حكاية ورشة خشب عمرها 120 عامًا بالدرب الأحمر
رغم ارتفاع درجة الحرارة، إلا أن العمل مستمر داخل ورشة خشب الحاج حسن يونس، والتي يمتد تاريخ إنشاؤها لأكثر من 120 عاما بمنطقة الدرب الأحمر. أطقم شماسي الشواطئ وأورم الجزارة والمناضد والأطباق الخشب أبرز ما يصنعه العمال داخل الورشة حسب متطلبات سوق العمل.. «باب مصر» يلتقي بأصحاب الورشة.
ورشة خشب
بعد الانتهاء من موسم عيد الأضحى المبارك، والذي جاء بمثابة فرصة لتنفيذ مئات من “أورم الجزارة” التي يقبل عليها الجزارين، يتفرغ الصنايعية بالورشة لتصنيع “شماسي الشواطئ”، لذلك تتحول الورشة لخلية نحل يتسارع فيها الجميع لإنجاز مهامهم وتلبية احتياجات السوق.
بمجرد أن تطأ قدمك ورشة الأخشاب تشاهد “خيري” -أحد الصنايعية الموجودين بالورشة- جالسًا على ركبتيه وممسكًا في يده بمنشار كهربائي يحاول من خلاله تقطيع جذع شجرة، وهي العملية الأولى التي تتم بعد استقدام الخشب من مصادره الأولية، إذ يساعده أغلب العمال في تحريك الجذع الضخم، بعد جلبه من المخزن الذي يحوي مخزون الورشة من الخشب، وهي المنطقة التي يطلق عليها محمد أسامة -أحد ورثة المصنع- اسم “الغابة”.
مكنة قص
بعد هذه العملية يتم تحويل الجزء الذي تم قطعه إلى حجرة أخرى داخل الورشة والمسؤول عنها “سعد”، وهو أحد العمال بالورشة، إذ يساعده صنايعي آخر ويقوما بتقطيع الخشب والبدء في تشكيله، من خلال وضعه على مكنة “قص”، وهي عملية تبدو معقدة إذ أن كلاهما يضعان قطعة من الخشب داخل المكنة، ليقوما بتشكيلها كما يريدون في نهاية الأمر.
تكريت الخشب
على الجانب الآخر يقف محمد غازي، بملامحه الجادة أمام المخرطة، ممسكًا بـ”المزراب” بين يديه، إذ تتطاير حوله “نشارة الخشب” في حركات دائرية في الهواء قبل أن يتمكن في النهاية من تنفيذ عمله وتشكيل الخشب حسبما يريد، وتحويله من مجرد قطعة خشبية صلبة، إلى عمل فني بديع.
يحكى محمد غازي تفاصيل عمله، مشيرًا إلى أن بدايته في مهنة الخراطة بدأت منذ أكثر من 35 عامًا قبل أن يتركها لحوالي 13 عامًا، قام خلالها بالعمل في الكثير من المهن، إلا إنه قد قرر أن يعود مرة أخرى للخراطة، تلك المهنة التي يقول عنها إنه أحبها كثيرًا.
ويشرح غازي ما يقوم به تحديدًا في هذه الورشة قائلًا: “أنا هنا أقوم بعملية “تكريت” للخشب وبعد هذه العملية أقوم بتحديد الخشب وتشكيله بالشكل الذي أريده، من خلال “المُزراب” وفي النهاية يخرج من بين يديّ العمل الذي أريده”.
يعتبر غازي أن مهنته موهبة قد منّ اللّٰه بها عليه، إذ يحفظ شفرات داخل عقله ومن خلالها يستطيع تشكيل الخشب وخرطه كما يريده الزبون في نهاية الأمر.
وبعد الانتهاء من هذه العملية يقوم غازي بإدخال القطعة المشكلة لغرفة “محمود عباس”، وهو صنايعي “منشار” ويعمل على مكنة التفتيح بالورشة، وهو – حسبما أخبرنا – حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة الأزهر، ويعمل بالمهنة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي؛ أي عندما كان في الصف الثالث الإعدادي.
ويضيف، أنا أقوم هنا بعملية تفتيح للخشب وهي المرحلة شبه الأخيرة من عملة صناعة الشماسي بعد مرحلة التربيع والتدوير على المنشار.
فقر في العمالة اليدوية
توارث العمل داخل ورشة الحاج حسن أجيال عدة، لكن الصناعة لم تعد بالشكل البدائي التي كانت عليه في سنواتها الأولى، إذ أنهم أدركوا حتمية تطويرها لمواكبة التطور الذي حلّ على الصناعات اليدوية رغبة منهم في مجاراة ظروف السوق.
يقول محمد أسامة – أحد ورثة ورشة الحاج حسن يونس-: اتجهت للعمل بورشة جدي بعد تخرجي في كلية الإعلام، إذ قام والدي وأعمامي باستكمال ما بدأه جدي بعد وفاته، فالمصنع هنا عبارة عن خشب شجر نأتي به من أماكن متفرقة داخل مصر خاصة الصعيد، وعندما يأتي إلينا نقوم بتقطيعه بالمنشار الكهربائي، وبعد ذلك نبدأ بتشكيله كما نريد فأحيانا نقوم بصناعة أطقم الشماسي، وأحيانا نصنع منه أورم الجزارة، أو المناضد، وكذلك نصنع أطباق الخشب وهي التي يقتنيها أهالي ليبيا والشام واليمن لأنها أطباق تراثية وشعبية بالنسبة إليهم، فنحن نشكل الخشب كما يحدده لنا الزبون ونبدأ بالعمل بناء على ذلك. هذه المهنة نعمل بها منذ أكثر من المائة عام وتوارثناها جيلًا بعد جيل، ومع الوقت نحاول تطوير المجال من خلال استخدام الأدوات الحديثة.
ويضيف أسامة: العملية معقدة، فحين يأتي إلينا الخشب نقوم بتقطيعه من خلال المنشار لكن طريقة تقطيعه تختلف، وفقًا للعمل المطلوب، فمثلًا عند صناعتنا لأطقم الشماسي نقوم بتقطيعها بشكل طولي ثم نقوم بتربيعها، ثم نذهب بها إلى المخرطة، وبعد هذه العملية نذهب بقطعة الخشب ونضعها على مكنة التفتيح، ثم نعيدها إلى المخرطة مرة أخرى لتنتهي العملية عند هذا الحد.
وتابع: بالنسبة للأطباق الخشب التراثية فنحن نقوم بتقطيع الخشب بالمنشار في البداية ثم إلى المخرطة، وبعد ذلك نقوم بتفتيئه، ثم تفريغه؛ ومن ثم صنفرته، وبعد ذلك نقوم بتزييته كي يصلح للاستخدام ونفس الأمر بالنسبة لأورم الجزارة، حيث إننا نشكل الخشب، ومن ثم نقوم بخرط الرجول وتركيبها وصنفرتها كي يستطيع الجزار العمل عليها.
ويستكمل حديثه: يعمل معنا عشرة عمال أغلبهم هنا منذ سنوات كثيرة قد تصل لـ٢٥ سنة لكننا نعاني من العديد من المشاكل نظرًا لصعوبة المهنة، حيث نواجه مشكلة في العمالة وهي مشكلة تعاني منها أغلب الحرف الآن نظرًا لأن الأيدي العاملة غالبًا ما تتجه إلى المهن السهلة مثل “التوكتوك” لذلك لا نستطيع أن نزود من هذه العمالة لأن كل الذين يأتون إلينا يريدون العمل السهل الذي لا يبذل فيه أي مجهود، كما أننا هنا نحاول أن نطور من المهنة من خلال استخدام وسائل حديثة، فجدي في البداية كان يستخدم وسائل يدوية، لكن بعد ذلك قام والدي وأعمامي باستخدام وسائل أحدث، فاستطاعوا تنفيذ أشياء جديدة مثل الأطباق والديكورات والكراسي، ثم بعد ذلك حاولنا تطوير الأمر، إذ يأتي إلينا حاليًا طلبة الفنون الجميلة والتطبيقية كي يستخدموا المواد الخام التي نمتلكها ويشكلوها كما يريدون فنحن عبارة عن حلقة أولية لمهن أخرى كثيرة.