حكايات وأسرار “عروسة المولد”
تظل “عروسة المولد” إحدى أقدم العادات المصرية، فمنذ العصر الفاطمي وحتى الآن هي السمة المميزة للاحتفال بالمولد، وهي الرمز الأول لأية احتفالات شعبية ارتبطت بالاحتفالات الدينية، أو الموالد الصوفية.
وحلوى المولد بشكل عام هي عادة مصرية، تطورت من زمن لآخر، إلى أن أصبحت متعددة الألوان والأشكال، يجمع بينعا المكونات، وهي: العلف والسكر والعسل والمواد الجيلاتينية.
لكن كيف تصنع “حلاوة المولد”؟
“باب مصر” انتقلت إلى إحدى المصانع الشهيرة بصناعة الحلوى يدويا في مدينة إسنا جنوبي الأقصر، يقول حسين سعد، صاحب ورشة تصنيع حلوى المولد، إنه ورث صناعة عروسة المولد من عائلته قبل 50 عامًا، ويحتاج ذلك إلى توفير كميات من السكر والألوان الصناعية المصرح بها من وزارة الصحة، وقوالب صب لتشكيل عروسة المولد.
يضيف حسين تبدأ مراحل تنفيذ عروسة المولد بإذابة كمية من السكر في الماء وتركها لدرجة الغليان مع التقليب المستمر، وبعد رفع المزيج من النار توضع الألوان الصناعية، وعقب مزج اللون مع الخليط يتم صب خليط السكر في قوالب التشكيل وتركه حتى يجف، ثم يتم تزيين العروسة بالعديد من الأشكال.
ويوضح حسين أن عروسة الحلاوة المصنوعة من السكر كانت المنتج الأول الأكثر إقبالًا من المواطنين، أما الآن فقد انصرف كثيرون عن شرائها واستبدلوها بالعروسة البلاستيك المزينة بالفساتين والزي الهندي.
حسين يرجع انصراف الناس عن شراء “العروسة الحلاوة” إلى ارتفاع تكلفة صناعتها ومكوناتها خاصة السكر، وهذا ما أثر بشكل سلبي على تلك الحرفة.
بعد تفاقم الأزمة السورية، ارتفعت أسعار حلاوة المولد، هي الأخرى، إذ إن سوريا هي المصدر الأول بين الدول العربية للمكسرات المستخدمة في صناعة حلوى المولد النبوي.
محمود سليم، أحد العاملين بمصنع الحلوى، يقول: كان يتم تصنيع الأصناف الأكثر إقبالًا، مثل العروسة والحصان، لكن رغم كل شيء فإن الصناعة ما زالت موجودة، وما زالت المصانع تصنع أصناف جديدة ومتعددة.
تاريخ حلوى المولد
هناك إجماع على أن عروسة المولد ظهرت في العصر الفاطمي، فقد كان الحكام يشجعون على إقامة الزفاف في أيام المولد النبوي، ومن هنا بدأ تشكيل الحلوى على هيئة “عروسة”، فيما يشير الحصان إلى الفارس صاحب البطولات، وهو يمتطي الحصان.
أما عن الاحتفال بالمولد فيتفق أساتذة ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍلإﺳﻼمي على أنه يعود لأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻟﻒ ﻋﺎﻡ، ﻋﻘﺐ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻌﺰ ﻟﺪﻳﻦ ﻟﻠﻪ ﺍﻟﻔاطمي ﻟﻤﺼﺮ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍلاﺣﺘﻔﺎﻝ ﺑﺎﻟﻤﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﺍلاﺣﺘﻔﺎلاﺕ ﺍلتي اﺯﺩﻫﺮﺕ في ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻔﺎطمي.
ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﺎﻃﻤﻴﻮﻥ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻥ ﺍلأﻋﻴﺎﺩ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎﺕ الدينية ﻭﺍلاﺣﺘﻔﺎلاﺕ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺘﺄﺛﻴﺮ في ﻧﻔﻮﺱ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ﻭﺟﺬﺑﻬﻢ إﻟﻰ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﺍلشيعي.
ﻭﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ ﺍلاﺣﺘﻔﺎﻝ ﺑﺎﻟﻤﻮﻟﺪ ﺍﻟﻨﺒﻮي ﻗﺒﻞ ﻭﺻﻮﻝ ﺍﻟﻔﺎﻃﻤﻴﻴﻦ ﻟﻤﺼﺮ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺤﻜﻤﻮﻥ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ، وبعد دخول ﻤﺼﺮ ﺑﺪﺃﻭﺍ ﻳﻨﻈﻤﻮﻥ هذه ﺍلاﺣﺘﻔﺎلاﺕ، ﺍﻟﺘي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺒﻖ ﺍﻟﻤﻮﻟﺪ ﺍﻟﻨﺒﻮي ﻭﺗﻠﻴﻪ، كما كانت ﺗﻘﺎﻡ ﺍﻟﺴﺮﺍﺩﻗﺎت ﻮﺍﻟﻮلاﺋم للبسطاء ﻭﻋﺎﻣﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ.
فيما يصف “مارك جرش” وهو أحد الرحالة الإنجليز، الذي عاصر المولد النبوي في مصر، “عروسة المولد” بأنها عروس متألقة الألوان، توضع في صفوف متراصة وترتدي ثيابا شفافة كأنها عروس حقيقية.
كان الفاطميون هم أول من صنعوا العروس من الحلوى في المولد، ومنذ ذلك الحين أصبحت الحلوى من المظاهر التي ينفرد بها المولد النبوي في مصر.
ويقول عبد المنعم عبد العظيم، مدير مركز تراث الصعيد بالأقصر، تعتبر العروسة الحلاوة، إحدى أيقونات التراث الشعبي التي اتخذت لها في قلوب ووجدان المصريين مكانها كرمز للمولد النبوي.
روايات ظهور العروسة
ويشير عبد العظيم إلى هناك عدة روايات حول تاريخها تفيد أن الخليفة الفاطمي، كان يشجع جنوده المنتصرين على أعدائه بتزويجهم بعروس جميلة، وأصبحت عادة وقت احتفالات النصر كل عام أن يقوم ديوان الحلوى التابع للخليفة بصناعة عرائس جميلة من الحلوى، لتقديمها كهدايا إلى القادة المنتصرين وإلى عامة الشعب والأطفال.
ويضيف أن هناك رواية أخرى تقول، إن ﻋﺮﻭﺳﺔ ﺍﻟﻤﻮﻟﺪ ﻇﻬﺮﺕ ﺧﻼﻝ عهد الحاكم بأمر الله، إذ كان يحب أن تخرج إحدى زوجاته معه في يوم المولد النبوي، فظهرت في الموكب بثوب ناصع البياض، وعلى رأسها تاج من الياسمين، فقام صنّاع الحلوى برسم الأميرة والحاكم في قالب الحلوى علي هيئة عروس جميلة، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻗﺎﻡ آﺧﺮﻭﻥ ﺑﺮﺳﻢ الحاكم على هيئة فارس يمتطي جوادا.
ويتابع أن عروسة المولد ترتبط أيضا بفلسفة خاصة عند المصريين الذين كانوا يتصدقون بإعطاء الحلوى للمساكين في ذكرى المولد النبوي، ويقال أن الحكام الفاطميين كانوا يشجعون الشباب على عقد قرانهم مع مولد النبي وأن تتزامن كل أفراح الزواج في ذلك الوقت، وهو ما يفسر سر العروس التي تُصنع في موسم المولد بشكلها المزركش وألوانها الجميلة.
ويؤكد ذلك أيضًا أحد المؤرخين الذي يقول: إن الحاكم بأمر الله قرر منع إقامة الزينات واحتفالات الزواج إلا في موعد المولد النبوي، لذلك حرص كثير من الشباب وعامة الناس على إتمام زواجهم في أيام المولد، ليتمكنوا ﻣﻦ ﺗﻌﻠﻴﻖ ﺍﻟﺰﻳﻨﺎﺕ ﻭإﻗﺎﻣﺔ ﺍلاﺣﺘﻔﺎلاﺕ.
في تلك الفترة ظهرت العروسة المصنوعة من الحلوى، لأنها كانت تعد بمثابة إعلان عن قرب موسم الزواج.
2 تعليقات