تهمة ملفقة ألهمت سليم حسن التفرغ لمصر القديمة
كان ذلك عام 1936 عندما احتدم الخلاف بين الملك فاروق والأثاري سليم حسن، على خلفية رفض الثاني تسليم بعض المقتنيات الأثرية والتحف التي كانت تخص الملك فؤاد.
كان سليم حسن يشغل منصب وكيل عام مصلحة الآثار- آنذاك، وهو المنصب الذي ظل لعقود حكرا على الأجانب، ليصبح حسن أول مصري يشغل ذلك المنصب.
وبحسب كتاب “مأساة صنعت موسوعة” للكاتب محمد عبد الواحد، فإن الصراع حسم في النهاية لصالح الملك، وأحيل حسن إلى المعاش.
ورغم قسوة تلك التجربة، التي أنهت مشوار سليم حسن المهني، وحلم حفظ وصيانة الآثار المصرية من النهب والسرقة، إلاأنها أهلته ليتفرغ للبحث والكتابة، وينتج عشرات الكتب والأبحاث، كان أهمها وأشهرها موسوعة مصر القديمة.
من الكتّاب إلى المتحف
مختار السويفي يذكر في تصديريه لموسوعة سليم حسن، ذات الـ16 جزءًا، أن حسن أحد مواليد قرية ميت ناجي بمركز ميت غمر التابع لمحافظة الدقهلية، عام 1893، بينما يرجح محمد عبد الواحد في كتابه “مأساة صنعت موسوعة” أنه ولد في 15 أبريل عام 1886.
التحق سليم حسن بكُتّاب القرية منذ صغره، وقبل أن ينتقل إلى المدرسة يتوفى والده وتتولى والدته وأخته الكبرى رعايته، حتى حصل على البكالوريا عام 1909.
يلتحق بعدها بمدرسة المعلمين العليا بقسمها المستحدث في ذلك الوقت وهو قسم العلوم الأثرية، الذي أسسه الأثاري الكبير احمد كمال باشا، ويتتلمذ على يد أحمد كمال باشا ويحصل على دبلومه الدراسات الأثرية واللغة المصرية القديمة في عام 1912.
كان حلم العمل في المتحف المصري يراود حسن، فيتوسط له أحمد كمال باشا، لكن تفشل وساطته، فيتجه حسن للعمل مدرسا للتاريخ واللغة الإنجليزية متنقلًا بين القاهرة وأسيوط وطنطا.
يشير السويفي إلى أن تفوقه الواضح في مجال الدراسات التاريخية والأثرية حمل وزارة المعارف على تكليفه بوضع مناهج التاريخ في مختلف المراحل الدراسية بمصر، وظل حسن منهمكا في عمله، إلا أن حلمه بالعمل بالمتحف المصري لم ينقطع.
عام 1922 جاءت الفرصة لحسن، ليعين وكيلًا للمتحف المصري، ويجد نفسه هو وزميله محمود حمزة، المصريين الاثنين فقط بين الأجانب، ما جعلهما يواجهان صعوبات كثيرة في العمل أبسطها التجاهل.
مقالات نارية
ينتهز سليم حسن فرصة الاحتفال بمرور مائة عام على فك رموز حجر رشيد، ويستقل الباخرة على نفقته الخاصة مرافقا أستاذه كمال باشا متجها إلى فرنسا، في رحلة يجوب خلالها متاحف أوروبا، ويكتشف أن جل آثار مصر مسروقة ومعروضة في المتاحف الدولية.
بعد عودته إلى القاهرة يشرع في كتابة سلسلة من المقالات لجريدة الأهرام حول آثار مصر المنهوبة، ويصب جام غضبه على الفرنسيين والألمان والإنجليز، ويطالب بتحرك رسمي وشعبي لاستعادة ذلك الإرث المصري الخالص.
عاد حسن إلى مصر بدبلومتين في الآثار واللغة المصرية من النمسا وفرنسا، وعاد محملا بمسؤولية إنهاء الاحتكار الأجنبي للآثار المصرية.
أول وكيل لمصلحة الآثار
يعود حسن مرة أخرى إلى أوروبا، وتحديدا النمسا، وهناك يحصل على الدكتوراه في الآثار عام 1934، كما يلتحق بكلية الدراسات العليا في السوربون دارسا للغة المصرية القديمة، وبعد عودته إلى مصر يعين أستاذا لكرسي الآثار بجامعة الملك فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا).
وبحسب ما أورد محمد عبد الواحد ومختار السويفي فإن سلسلة المقالات التي كتبها حسن لجريدة الأهرام تحت عنوان “آثارنا في متاحف أوروبا” كان لها الفضل في أن تتجه أنظار الملك فؤاد إليه ويقرر في عام 1936 أن يعينه كأول مصري في منصب وكيل عام مصلحة الآثار، وهو الأمر الذي أثار غصب الكثيرين من المصريين والأجانب وراحوا يدسون له الدسائس محاولين إبعاده عن المنصب، وخصوصا لوضوح اتجاهه برفض سرقة وتهريب الآثار من خلال حملته الصحفية السابقة.
تهمة ملفقة
كتب الدكتور سليم حسن في مقدمة موسوعته اهدءا قال فيه “إلى الذين أرادوا الإساءة إلىّ فأحسنوا وباعدوا بيني وبين الوظيفة فقربوا بيني وبين الإنتاج وخدمة الوطن”، ويشير محمد عبد الواحد إلى أنه لما رفض سليم حسن إعادة مقتنيات الملك فؤاد لابنه فاروق لفقت له تهمة سرقة قطع أثرية من المتحف المصري بعد ثلاث سنوات من توليه المنصب في عام 1936، وبعدها أحيل للمعاش.
ويذكر محمد عبد الواحد ما نشره حسن في جريدة الأهرام عام 59 “لقد اتهمت في يوم من الأيام على يد فرنسي كان صديقا لفاروق، ويومها ظهر الحق وقدم النائب العام استقالته بسبب قضيتي.
دوره العلمي
وتذكر الباحثة الأثارية فاطمة كشك، التي عملت لفترة في مركز التوثيق الحضاري بمكتبة الإسكندرية أن المركز قام في عام 2016 بعمل فيلم تسجيلي حول إنجازات الدكتور سليم حسن العلمية، سواء على مستوى المؤلفات أو الحفائر والكشوف الأثرية.
تتابع أن الدكتور حسن يعد أول أثاري مصري يقوم بحفريات أثرية في مناطق الجيزة وسقارة والنوبة في الفترة بين 1929و1955، مخلفا أكثر من خمسين عملا علميا تنوعوا ما بين كتب وأبحاث ودراسات علمية، أشهرها موسوعة مصر القديمة والتي تقع في 16 جزءًا تتناول تاريخ وحضارة مصر بالتفصيل بدءا من عصور ما قبل التاريخ حتى نهاية العهد الروماني.
بالإضافة إلى كتابه الأدب المصري القديم، الذي يعتبر أهم المراجع في دراسة أصول اللغة المصرية وفلسفتها، وتحليل النصوص الأدبية الفرعونية.
وتتابع أنه في مجال الحفريات كان حسن من أوائل من قاموا بحفريات في مناطق الجيزة وسقارة، ويرجع له الفضل في اكتشاف ما يقرب من 171 مقبرة، أشهرها مقبرة (رع ور) بمنطقة أبي الهول ومقبرة الملكة خنتكاوس بالجيزة، كما امتد نشاطه إلى منطقة النوبة، حيث شارك الأثاري لبيب حبشي في كشوف بلانة وقسطل.
وفي أواخر حياة الأثاري الكبير كلفه الرئيس عبدالناصر بكتابة موسوعة عن النيل وأرسله ضمن بعثة خارج مصر لهذا الغرض، لكنه توفى قبل أن يشرع في كتابتها.
تكريم متأخر
وبحسب محمد عبد الواحد فإن أكاديمية العلوم العليا بـ”نيويورك” أرسلت هذا الخطاب للدكتور سليم حسن جاء فيه “الدكتور سليم حسن… اعترافا منا بما لاسمك من مكانة علمية في ميدان دراسة الآثار، وتقديرا لجهودك الرائعة وأعمالك المتواصلة في خدمة العلم، فإنه يسرنا أن نختارك عضوًا بأكاديمية العلوم العليا بنيويورك”.
يشير عبد الواحد إلى أن الأكاديمية لم تتلق ردا من سليم حسن، لأن الخطاب وصل متأخرًا، ومات سليم حسن فجر يوم 30 سبتمبر عام 1961.
- مأساة صنعت موسوعة- محمد عبد الواحد- مكتبة مدبولي
- موسوعة مصر القديمة- تأليف الدكتور سليم حسن – مهرجان ا لقراءة للجميع 2002.
- فيلم تسجيلي من إنتاج مركز توثيق التراث الحضاري التابع لمكتبة الإسكندرية.
تعليق واحد