حدث في مصر الأخرى
لقد شهدت اللحظات التاريخية الحرجة في تاريخنا الإنساني تحولات وفعاليات عدة على الساحة الاجتماعية والسياسية. ورافق ذلك تجليات وفعاليات فكرية وثقافية أحدثت تغيرا وتحولا هائلا في بنية المجتمع شمل مستويات وأبعاد متنوعة ومختلفة.
ولقد كان العقل الثقافي أبرز علامات تلك اللحظات التاريخية التي أنتجت عدة ظواهر سلبية وظواهر إيجابية في آن واحد. وجدير بالذكر أنه في أعقاب نكسة 67 شهد مجتمعنا عددا هائلا من الحالات الفكرية والثقافية والفنية أحدثت صدى في دروب حياتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية، تجلى ذلك على سبيل المثال في بروز وصعود كتابة جديدة تبناها عدد كبير من الأدباء الشبان – الأمر الذي دفع دورية الطليعة آنذاك أن تفرد ملفا لشهادات الأدباء الشبان.
حيث عبروا عن هموم ذاتية وإنسانية وشغلت مواقفهم ورؤاهم الرأي العام الثقافي والفكري آنذاك تلك الرؤى التي شكلت تيارا مقاوما ومناهضا للنظام السياسي والثقافي.. الذي مني بهزيمة فادحة. وتزامن مع ذلك أيضا بروز كيانات ثقافية وفنية مغايرة تطرح معطى مخالفا عن المنطق السائد الذي يكرس الجمود والسلفية. فكانت جماعة كُتاب الغد التي كتبت شهادة وفاة النظام السياسي والثقافي المنقرض وأعلنت ميلاد أدب جديد ورموز ثقافية جديدة ومضيئة.
وبرز حينئذ جماعة السينما الجديدة والتي شملت الرموز والوحدة الثقافية والفنية المضيئة والناصعة. والتي خاضت معارك حامية الوطيس نحو تأسيس تيار سينمائي طليعي ناهض يتصدى لجميع أشكال الانحطاط والإسفاف الثقافي والفني.
***
واستمر تيار إفراز أنواع وصور جديدة لافتة للنظر يتحدى ويقاوم أنساق التبعية والتخلف. والذي تمثل في فن الهنك والرنك وشيوع ظواهر العتبة جزاز والطشت قاللي. حتى انحسرت تلك الحالات الهابطة تحت مد وسنابك الثقافة والفن الطليعي –. فبرزت مجلات الماستر والتي تأسست في ظل تكوينات وحلقات ثقافية وأدبية. يعبر عن همومها الخاصة وهموم المجتمع الجديد الذي راهنت عليه ولتعبر عن تحديها للمؤسسة الثقافية. التي كرست للهزيمة والانسحاق بمؤازرة النظام البائس آنذاك.
ظلت تلك الظواهر الصاعدة والمضيئة حتى السبعينيات تفعل فعلها الثقافي والسياسي. وتحمل أدوات ودوافع التغيير والتحديث– ومحاولة التواصل والتمازج (الامتزاج) مع ظواهر النهوض والبعث الجديد في الأفق الغربي. تمثل ذلك في التماس مع التجارب المسرحية والسينمائية الفاعلة في الغرب. فضلا عن الأدب المغاير وتمثل ذلك تحديدا في الانفعال بتجربة مايو 68 حتى صارت الحركة الثقافية والسياسية في مصر جزءا لا ينفصل عن التيارات الطليعية الغربية.
لقد كانت مصر تتحدث عن أهلها بالفعل بشعرائها ومثقفيها وفنانيها فصار نيلها موجات من فعل التحرر والانعتاق.