان دوليتان نوقشتا لأول مرة خلال مؤتمرين منفصلين للسلام عقدا في لاهاي بهولندا، مؤتمر لاهاي الأول عام 1899 ومؤتمر لاهاي الثاني عام 1907، وتعتبر هاتان الاتفاقيتان علاوة على اتفاقية جنيف من أول النصوص الرسمية المنظمة لقوانين الحرب وجرائم الحرب في القانون الدولي- وهناك ميثاق واشنطن المؤرخ بتاريخ 15 إبريل 1935.
حيث يوجد في هذه الاتفاقيات حوالي 40 مادة لحفظ المواقع التراثية وقت الحرب، وللأسف الدول لا تحترم أبدًا هذه المواد التي من المفترض أنها ملزمة. فالمادة (28) على سبيل المثال تقول: “تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة أن تتخذ في إطار تشريعاتها الجنائية كافة الإجراءات التي تكفل محاكمة الأشخاص الذين يخالفون أحكام هذه الاتفاقية أو الذين يأمرون بما يخالفها بتوقيع جزاءات جنائية أو تأديبية مهما كانت جنسيتهم”. إذًا فالمطلوب هو تفعيل هذه الاتفاقيات على قادة إسرائيل لأنهم انتهكوا كافة القوانين الدولية.
اقرأ أيضا:
حوار| محمد الكحلاوي: على العرب الاهتمام بتمويل البحوث التاريخية حول فلسطين
د.بهجت قبيسي: فلسطين أرض عربية ولا مكان بداخلها لليهود المتصهينين|حوار
د.عاصم الدسوقي: الغرب خضعوا للعاطفة اليهودية.. وعلى العرب استخدام القوة| حوار