فيديو وصور| “الخشب بيتكلم”.. رحلة عوف من النجارة للنحت خلال 10 أعوام
في أحد الشوارع الضيقة بقلب مدينة المنصورة، تجد منزلا محيرا في وصفه، لا نعرف إن كان معرضا فنيا لأحد الفنانين، أم متجرا للأنتيكات، ولكن هذا المنزل الذي اتضح فيما بعد أنه محلا لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار، لا يخلو من البائعين والقطع الخشبية المتناثرة في أرجاء المكان، ليمسك “عوف” إحداها ويصنع منها عملا فنيا أو مجسما رائعا، لتشعر حقيقة بأن “الخشب بيتكلم“.
من هو عوف؟
أحمد عوف عبدالنبي، من مواليد وسكان مدينة المنصورة، ورث حرفة النجارة عن والده، الذي لاحظ شغفه وحبه للنجارة، فاختاره من بين أقرانه الأربعة لمساعدته في العمل، ليتعلم عوف على يد والده أساسيات الحرفة في السادسة من عمره.
رحلة 10 سنوات من التعليم
خوفا من أن يقسوا عليه، قرر والد عوف بعد عامين أن يستكمل ابنه تعلم الحرفة على يد “المعلم بيومي”، ليبدأ عوف مرحلة جديدة منذ الثامنة من عمره تاركا تعليمه الأساسي، لتستمر المرحلة لمدة 10 أعوام، إلى أن يتخرج عوف في الثامنة عشر عاما بخبرة واسعة ومهارة دقيقة في النجارة.
الأنتيكات الخشبية
انتقل “عوف” من ورشة إلى أخرى، حتى تعرف على “عم رزق” صاحب ورشة في خان الخليلي بالقاهرة، الذي كان يترأس مجموعة متكاملة من الحرفيين المتخصصين أو “فنانين” على حد قوله، انبهر عوف بالنماذج والتحف الخشبية التي كانت تنتجها الورشة، وبتشجيع “عم رزق” تدرب عوف على يده تشكيل التحف، بجانب النجارة.
يقول عوف لـ”ولاد البلد“: “عشان أنا حابب الشغلانة اتعمقت فيها، بقيت أخلص شغل اليومية في النجارة، بعدها أروح لعم رزق من الساعة 8 لحد 2 بليل، لمدة سنتين، كانت حياتي كلها عمل، لحد ما ربنا مكني أوي في الصنعة”.
ظروف قاسية
عاد “عوف” ليساند والده في النجارة وتخفيف العبء عليه، حتى اكتسب زبائن في ورشته ووثق بعض العملاء فيه، إلى أن جاءت ثورة 25 يناير، لتمر على عوف أصعب أيامه، التي يقول عنها “كانت أيام صعبة عليا وعلى أي صنايعي في البلد، مفيش شغل، لحد ما فكرت استغل موهبتي، عشان أجهز أخواتي وأساعد عيلتي”.
وبدأ عوف استغلال موهبته في إنتاج أول أعماله الفنية “مجسم للحرم المكي”، استغرق إنتاجه شهرين ونصف، ويحكى “من هنا بدأت الانطلاقة، عندي طاقة عايز أخرجها، لميت كل خشب الشغل القديم الكراكيب، والشكل اللي يجي في ذهني أعمله، مثلا فيلة وشوية غزلان وبرج إيفيل وعربيات صغيرة وأسلحة خشبية”.
تشجيع والده وأصدقائه
“قالوا عليا مجنون، دا بيعمل عصافير ولعب”، هذا ما واجهه عوف في البداية، ويسرد، “أعجب والدي وأصدقائي بالأشكال التي أنتجها وقدموا لي الدعم والتشجيع، ولكن هناك من كان لا يدرك ما الذي أقوم بصنعه وما علاقته بالنجارة”.
وفي يوم من الأيام مر أحد المخرجين بقصر ثقافة المنصورة على “عوف”، وشاهد أعمالة وأعجب بها خاصة تلك “الأسلحة الخشبية”، التي كان يريد مثلها في مسرحيته القادمة، فطلب من عوف 35 بندقية، ووافق الأخير وانتهى منهم، إلا أنه فوجيء بالشرطة تقتحم الورشة، ظنا منهم أن الأسلحة حقيقية.
شعر “عوف” بسعادة غارمة رغم هذا الموقف المقلق، لشعوره حينها بالثقة في النفس وفي أعماله التي ينتجها ومدى إنتقانه بها، حتى وصولها للشكل الحقيقي، ومن هنا بدأت دائرة عملاءه تتسع، فتعامل مع الضباط، والمحامين، والأطباء، حتى انتشر في جميع المجالات المختلفة.
ذاع صيته في الصين وليبيا
جاء لعوف بعض الأشخاص من الصين، وقاموا بتصوير الورشة، وأبدوا إعجابهم بأعماله، طالبين منه أن يعمل لديهم ويقيم في الصين بمرتب مغري في نظير عمل نموذجا واحدا لكل شكل ليقوموا بإنتاجه بكميات فيما بعد، كما عرض عليه عقد عمل في ليبيا، لكن رفض عوف لتمسكه ببلده، “بلدي أولى بيا، اللي ميتعرفش انهاردة بكرة تعرفه، لازم يكون ف يكفاح وصبر”.
عقبات تقف في وجه عوف
يشير عوف إلى بعض العقبات التي تواجهه في مهنته، قائلا: قلة المعدات وعدم حداثتها من أكبر المشكلات التي تواجهني بجانب ارتفاع أسعار الخامات، حيث إنني استخدم جميع الأنواع من الأخشاب، بالإضافة إلى عدم قدرته ماديا على توظيف صنايعية لمساعدته في العمل، ويذهب بشكل منتظم إلى تجار الأخشاب في المنصورة، لشراء مختلف أنواع الأخشاب من زان وسويد وكونتر وأبلكاش وغيرها من الأنواع، ليقوم بصناعة ما يطلبه منه عملائه أو لصنع ما يهوى صناعته لتضاف إلى جانب أقرانها في ورشته الفريدة.
ولم يحترف عوف فقط صنع الأنتيكات الخشبية، ولكنه يصنع كل ما هو متعلق بالخشب من مختلف أشكال الأثاث، وتجهيز المساجد والكنائس والمحلات، والمجسمات تراثية والأثرية، ومجسمات من الحيوانات والطيور.
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
تعليق واحد