حكايات من الأدب الفرعوني | لماذا قطع حورس رأس أمه إيزيس؟
شهدت قصة الصراع بين حورس وعمه ست، فصولا متعددة بداية من ولادة حورس وحتى انتصاره في النهاية على ست واستعادة عرش أبيه، بحسب الدكتور سليم حسن، في كتابه الأدب المصري القديم، نقدمها ضمن حكايات من الأدب الفرعوني.
يلفت حسن، إلى أن جميع مراحل الصراع كان دور الأم إيزيس حاضرا ومؤثرا في الأحداث، فهي تارة الأم الحانية والحامية ضد محاولات ست قتل حورس صغيرا، ومرة أخرى الأم صاحبة الحيلة والتصرف في إجبار الآلهة بالاعتراف كوريث شرعي لملك أبيه أوزوريس، وفي نهاية القصة اشتركت مع ابنها في قتال ست، وبالرغم من كل ما فعلته مع أبنها حورس ليستعيد كرامته وشرفه إلا أنها في أحد فصول القصة ذبحت على يد ابنها حورس.
حكايات من الأدب الفرعوني
يورد دون ناردو في كتابه “الأساطير الفرعونية”، أن إيزيس استطاعت باستخدام الحيلة أن تجبر الآلهة على الاعتراف بقضية حورس العادلة، وفتح تحقيق قضائي في أحقية حورس لوراثة عرش أبيه، ولكن إزاء رفض وتعنت ست، فشل مجلس الآلهة في الوصول إلى قرار واضح، بالرغم من اعترافهم بأن حورس هو الوريث الوحيد، وتدخل أوزوريس بخطاب من العالم الآخر، نصح فيه ابنه حورس بأن يثبت أحقيته بالقوة، فتحدى حورس عمه ست واستجاب عمه، وتصارع الاثنان في مياه النيل، متخذين صورة فرسي نهر.
فزعت إيزيس خشية أن يغرق ابنها حورس في ماء النيل، فسارعت بعمل رمح نحاسي ضخم ربطته بالحبال وقذفته إلى أعماق النهر لتقتل ست، ولكن الرمح أصاب ابنها حورس خطأ، وأصاح من الماء “أنه أنا ابنك يا أمي”، فاستعانت إيزيس بقواها السحرية وخرجت الرمح من جسد ابنها وعالجته من آثار الجرح، وعادت لتلقي الرمح فأصاب ست، ليصرخ: أختاه، ويخرج من الماء متذللا ومستعطفا أخته إيزيس بقوله: أنا أخوك، بالطبع لن تقتلي أخاك، أليس كذلك؟، وبالرغم من أن إيزيس استغربت ما قاله لأنه سبق وقتل أخاه أوزوريس، لكنها إزاء نداء عاطفة الأخوة استجابت له وعفت عنه وسحبت الرمح من جسده.
الفهد الغاضب في الأدب الفرعوني
بحسب ناردو، خرج حورس من الماء بوجه فهد غاضب، وقد فقد صوابه لأن أمه صفحت عن عدوه ست.. وباستخدام مدية تزن أكثر من 16 رطلا ذبح أمه إيزيس وفصل رأسها عن جسدها.. ثم سار باكيا وهائما في الجبال.
وحسب القصة فقد فزع آلهة التاسوع وغضبوا غضبا شديدا من حورس وقرروا معاقبته.. وأرسلوا الآلهة الذين عالجوا إيزيس وأعادوها إلى طبيعتها، وفي نفس الوقت جدوا في البحث عن حورس لعقابه، وكان أول من عثر عليه نائما في الصحراء ست، الذي انتهز الفرصة واقتلع عينا حورس، ليهيم حورس من جديد حزنا على ما آل إليه حاله، وأخيرا ترفق بحالته الربة حاتحور، وتعالجه باستخدام لبن الغزالة وتعيد عيناه إليه، ويستعيد عافيته ويستأنف قتاله مع ست، وبعد عدة معارك ينتصر عليه ويستعيد عرش أبيه، وهنا تنسى ما فعله بها لتصيح أمام الآلهة: إنه حورس ابن إيزيس، وقد أصبح ملكا كاملا.
تعليق
يعلق المرشد السياحي حسن عوض على القصة.. لافتا إلى أن أحداث القصة تعود إلى عصر الاضمحلال الأول (٢١٨١ ق.م – ٢٠٥٥ ق.م) والمسمى بالعصر الإقطاعي.. حين تحولت مصر إلى إقطاعيات منفصلة.
مشيرا إلى أن القصة ترمز إلى صراع على أحقية أحد الأبناء في وراثة عرش أبيه.. موضحا أن القصة تجسد صراعا سياسيا بين الوريث الشرعي وغير الشرعي. وبالتالي من الممكن أن نعتبر تصرف حورس أمام موقف أمه إيزيس من أخاها ست منطقيا، من شاب يحاول استعادة عرشه.
ويشير المرشد السياحي أحمد صادق، إلى أن رمزية القصة والتي تشير إلى الصراع بين الخير والشر.. ممثلا في حورس وست تستلزم بقاء الشر وعدم فناؤه.. لأنه وحسب اللاهوت المصري فإن الصراع بين الخير والشر صراع أبدي مستمر.. وبالتالي فقد احتاط كاتب القصة بأن يوجد طريقة استطاع بها ست أن ينجو من الموت بأن استعطف أخته.
نهاية الصرع
ويلمح المرشد السياحي صلاح شلك إلى أن المنظر الأخير في قصة الصراع بين حورس وست.. والموجود في الفناء الخارجي لمعبد إدفو، يعبر وبكل دقة عن تغلب مشاعر الأخوة على مشاعر الأمومة عند إيزيس.. إذ يظهر المنظر حورس وهو يقف فوق فرس النهر “ست”.. وبينما يهم بطعنه بالرمح تدفع إيزيس يده بعيدا لتنقذ أخاها.. وينوه شلك إلى أنه وحسب القصة فقد عوقب حورس على فعلته حينما فقد عينيه.. ولكن عالجته الربة حاتحور وأعادت إليه بصره.
هوامش
1- كتاب الأدب المصري القديم – د. سليم حسن – مهرجان القراءة للجميع 2000.
2- الأساطير المصرية “بي دي إف” – تأليف دون ناردو – ترجمة: أحمد السرساوي – المركز القومي للترجمة 2011 – من ص 77 الى 81.
تعليق واحد