ثورة القوارير في السينما السعودية!
من لم يشاهد بعض الأفلام والمسلسلات السعودية التي صنعت خلال السنوات الماضية قد يتصور أن ما يطلق عليه “السينما السعودية” هو فقط هيئة الترفيه ومهرجانات المصارعة وحفلات مغنيي المهرجانات ومسرحيات وأفلام الكوميديا المصرية التي يستقبلها جمهور متعطش للرقص والضحك.
ومن المفارقات المحيرة أنه في الوقت الذي يقبل فيه الجمهور السعودي العريض على أكثر الأعمال المصرية “تجارية” و”شعبية”، بما في ذلك الأفلام التي شاركت جهات سعودية في تمويلها، وعلى سبيل المثال حقق فيلما “وقفة رجالة” و”مش أنا” إيرادات خيالية وغير مسبوقة من عرضهما في السعودية..وفي الوقت الذي يتسابق فيه “أساطين” الفن التجاري المصري من منتجين وموزعين وممثلين للحصول على قطعة كعك وبقعة عرض في المملكة، حتى يبدو الأمر وكأن الفن في مصر يقتصر على هؤلاء المنتجين والموزعين والممثلين ومنتجاتهم “الرخيصة فنيا”، فإن معظم الأفلام التي يصنعها شباب سعوديون تغرد في فضاء وسماء مختلفة تماما. تضع الجودة الفنية مثلا أعلى تسعى له، وتتخذ من الجدية سبيلا، ومن الجرأة شعارا.
انتصار الشابات
منذ أيام، انتهت الدورة الثامنة من “مهرجان أفلام السعودية” التي شهدت عرض ثمانين فيلما سعوديا جديدا منها إثنى عشر فيلما روائيا طويلا، حيث فاز فيلم “قوارير” بأربعة جوائز كبرى لأفضل فيلم طويل وسيناريو وتصوير وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لفريق الممثلين.
وفيلم “قوارير” الذي شهد عرضه العالمي الأول خلال مهرجان البحر الأحمر في ديسمبر الماضي هو نتاج مشاريع تخرج من مدرسة الفنون من جامعة عفت لعدد من السينمائيات الشابات، ويتكون من خمسة أفلام قصيرة لخمس مخرجات تدور حول “ثيمة” أو فكرة واحدة هي القهر الذي تتعرض له النساء، وهو يشبه في طريقة انتاجه وموضوعه فيلما آخر بعنوان “بلوغ” عرض خلال مهرجان القاهرة الماضي من صنع خمس مخرجات شابات أيضا.
“قوارير” تعبير بلاغي يشير إلى رقة وجمال الأنثى، يستخدم عادة في عبارة “رفقا بالقوارير”، وهي الفكرة التي تعزف عليها قصص الفيلم المختلفة.
تدور القصة الأولى (للمخرجة نورا المولد) حول فتاة تهوى الرسم وتسعى للمشاركة في مسابقة للمواهب تعقد في العاصمة، في الوقت الذي تنهار فيه حياتها العائلية بطلاق أبويها، وقرار أبيها بأن تبقى في حضانته، رافضا أن يسمح لها بالسفر أو ممارسة هوايتها، وعندما تحاول الفتاة التمرد بالهرب للذهاب إلى أمها تقضي ليلة موحشة تعيسة قبل أن يتم اعادتها إلى أبيها كسيرة في الصباح التالي.
**
تدور القصة الثانية (للمخرجة نور الأمين) في إطار أكثر تشويقا: أرملة شابة مات زوجها في ظروف غامضة خلال شهر العسل، الذي يبدو أنه كان مريرا، وخلال التحضير لطقوس تلقي العزاء وأثناء تواجدها في المنزل وحدها يزورها رجل لا تعرفه يصر على الدخول للبحث عن “أشياء” كانت بحوزة الفقيد لا نعرف ماهيتها، ولكن نشك في كونها ممنوعات، وفي اللحظة التي يبدو أن علاقة ما ستربط المرأة بالرجل تصل الحماة ثم المعزون ليبقى الرجل مختفيا تحت السرير إلى أن ينصرف الجميع!
في الحكاية الثالثة (للمخرجة رغيد النهدي) تبقى فتاة صغيرة حبيسة البيت مع أمها، فيما أبيها الذي يعمل معلما يقطن دورا علويا يتوافد عليه التلاميذ، فيما الفتاة محرومة ومتلهفة للتعليم، وحيدة، لا تتعلم سوى بعض النشاطات “النسائية” على يد أمها، مثل تنظيف الجسد جيدا واعداد الطعام.
**
في الحكاية الرابعة تجد فتاة شابة نفسها بين مفترقي طرق: أمها التقليدية التي تأتي لها بعريس صالونات يتقدم لخطبتها مع عائلته، وخالتها المتمردة التي يبدو أنها عاشت حياة غير خاضعة للتقاليد. في البداية تساير الفتاة التقاليد..إلى أن تكتشف أن العريس النموذجي الذي يتقدم لخطبتها مع عائلته يرغب في اصطحابها إلى بيت أحد أصدقاءه..فتدرك أن التقاليد تصبح خدعة كبيرة أحيانا!
الحكاية الخامسة (للمخرجة فاطمة الحازمي) تحمل صدمة أكبر: عائلة تقليدية نموذجية، تستعد فيها الابنة الأكبر للسفر إلى جدة لاستكمال دراستها، فيما تصر الأم على أن تقيم الفتاة في جدة مع خالها الطيب المحترم..هذا الخال الذي اعتدى على الفتاة في طفولتها، ولم يزل يحاول تكرار فعلته!
مفارقات رقابية
لحسن الحظ أن فيلم “قوارير” لم يتقدم بطلب للحصول على موافقة الرقابة المصرية، فقد كان سيرفض بحجة أنه يحتوي على “زنا محارم”، وهو ما يذكرني بمجموعة من الأفلام السعودية القصيرة من انتاج 2017، تعرض على منصة “نتفليكس” حاليا، بعنوان “قصص بشر” تحتوي على قصة حول فتاة تتعرض للاعتداء على يد أبيها، مثلما تعرضت أمها للشئ نفسه على يد الجد!
وبما أن الشئ بالشيء يذكر، فقد تذكرت أيضا قيام الرقابة المصرية بمنع عرض ثم تغيير أحداث مسلسل “دنيا” الذي عرض في رمضان الماضي بحجة أنه يحتوي على “زنا محارم” لإن بطلة المسلسل (ليلى علوي) اكتشفت أن زوجها على علاقة بأختها! المفارقة، كما قلت، محيرة!
اقرأ أيضا:
«سيدة من الجنة»: فيلم ينضح بالكراهية.. بدعوى التسامح!