حادث أم تخريب؟ جدل حول حريق «مقهى المستكاوي» بالإسماعيلية

تعرض مبنى «مقهى المستكاوي» في الإسماعيلية لحريق دمر واجهته وأدواره الثلاثة بعد شهر من بدء أعمال تجديده. المقهى، المعروف بأهميته التاريخية، مغلق منذ نحو 10 سنوات بانتظار إعادة بناءه كبرج سكني، ولكن المشروع توقف بسبب قيود ارتفاع المباني.

حفظت التحقيقات في الحريق، وطلبت النيابة العامة تقرير المعمل الجنائي. تشير المعاينات الأولية إلى أن الحريق بدأ من داخل المبنى المهجور، مما يثير الشكوك حول أسباب الحادث.

تسجيل 9 مباني أثرية

في 31 مارس الماضي، نشرت الجريدة الرسمية قرار وزارة الإسكان بتسجيل 9 مبانٍ في سجلات المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز بمدينة الإسماعيلية. من بينها المبنى المحترق، بناء على توصية من اللجنة الدائمة لحصر المباني بها، والتي تم إرسالها في سبتمبر 2023، واعتمدت من الجهاز القومي للتنسيق الحضاري في أكتوبر من العام نفسه. ويعتبر هذا التسجيل الأول لمباني بمدينة الإسماعيلية بعد أن بدأ ملاكها هدمها بالفعل. مما جعلها تبدو كأطلال مخربة.

يقع ثمانية من المباني التسع المسجلين ضمن نطاق منطقة الأفرنج. وهي منطقة كانت تسكنها الجاليات الفرنسية واليونانية والإيطالية والألمانية والإنجليزية. بدءًا من ثمانينيات القرن التاسع عشر، عقب افتتاح قناة السويس. بينما يقع مبنى واحد بالحي العربي الذي سكنه مصريون ويونانيون في نفس الفترة.

يقول محمد حامد، مستأجر المقهى السابق: “يقع المبنى في 3 شارع البلدية، وبني عام 1890 بطراز بناء العمارة الاستوائية وبواكي خشبية. سكنته إيلين مافريسمفرليون، وهي من عائلة يونانية، واستأجرته عائلتنا منذ الخمسينيات من ورثتها بعدما عادوا إلى اليونان”. ويضيف: “نُقلت ملكية المنزل عام 1988 لمشتري جديد حاول إخلاء المبنى لهدمه ولكنه لم يستطع وقتها. وفي عام 2015، قرر ورثته بيع المنزل لمالك جديد سعى من اليوم الأول لإخلاء المبنى. ثم تفكيك النوافذ والأرضيات ليبدو أنه غير صالح للسكن وآيل للسقوط”.

تخريب متعمد

تعلق الدكتورة سهير حواس، عضو مجلس إدارة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، على الصور الحديثة للمباني بعد تسجيلها والتي تظهر آثار هدم شرفات وجدران الغرف، من بينها مبنى مقهى المستكاوي وهو مفرغ من الأبواب والشبابيك. وتقول “هذا تخريب متعمد” متسائلة: “كيف لم يتخذ الحي إجراء في حينه؟”.

وتضيف: “مسؤولية الإبلاغ عن أعمال التخريب تقع على عاتق اللجان الدائمة في المحافظات. كما أن الجهاز يملك ضبطية قضائية للمخالفات في المباني التراثية”. لكنها تشير إلى حالات أخرى يمكن أن يُهدم فيها مبنى مسجل بناءً على حكم قضائي. وهي حالات استثنائية، وبعدها يخرج المبنى من التسجيل. مثل قرار حذف مبنى القنصلية الأمريكية في بورسعيد من سجلات الطراز المعماري المميز ثم هدمه عام 2017.

ولا ترى عضو مجلس إدارة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري أن تدهور حال المبنى بهدم شرفاته أو جدار من الغرف أو حاجته للترميم يمنع تسجيله كطراز معماري. وتقول:”المبنى يسجل كطراز معماري متميز في حالة أن يكون غير آيل للسقوط. أما في حال تدهوره وقدمه وحاجته للترميم، سواء الترميم المعماري أو الإنشائي، فلا يمنع التسجيل”. مضيفة “أحيانًا يكون المبنى به جدار متهدم ولكن قيمته كطراز معماري مميز أعلى”.

تُسجل المباني وفق قانون رقم 144 لسنة 2006 لتنظيم هدم المباني غير الآيلة للسقوط. وما به من بنود بما يسمح لشاغل المبنى أو العقار بتعديلات إذا تحول المبنى لعمل تجاري مثلًا، بشرط ألا يضر بطراز البناء أو يغير في شكله.

محاولات تسجيل قديمة 

يقول مصدر بديوان محافظة الإسماعيلية -فضل عدم ذكر اسمه-: “بدأ الاهتمام بتسجيل المباني ذات الطراز المعماري المميز في تسعينيات القرن الماضي. إلا أن جهود التسجيل انحصرت وقتها في حصر فيلات ومباني تملكها هيئة قناة السويس، التي تتولى الإشراف على صيانتها والحفاظ على طرازها المعماري حتى الآن”.

ويضيف: “حاولت إدارة التخطيط العمراني واللجنة الدائمة لحصر المباني ذات الطراز المعماري المتميز تسجيل مباني جديدة. وبخلاف المباني التسع المسجلة حديثا، هناك قائمة تضم 55 مبنى تحت الفحص. إلا أن تأخر عملية التسجيل دفع ملاك المباني الجدد إلى الهدم دون مشكلات من الإدارات الهندسية في الأحياء التي تتحمل مسؤولية حماية والتحرك تجاه حالات الهدم للمباني المسجلة أو الخاضعة للفحص قبل التسجيل”. موكدا: “يجب على الإدارة المحلية، متمثلة في حي أول التركيز على مخالفات التعامل مع المباني المسجلة حديثا كطراز معماري مميز. أو التي تخضع حاليا للفحص تمهيدا لتسجيلها ضمن سجل الطراز المعماري المتميز”.

القرار الأول

صدر القرار الأول رقم 854 لسنة 1998 بتشكيل لجنة حصر الفيلات التاريخية بالإسماعيلية. وحصرت اللجنة وقتها 149 منزلا ومبنى تابعين لهيئة قناة السويس، بنيت بطراز العمارة الاستوائية المعتمدة على الأخشاب والفرندات الواسعة. وتجدد قرار تشكيل اللجنة عام 2014 بأعضاء جدد، ليعد قائمة من 55 مبنى مازالت تحت الفحص الفني.

في بيان سابق للجهاز القومي للتنسيق الحضاري، صدر في مارس 2023، حددت لجنة حصر المباني بحث تسجيل 55 مبنى في سجلات المنشآت ذات الطراز المعماري المتميز بالإسماعيلية. دون تحديد عناوين أو أماكن هذه المباني. وبمراجعة قوائم التسجيل بمحافظة الإسماعيلية على الموقع الرسمي للجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وجدنا أن القسم المخصص للقوائم مازال تحت قيد تسجيل البيانات والتحديث.

بدأ عمل لجنة حصر المباني ذات الطراز المعماري المميز بالإسماعيلية بقرار رقم 845 لسنة 1998. واكتفى تقرير اللجنة وقتها بحصر مساكن وفيلات مسجلة كمباني ذات طراز معماري نادر تعود ملكيتها لهيئة قناة السويس. حيث بنيت مع نشأة المدينة للموظفين الفرنسيين بقناة السويس.

مباني الإسماعيلية

وتعرضت مباني الإسماعيلية التي بنيت مع نشأة المدينة لحملة هدم ما بين عامي 2013 و2015. ورُصد خلال بحث من أرشيف الأخبار المنشورة بصحف محلية مصرية أخبار عن هدم وإخلاء منازل بنيت قبل مائة عام، أو إخلائها من سكانها وغلقها. ما دعا محافظ الإسماعيلية وقتها اللواء ياسين طاهر لإصدار قرار رقم 263 لسنة 2015، نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ يوليو من نفس العام، بتحديد ارتفاعات المباني لخمسة أدوار فقط. وحظر إصدار تراخيص هدم إلا بالرجوع للجنة الدائمة لحصر المباني ذات الطراز المميز، الذي جدد قرار تشكيلها في العام ذاته.

اقرأ أيضا:

«الجبانات».. وقائع إبادة معلنة

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر