حوار| زوجة جمال قطب رسام الأدباء: أقمنا في منزلنا متحفا لأعماله
اعتبر النقاد ريشته أدق من عدسة الكاميرا، واختياره للألوان أكثر جمالا من تصميمات «الجرافيك» المعروفة اليوم، عرف بـ«رسام كتب الأدباء» وصاحب «الريشة المحفوظية»، فضلا عن مكانته كأحد أعلام الفن التشكيلي في مصر والوطن العربي، إنه الفنان التشكيلي الراحل د.جمال قطب، الذي لم يعجز خياله لحظة عن ترجمة وتجسيد أفكار العديد من الأدباء فى أعمالهم الروائية والقصصية في لوحات، حتى صارت أيقونة.
لأول مرة تغادر زوجته د.رجوات حيدر صمتها بعد رحيله، وتفتح قلبها وصندوق ذكرياتها مع الراحل تكشف لـ«باب مصر» الكثير من أسراره الفنية، ومنها لحظات ولادة عمل فني جديد يحمل اسمه، على حد وصفها «كان يدخل مكتبه ويغلق الأبواب وكأنه يسافر إلى عالم آخر، يبصر فيه وجوهًا لم يرها أحد في البشرية، يجعل الخيال حقيقة، مكتبه كان أشبه بالمعسكر الحربي، لا يجتاز أبوابه إلا بعد إتمام المهمة المطلوبة بنجاح».
كيف كانت البداية.. كيف تعرفتما؟
تزوجنا عام 1958، كان حينها في السنة الأخيرة من دراسته في كلية الفنون الجميلة، وعُقد القران قبل فترة من حفل الزفاف، وقررت أسرتي السفر إلى رأس البر لقضاء عطلة صيفية، وجاء جمال معنا وكان حينها يعمل على مشروع تخرجه وهو «الصيادين»، جاء هو والعارض وساعدناه أنا وإخوتي، ونجح في هذا المشروع بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.
«وراء كل عظيم امرأة» أم «الزواج يقتل شغف الفنان» أي المقولتين تحققت؟
لا تمتلك أي امرأة القدرة على تحمل مزاج الفنان، لأنه لا يتوقف عن التفكير بالعمل طوال الوقت، وجملة «وراء كل عظيم امرأة» هي التي تحققت، حيث تم تكريمي بسببها بالفعل خلال رحلتي مع د.جمال قطب، في عام 2007، إلى اليابان لإقامة معرض رسومات نجيب محفوظ في ذكرى ميلاده، والسفير الثقافي استضافنا وعقد اجتماع، تم تقديمي فيه بهذه المقولة، وتم تكريمي معه في اليابان، وهذه اللوحات جابت أكثر من دولة وتم عرضها في فرنسا أيضا.
حدثينا عن بداية موهبة د.قطب الفنية؟
ولد جمال في 30 أكتوبر عام 1931، بمدينة طنطا في محافظة الغربية، وحين مات والده وهو في الخامسة من عمره تولى شقيقه الأكبر مسؤوليته هو وإخوتهم، وظهر حب جمال للفن في طفولته، والتحق بالمدرسة الابتدائية القديمة في طنطا تحت رعاية شقيقه الأكبر، ونجح في السنة الأخيرة بترتيب الأول على المنطقة.
وفي المرحلة الثانوية اكتشف ناظر المدرسة موهبته، ودعم، ونقله إلى مدرسة داخلية وأقام له أتيليه بالمدرسة لبيع لوحاته، ثم التحق بكلية الهندسة، ونجح في الفرقة الأولى بالكلية بتقدير امتياز، ولكن حبه للفن دفعه إلى تحويل دراسته إلى كلية فنون جميلة بعد افتتاحها، واستمر بالكلية متخصصا في الحفر، وتعلم على يد أستاذه الحسين فوزي. وأثناء دراسته كان يعمل رساما بالقطعة في أكثر من جهة، منها مجلة الكواكب، مجلة حواء، مجلة المصور. وبعد قيام الثورة تم اختياره لتصميم أغلفة مجلة الثورة، وصمم غلاف كتاب للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ورسم الكثير من الأعمال للتعبير عن الحرب واللوحات الحركية، ومن أشهرها لوحات مجلد «انتصار بورسعيد» في الستينيات.
لماذا لم يتجه إلى تصميم «أفيشات الأفلام»؟
بالفعل صمم عمل واحد وهو أفيش فيلم الناصر صلاح الدين الأيوبي عام 1963، حتى أولى اهتماما أكبر للبورتريه، وتصميم أغلفة الكتب والرسومات الداخلية للكتب.
نقل فنه إلى الخارج.. حدثينا عن تجربة د.جمال في العمل بالدول العربية؟
بداية عمله بالخارج ترجع إلى تعاونه مع مجلات لبنانية وعمله مع «دار القلم» و«دار العلم للملايين»، ثم سافر إلى المملكة العربية السعودية بعقد انتداب، وهناك استعان متحف دارة الملك عبدالعزيز برسومات د.قطب، حيث رسم عدة لوحات حياتية للملك عبد العزيز خلال الصيد والحروب، وتم عرضها في بانوراما متحركة، وظل بالمملكة العربية السعودية عدة سنوات تخللها زيارات شهرية إلى مصر.
بعدها سافر إلى قطر عام 1979، حيث انتدب للتدريس هناك بإحدى الجامعات، وتعلم على يده الكثير من الفنانين القطريين المعروفين حاليا نظرا لتدريسه مادة «التذوق الفني» بإحدى الجامعات، وفكر في تنمية حس الإبداع لديهم بتدشين «المرسم الحر» بالإعلان عن فرصة الانضمام للطلبة الموهوبين، حتى عاد إلى مصر مجددا عام 1986.
هل اعتبر د.قطب لوحته للملكة إليزابيث أعظم أعماله؟
لا أعتقد، فكل أعماله كانت في مكانة واحدة، وترجع قصة رسمه لهذه اللوحة إلى إقامته بقطر، وكانت الملكة إليزابيث قد أعلنت عن زيارة إلى الدوحة في عام 1979، وطلب منه الخليفة رسم لوحة مميزة تُهدى للملكة وتحتفظ بها، وبالفعل رسمها د.قطب ممزوجة برموز عربية مثل المبخرة والصقر العربي، وتسلمت الملكة إليزابيث اللوحة التي تحمل اسمه ووقعت عليها ولا تزال تحتفظ بها ضمن مقتنياتها الشخصية حتى الآن.
وماذا عن بداية معرفته بالأديب الراحل نجيب محفوظ؟
بداية معرفتهم كانت عن طريق الناشر سعيد جودة السحار وشقيقه عبدالحميد جودة السحار، وكان ذلك في خمسينيات القرن الماضي حين كان طالبا بكلية الفنون الجميلة. ومنذ أول لقاء أصبحت مهمة جمال رسم كل أغلفة والرسومات الداخلية لأعمال نجيب محفوظ.
ورغم تكرار شخصية «الفتوة» و«بنت البلد» باختلاف التفاصيل، إلا أنه أتقن ببراعة تجسيد شكل المرأة المصرية ابنة الأحياء الشعبية في زمن «الفتوات»، الشعر أسود منسدل يعلوه منديل مزركش، العينين مزينة بالكحل الأسود، الشفاه صغيرة يجاورها شامة، الأنف دقيق ولون البشرة خمرية لامعة تعكس أشعة الشمس، وكل هذا الجمال الأنثوي يختبأ في «الملاية اللف والبرقع» تخفيه عن الأعين، حتى أن نجيب محفوظ كان يقول له «هو ده شكلها اللي كنت بفكر فيه».
لكنه تعاون مع أدباء آخرين.. هل كان يفضل التعاون مع كاتب بعينه؟
لا، كل أعماله كانت في نفس المكانة مع كل الأشخاص، خاصة وأنه كان يتعامل مع صفوة المجتمع من الأدباء، الكتاب والمفكرين، حيث رسم الأغلفة والرسومات الداخلية لأعمال نجيب محفوظ، إحسان عبدالقدوس، يوسف إدريس، يحيى حقي، ثروت أباظة، ومحمد عبدالحليم عبدالله وغيرهم من المصريين والجنسيات الأخرى.
بعض الأعمال معقدة ومتشعبة.. كيف استطاع تجسيدها في صورة الغلاف؟
الغلاف هو العامل الأساسي لنجاح العمل، كما يقال “الجواب بيبان من عنوانه”، وفي البداية كان يطلب نسخة من العمل، ويقرأ الرواية بتعمق شديد كأنه يعيش مع الشخصيات، مع كتابة أبرز الشخصيات برموز تتعلق بكل منها وتصوره الأول لها، وحال عدم إدراكه للتركيبة الخاصة بشخصية ما، كان يتواصل مع صاحب العمل، لأن انطباعه عن مشاعر الشخصية من الخير إلى الشر فارقة جدا في تجسيده لملامحها. وعندما كان يقرأ العمل يتخيل الأبطال وبناءًا على تخيله كان يرسم الشخصية وأغلبية الشخصيات مستوحاة مما كتبه المؤلف، وبعض الأغلفة كانت حركية، وكان لابد من أن يتواصل مع نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم من الأدباء ليعرف انطباعهم قبل رسم الشخصيات وبعد تنفيذ الغلاف، وكان يقول له الأدباء بعد رؤية العمل “أنت جبت الشخصية اللي حسيتها وأنا بكتبها”.
الأعمال الأدبية الذي رسم أغلفتها وتم تقديمها دراميا.. هل كان له نظرة مختلفة في اختيار الأبطال؟
علاقته بشخصيات الأعمال الأدبية تنتهي بمجرد تحويلها من خياله ومن روح المؤلف إلى صورة مرسومة على أوراق، وباعتباره أول من تخيل شكل الشخصية لم يشعر باهتمام لانتقادها دراميا “المخرج يتصرف زي ما هو عاوز” كما كان يقول.
هل فكرت عائلة جمال قطب في إقامة معرض إلكتروني بأعماله؟
نعم، كان يتم التخطيط لهذا المشروع قبل وفاته في عام 2016، ولكن لأسباب خاصة بهم لم يتم استكمال المشروع، وتحتفظ د.هبة قطب الابنة الصغرى بالمكتب الخاص به وأكثر من 80 لوحة أصلية رسمها في متحف لأعماله بمنزلها.