حوار| «أحمد مرسي»: لست رساما.. ولكني أضع تصورات للحيوانات المنقرضة
«توتسيتس رياننسيس» أحدث الحيتان المكتشفة التي كانت تجوب المياه المصرية منذ 41 مليون سنة. حيث تمكن فريق بحثي متخصص بقيادة عالم الحفريات المصري، البروفيسور هشام سلام، من تسجيل هذا الاكتشاف الجديد لجنس ونوع من أسلاف الحيتان المنقرضة في منطقة وادي الريان الصخرية بمنخفض وصحراء الفيوم.
هذه ليست المرة الأولى لاكتشاف الفريق أنواعا نادرة من حفريات الحيوانات المنقرضة، لكن الجديد هذه المرة هو وضع الشاب المصري أحمد مرسي، عاشق الحفريات ومحب الديناصورات، صورة كاملة لشكل هذا الكائن.. «باب مصر» أجرى معه الحوار التالي.
صف لنا ما هي طبيعة عملك في إعادة إحياء شكل أي حيوان منقرض؟
أقوم بإعادة هيكلة للكائن المنقرض، عن طريق عمل صورة له تمكن غير المختصين من وضع تصور ذهني له، لأن ما نكتشفه هو عبارة عن حفريات على صخور، لا يستطيع عامة الناس تخيل شكلها مثل العلماء المتخصصين الذين يمكنهم من خلال رؤية الحفرية أو العينة تخيل شكل الكائن الأصلي.
أما عن دوري، فهو ينحصر في نقل وتوصيل ما يكتشفه العلماء إلى غير المتخصصين وكل من ليس لديه خبرة بعلم الحفريات. وذلك بقصد تصور شكل الكائن كما يراه العلماء. حيث أعيد صورة الحفرية لما كانت عليه في شكلها القديم منذ ملايين السنين.
وما هي المهارات التي يجب أن تكون في الرسام أو من يقوم بمهمة إعادة بناء وهيكلة الحفريات؟
لا يشترط فيمن يقوم بتلك المهمة أن يكون جيدًا في الرسم، وأنا نموذج لذلك حيث لا أحب الرسم ولا أجيده. لكن يجب أن يكون لدى من يقوم بهذا العمل خبرة ودراسة بشكل عام بعلم التشريح، وعلم الحفريات بشكل خاص. بالإضافة إلى ضرورة أن يكون متمكن من معرفة ما يوجد الآن من سلالات الحيتان وغيرها، ومعرفة الصلات والروابط التي تربطها بأسلافها في الأزمنة السحيقة.
فالعملية تعتمد في جزء كبير منها على التخيل الذي تحكمه أسس تشريحية، يقوم على أساسها ببناء هيكل الحيوان المنقرض وتخيل شكله الذي يقارب شكله الطبيعي بنسب عالية. يضاف إلى تلك المهارات مهارة في غاية الأهمية، وهي مهارة البحث والدراسة. حيث احتاج إلى فترات طويلة حتى تظهر الأحفورة في شكلها النهائي. وذلك بعد أن أقوم بدراسة الأحفورة، ومعرفة طولها. وعلى سبيل المثال كانت الأحفورة المكتشفة للحوت “توتسيتس رياننسيس” تضم (الجمجمة والفك والأذن وأول فقرة عنقية) بينما باقي الجسم غير موجود. وهنا تأتي مهمتي في البحث والدراسة والتصور، والتوصل إلى معرفة أوجه الاختلاف بين هذا الحوت وغيره من الحيتان المكتشفة في السابق.
ذكرت أن من يقوم بإعادة الهيكلة ووضع التصور لابد أن يكون دارسا للتشريح والحفريات.. كيف اتجهت لهذا المجال برغم مؤهلك بكالوريوس تجارة؟
منذ أن كنت صغيرًا كان لدي شغف بدراسة الحيوانات، وكنت مهتمًا بمعرفة التنوع البيولوجي، بشكل خاص حيوانات السافانا الإفريقية. ثم اكتشفت بعد ذلك عالم الديناصورات المنقرضة، التي كان لها السيطرة على كوكب الأرض لأكثر من 150 مليون سنة. وقد بدأ تعلقي بعلم الحفريات منذ أن شاهدت فيلم حديقة الديناصورات “Juassic park3” والذي ظهر فيه الديناصور المصري “SPinosaurur aegyptiacua”، وهو ما لم أكن أتوقعه. كما لم أكن أعرف أنه في مصر حفريات تؤسس للتاريخ الطبيعي. ومن هنا بدأت رحلة البحث حول الحفريات.
فكرت في دراسة علم الحفريات في الخارج، إلى أن شاهدت بالصدفة فيديو لمحاضرة يلقيها الدكتور هشام سلام في علم الحفريات، شعرت وقتها بفرحة عارمة، وكنت وقتها في المرحلة الثانوية. قررت أن أزور قسم الحفريات بجامعة المنصورة وبمساعدة عائلتي بالفعل زرت الجامعة. وتعرفت على د. هشام سلام، ومنذ ذلك اليوم بدأت رحلتي مع الحفريات ومع مركز المنصورة للحفريات. وتركت عملي عندما لاحظت أنه يؤثر على اهتمامي بعلم الحفريات ويأخذ من وقتي، وقررت أن أتفرغ تمامًا لهذا المجال.
ولماذا لم تتجه إلى دراسة الحفريات من البداية؟
في فترة الثانوية كنت ضمن فريق مركز الحفريات بجامعة المنصورة، وسافرت معهم لعدة أماكن في الواحات المصرية والفيوم من أجل اكتشاف الحفريات. وكنت أنتوي الالتحاق بكلية العلوم، لكني لم أوفق بسبب المجموع، وهو ما جعلني أشعر بالإحباط لبعض الوقت.
لكن ما قدمه لي الدكتور هشام سلام من دعم، شجعني على مواصلة حبي وشغفي لدراسة الحفريات. لذلك أنهيت دراستي في كلية التجارة، ودرست دراسات حرة في علم التشريح والحفريات، بجانب كوني ضمن فريق مركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة.
لماذا أطلقتم على الحوت الجديد اسم «توت عنخ آمون»؟
من أطلق هذا الاسم هو الدكتور عبدالله جوهر، عضو الفريق العلمي “سلام لاب” ومؤلف أساسي في كتابة الورقة البحثية، حيث أطلق اسم “توت عنخ آمون” على جنس الحوت الجديد “توتسيتس” وذلك للتشابه بينهما. لأنه من خلال البحث اكتشفنا أن هذا الحوت مات في عمر الصبا مثل الملك توت.
وبحسب ما قال الدكتور جوهر، فإن هذا الحوت المكتشف كان ملكًا للبحار القديمة في وقته، بالإضافة إلى إحياء ذكرى اكتشاف مقبرة الملك الصغير قبل قرن من الزمان. وأيضا بالتزامن مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير بالجيزة.
بينما تم تسمية النوع “رياننسيس”، على شرف منطقة وادي الريان الصخرية بمنخفض الفيوم، التي اكتشفت حفرياته فيها، ليكون الاسم كاملا توتسيتس رياننسيس “Tutcetus rayanensis”.
كيف ترى علم الحفريات في مصر، وما هي أشهر دول العالم اهتماما بهذا العلم؟
لدينا في مصر أماكن لا توجد في العالم يمكن من خلالها البحث والتنقيب والدراسة، في الواحات البحرية والفيوم على سبيل المثال. كما أنه لدينا العلماء والمتخصصين، لكن الأمر شاق نسبيًا ويحتاج إلى جهد كبير. أما أشهر الدول وأماكن البحث والاكتشافات فتوجد في أمريكا الشمالية.
وأرى أن هناك حلقات كثيرة مفقودة في علم الحفريات لاسيما ما يخص الحيتان، واعتقد أن وادي الريان ووداي الحيتان بصحراء الفيوم سيجيبا ويكشفا عن تلك الحلقات المفقودة والتي من ضمنها هذا الحوت الجديد.
وما هي أمنياتك فيما يخص علم الحفريات؟
على المستوى العام أتمنى أن يكون في مصر متحف كبير للحفريات، يضم ما تم اكتشافه، وما يتم اكتشافه. لأن تلك الحفريات لا تقل أهمية عن الآثار المصرية. وذلك لما لها من أهمية كبيرة في معرفة تاريخ ما قبل الإنسان وتطور الحياة. كما أتمنى أن يكون علم دراسة الحفريات ضمن الدراسة في الجامعات المصرية.
أما على المستوى الشخصي فأتمنى أن أعثر على الحفريات الخاصة بالديناصور المصري، الذي كان يوجد في الواحات البحرية منذ ملايين السنين. وأن استمر في هذا المجال وأساهم بشكل ما في اكتشاف العديد والعديد من الحفريات التي تبهر العالم.
توت عنخ آمون أصغر وأقدم أسلاف الحيتان المائية
بحسب الورقة البحثية يعد هذا الحوت الجديد والذي أطلق عليه لقب “توت عنخ آمون” تيمنا بالملك المصري القديم. أحد أصغر وأقدم أسلاف الحيتان المائية. وقد تم اكتشاف حفريات هذا الحوت في عام 2013 ووثق الفريق هذا الاكتشاف في ورقة بحثية نشرت يوم الخميس الماضي 10 أغسطس 2023 في دورية كوميونيكيشن بيولوجي «Communications Biology»، الصادرة عن مؤسسة نيتشر «Nature» العالمية.
وبحسب الفريق العلمي المكتشف فإن الحوت الجديد (توتسيتس رياننسيس) يساعد في إثراء المعرفة العالمية. ويضع تصور كامل لأسلاف الحيتان القديمة. كما يوضح أهمية الحفريات المصرية لفهم السجل التطوري لتلك المخلوقات المنقرضة والفريدة.
اقرأ أيضا:
«فيوميسيتوس أنوبيس».. سر جديد من واحة الفيوم عمره 43 مليون عاما