تهريب المخطوطات القبطية: الطريق إلى الحلم الأمريكي

«مخطوط قبطي مصري للبيع يتجاوز عمره 200 عام»، كان هذا إعلانا نشره بائع كتب مصري على الإنترنت، لبيع مخطوط قبطي بمبلغ 5 آلاف جنيها. تعامل البائع بهويته الحقيقية مع المشترين المحتملين في ظل القوانين المشددة لتجريم بيع الآثار في مصر، على عكس المخطوطات.. مما يطرح السؤال: هل هناك قانون يجرم بيع المخطوطات التراثية؟

بيع مخطوط قبطي على الإنترنت

فحص د. عاطف نجيب، أستاذ القبطيات بكلية الآثار جامعة القاهرة، المخطوط المعروض للبيع. ويقول لـ«باب مصر»: “إنه مخطوط غير نادر، ويوجد عشرات الأشخاص من الأقباط أفرادا وهيئات لديهم الكثير منه”. مشيرا إلى أن وجود أعداد كبيرة منه لا ينفي تجريم بيعه وبيع أي شيء أثري غير مسجل.

“هل يعد المخطوط القبطي أثر أم تراث؟”، يجيب د. عاطف نجيب، موضحا أن أي مخطوط قبطي أثر بحكم القانون لسنة 1883م، وفي حالة المخطوط المعروض للبيع فإنه مؤرخ لعام 1820م.

فيما عرضنا المخطوط على د. إبراهيم ساويرس، أستاذ اللغة القبطية وآدابها بكلية الآثار، أيضا لفحصه، استدل على تاريخه من اللغة والشكل. ويقول إنه حديث من القرن التاسع عشر، وهو مخطوط «اجبيه» وهو كتاب وعي معروف في الكنيسة القبطية ويستخدم في الصلوات.

ويتابع ساويرس في تصريحات خاصة لـ«باب مصر»: يُرِجح أن يكون المخطوط قد كُتب في سوهاج بصعيد مصر. متطرقا إلى إشكالية أخرى وهي إذا كان مخطوط أثري أو منسوخ. ويوضح: “لا يوجد ما يُسمى بالمنسوخ، كل ما خُط باليد هو مخطوط ويتم نسخه من بعض. لأن ببساطة أول نسخة للمؤلف ليست موجودة. وكل ما تلاها هو مخطوط، ومصطلح منسوخ يعد تعبير خاطئ”.

لماذا لا تُسجل المخطوطات القبطية كأثر؟

بالطبع لكل مخطوط أهمية تاريخية، لأنه شاهد على شيء معين، إما المكان الذي كُتب فيه أو لغة كاتبيه، ويعد دليلا على توثيق المكان والناس واللغة. ولكن  لا ينطبق قانون حماية الآثار على المخطوطات. وإنما هناك قانون آخر ينظم ويحمى المخطوطات هو القانون «رقم 8 لسنة 2009 بشأن حماية المخطوطات».

حيث ينص القانون أن المخطوط هو «كل ما دون بخط اليد قبل عصر الطباعة أيًا كانت هيئته أو مادته، متي كان يشكل إبداعًا فكريًا أو فنيًا أيًا كان نوعه، أو يتعلق بأمور ذات طابع عسكري».

وعن بيع المخطوطات القبطية، يوضح ساويرس: “ينص قانون الآثار على أن الأثر هو ما تخطى عمره المائة عام، نظريا، تعتبر المخطوطات القبطية أثرية، لكن طالما ليست مسجلة ولا تحمل رقم تابع لوزارة الآثار فلا تعد أثرا. ومع ذلك هذا الأمر ليس دقيقا، لأن جميع الدلائل تشير إلى أنها أثرا، بدليل أن بائع المخطوطات لا يبيعها كأي مستند ورقي عادي، بل يطلب فيها مبلغا كبيرا لأنه يعلم قيمتها الأثرية”. مشيرا إلى أن الأوضاع الحالية تُظهر أن المخطوطات القبطية، التي تمثل جزءًا هامًا من التراث الثقافي والتاريخ المصري، تُباع الآن في أماكن مختلفة.

وقارن بين بيع المخطوط بما حدث في يونيو الماضي عندما بيع مخطوط قبطي مصري في دار مزادات عالمية. يُفترض أن تُعامل هذه المخطوطات بنفس أهمية الآثار المصرية القديمة.

لكن التساؤل الملح بالنسبة لأستاذ اللغة القبطية هو: “لماذا يمرر عمليات بيع المخطوطات القبطية مرور الكرام، دون أن يتحرك أحد من المسؤولين لاستردادها؟ لقد تكرر هذا الأمر عدة مرات، وفي كل مرة يتم فيها بيع مخطوط قبطي قديم، لا نجد أي تحرك من الجهات المعنية”.

تجريم الاتجار بالمخطوطات القبطية

يشير د. ساويرس إلى أن بيع المخطوطات القبطية الأثرية على مواقع التواصل الاجتماعي يحدث بدون خوف من العقوبات. ويعتقد أنه من السهل على الجهات المختصة تتبع حسابات مواقع التواصل الاجتماعي والوصول إلى أصحابها، وبالتالي مواجهة هذه العصابات.

وفيما يتعلق بتشريعات تجريم الاتجار بالآثار، يوضح أن بعض المخطوطات قد تحمل مسار ملكية يعود إلى ما قبل عام 1983،أي  تاريخ إصدار قانون تجريم الآثار، وبالتالي قد لا يكون بيعها مجرماً.

ويطرح د. ساويرس تساؤلاً: “هل بذلنا الجهود الكافية للتحقق من صحة البيانات والمعلومات المستخدمة في المزادات العالمية؟”. ويضيف: “لنفترض أن هناك تمثالًا شهيرًا من مصر القديمة، ولديه قصة ملكية. عند التدقيق، قد يتضح أن القصة مزيفة، ويجب أن نسعى لاسترداد القطع الأثرية التي يتم تداولها بطرق غير مشروعة”.

 فحص المخطوطات القبطية

يُعد فحص كل مخطوطة قبطية معروضة للبيع أمرًا هاما للتأكد من مسارها التاريخي وأوراق ملكيتها. المخطوطات القبطية المصرية، كغيرها من المخطوطات التاريخية، تحمل قيمة كبيرة تعكس تطور فن الكتابة لدى الأقباط، الذين ورثوا هذا الفن من أجدادهم المصريين القدماء.

كان المصريون القدماء مهرة في الكتابة، وطوّروها من الهيروغليفية إلى الهيراطيقية ثم الديموطيقية، مستفيدين من الكتابة كفن وأداة توثيق. وقد سار الأقباط على نفس النهج، حيث قاموا بترجمة العهد الجديد من اليونانية إلى القبطية، وابتكروا المجلدات التي نطلق عليها اليوم اسم “الكتب”. هذه المجلدات كانت تجمع نصوص العهد الجديد بشكل متكامل، وابتكروا أغلفة الكتب باستخدام الخشب وأحيانًا الجلد لضمان دوام الكتب لفترة أطول.

تحتوي مجموعات مثل “مجموعة نجع حمادي” على مخطوطات باللغة القبطية تعود إلى القرن الرابع، وغالبًا ما تكون هذه المخطوطات خارج مصر حاليًا. وبعد أن تعلم الأقباط اللغة العربية، بدأوا في ترجمة نصوصهم والكتاب المقدس إلى العربية، وأضافوا زخارف جديدة على المخطوطات، مما جعلها تجسد الفن والتصميم الحديث لتجليد الكتب. من القرن الحادي عشر فصاعدًا، بدأ الأقباط في الكتابة بالعربية، وكان إنتاجهم غزيرًا ومرتبطًا بمراكز المسيحية الدينية. ومع ذلك، تواجه المخطوطات القبطية اليوم مشكلة كبيرة في عدم توفرها في مكان واحد.

 المخطوطات القبطية.. مسؤولية من؟

لا يقتصر وجود المخطوطات القبطية في مكان واحد، إذ تمتلك بعض الأسر مخطوطات قبطية مسجلة آثار، وأخرى تمتلكها وتقوم ببيعها عبر الإنترنت، ويوجد مخطوطات في الأديرة والكنائس، وأخرى اختفت في الأديرة القديمة تحت الرمال.

تتجاوز القضية مسؤولية جهة واحدة. ويقول د. ساويرس: “للأسف، لا تزال دراسة المخطوطات القبطية في مصر غير متقدمة بما يكفي، ومن الضروري رفع الوعي بأهمية هذه المخطوطات لتاريخنا وحضارتنا واعتقاداتنا الدينية. عندما يدرك الناس أهمية هذه المخطوطات، ستزيد جهود الحفاظ عليها، وعند عرض أي مخطوط للبيع، سيتحرك الأفراد لإعادته إلى الدولة”.

ويرى أن التوعية تلعب دورًا حاسمًا في هذا الصدد، لكن هناك حاجة أيضًا إلى تعزيز جوانب الحضارة المصرية من خلال تدريس المخطوطات القبطية في الجامعات، وفي حال الإمكان في المدارس الثانوية، بالإضافة إلى تنظيم محاضرات عامة. هذا سيساهم في جعل اهتمام الناس بالمخطوطات أمرًا طبيعيًا.

ويضيف: أما في حالة أن المخطوط يُعتبر إرثًا عائليًا، فإن القانون الحالي للآثار يسمح لأصحاب الآثار، الذين كانوا يمتلكونها قبل إصدار القانون، بالاحتفاظ بها وتسجيلها. على سبيل المثال، تمتلك عائلة سراج الدين آثارًا مورثة من أجدادهم، وهي مسجلة لدى وزارة السياحة والآثار.

ويمكن للوزارة إرسال مفتش آثار للتأكد من وضعها، لكنها تبقى في حيازة العائلة. أما المخطوطات التي تحتفظ بها الأديرة، فهي كذلك تحت حيازتها، لكن المخطوطات التي تُباع وتُشترى خارج المنظومة الرسمية تظل مشكلة. يمكن أن يثبت صاحب المخطوط أنه إرث عائلي، مما يمنعه من بيعه، ولكن متابعة المخطوطات الفردية قد تكون صعبة، حيث لا يمكن العثور على مخطوط واحد بمفرده دون أن يكون جزءًا من مجموعة أكبر.

 التنقيب غير الشرعي: تحديات وحلول

تمثل المخطوطات القديمة التي يتم اكتشافها عبر عمليات تنقيب غير شرعية مصدر قلق كبير. خاصةً عندما تأتي من مناطق تاريخية نادرة. في مصر، هناك العديد من الأديرة القديمة التي أصبحت الآن مدفونة وغير موجودة على سطح الأرض. خصوصًا في المناطق القريبة من الصعيد، مثل المنيا وأسيوط. بالإضافة إلى الأماكن البعيدة عن الأديرة الشهيرة في وادي النطرون.

تتمتع هذه المناطق الصحراوية الشاسعة بصعوبة الوصول إليها،.مما يجعلها أقل جذبًا للمنقبين مقارنةً بالمواقع الأثرية الفرعونية المعروفة. ومع ذلك، تظل عمليات التنقيب غير الشرعي قائمة. ويزيد من تعقيد الأمر إمكانية بيع المخطوطات القديمة على الإنترنت بأسعار مرتفعة. مما يشجع بعض الأفراد على التوجه إلى هذه المناطق النائية للبحث عن مخطوطات أخرى لبيعها.

ويستكمل د. إبراهيم ساويرس: “البيع الإلكتروني لهذه المخطوطات يعزز من القيمة السوقية لتلك المكتشفات. مما يشجع على زيادة الأنشطة غير المشروعة سواء عبر التنقيب غير القانوني أو من خلال عمليات الشراء والبيع غير الرسمية”.

قطعة مباعة من الإنجيل في مزاد علني الإنترنت واقتنتها مجموعة جرين
قطعة مباعة من الإنجيل في مزاد علني الإنترنت واقتنتها مجموعة جرين
مسار المخطوطات القبطية المصرية؟

أين تذهب هذه المخطوطات؟ ومن يكون حريصا على جمع كل المخطوطات القبطية المصرية، حتى وإن كانت ورقات منفصلة وشظايا صغيرة؟ للإجابة على هذا السؤال، سنعود إلى عام 2014، حين نظّم الفاتيكان معرضاً بارزاً للقطع الأثرية التوراتية تحت عنوان “كلمة الرب”، والذي أثار ضجة كبيرة. ضم المعرض قطعاً من مجموعة «جرين»، التي جمعها مالكو شركة “هوبي لوبي”.

شمل المعرض مجموعة متنوعة من القطع الأثرية، بدءا من أجزاء نادرة من مخطوطات البحر الميت ونسخة الملك جيمس الأولى من الكتاب المقدس، وصولا إلى مخطوطات مصرية قديمة لم يسبق رؤيتها من قبل.

من بين المائتي قطعة أثرية المعروضة، كانت هناك قطعة من ورق البردي من العهد الجديد. رغم أن حوافها كانت مهترئة، إلا أن النص المكتوب عليها، والذي ينتمي إلى الفصل الثاني من سفر غلاطية، كان واضحاً وقابلاً للقراءة. النص مكتوب باللغة القبطية، ويرجع المخطوط إلى مصر أواخر العصور القديمة. على الرغم من حجمه الصغير، الذي لا يتجاوز أربع بوصات في أربع بوصات، لفتت هذه البردية انتباه روبرتا مازا، عالمة البرديات من جامعة مانشستر.

ورغم أن المعرض كان أول ظهور علني لهذه البردية، فقد شاهدتها “مازا” مسبقاً عندما كانت معروضة للبيع على موقع إيباي قبل 10 أعوام، تحديدا في أكتوبر 2012، حين عرض تاجر تركي تحت اسم “MixAntik” بردية قبطية مجهولة على موقع مزاد عبر الإنترنت. كانت هذه البردية واحدة من العديد من القطع التي قام التاجر ببيعها، وكان سعر البردية 14 ألف دولار.

رسالة غلاطية

حدد برايس جونز، عالم البرديات الأميركي، النص باعتباره جزءا من رسالة غلاطية. ويقول لـ«باب مصر»: “حين سألت عن المزيد من التفاصيل، قيل لي إن البردية جاءت من مصر. ومن هنا بدأت الشكوك لأن تركيا ومصر تفرضان قوانين صارمة على تصدير التحف الثقافية، مما يجعل بيع البردية على موقع ميكس أنتيك، يبدو غير قانوني.

كانت شكوكه و روبرتا سببا في بدء الجدل الداخلي بمؤسسة “جرين”. وتوضح جوزفين درو، أمينة البرديات لمجموعة جرين في ذلك الوقت، أن المجموعة لم تشتري البردية من موقع إيباي، بل تم شراؤها بشكل قانوني من تاجر موثوق في لندن عام 2013.

وتقول لـ”باب مصر”: “تتبع المخطوطة مجموعة كبيرة من البرديات بيعت في دار كريستيز في نوفمبر 2011، وكان لهذه المجموعة أصل واضح، وكانت جزءاً من مجموعة تُعرف بمجموعة روبنسون، التي تبرع بجزء منها لجامعة ميسيسيبي في عام 1955، قبل تطبيق لوائح اليونسكو”.

بيع مخطوطة قبطية مصرية في مزاد على الإنترنت عام 2013 – بواسطة البائع ميكس أنتيك
بيع مخطوطة قبطية مصرية في مزاد على الإنترنت عام 2013 – بواسطة البائع ميكس أنتيك
حلم أمريكا لتصبح دولة الكتاب المقدس

ورغم أن ظهور البردية على موقع إيباي كان صعب التفسير، لم تكن هناك مشكلة قانونية متعلقة بمصدرها. لكنها تثير شكوكا حول صلتها بالإعلان على “إيباي”. كما يطرح سؤالا آخر حول كيفية انتقال المخطوط من مزاد كريستيز في لندن عام 2011 إلى عرضه للبيع عبر الإنترنت في تركيا من قبل تاجر معروف بتجارة التحف غير المشروعة. قبل أن تشتريه مجموعة جرين من تاجرها في عام 2013؟

وإذا كانت جزءا من عملية بيع قانونية في كريستيز، فقد اختفى المصدر المؤكد للقطعة من قبل البائع عبر الإنترنت “ميكس أنتيك”، الذي ادعى أنها خرجت من مصر. وفي الوقت نفسه، تباع الآثار غير المشروعة عادةً بأسعار أقل بكثير من تلك التي لها مصادر قانونية.

اختفاء “ميكس أنتيك” بائع الآثار المجهول

واختفى “ميكس أنتيك”، بائع الآثار المجهول المقيم في إسطنبول، منذ فترة طويلة بعد أن بدأت دوروثي كينج التحقيق في مصدر المخطوطات القبطية التي كان يبيعها. ومن بين القطع المثيرة للجدل التي عرضها “ميكس أنتيك”، كانت قطعة نادرة من البردي المصري اليوناني القبطي الروماني، والتي اشتراها مشتري باسم “guitarsandantiques” بسعر 282 دولارًا فقط.

اتبع البائع طريقة غريبة للبيع عبر تفكيك وقطع المخطوطة إلى أجزاء لتحقيق ربح أعلى، مما جعل من المستحيل تجميعها ودراستها كاملةً. قامت الدكتورة روبرتا مازا بفحص قطعة البردي من خلال الصور التي تلقتها، وتوصلت إلى أن تاريخها يعود إلى القرنين الخامس والسادس الميلاديين. ووجدت أن القطعة التي تحمل رقم (GC.MS.000462) تحتوي على أسطر من رسالة غلاطية باللغة القبطية الصعيدية.

وفي عام 2012، عرض البائع نفس القطعة للبيع على موقع “إيباي” بسعر 14,000 دولار. لاحظ برايس جونز في مقال له بعنوان “قطعة بردية قبطية من العهد الجديد (غلاطية 2) للبيع على موقع إيباي”، أن هذه ليست جزءا من مجموعة قديمة تم شراؤها من دار مزادات كبيرة في لندن، بل كانت تُباع كأثر حديث، مما دفع دوروثي كينج لمناقشة “المخطوطات المشبوهة”، في 14 ديسمبر 2012.

مزادات مشبوهة 

هذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها البائع الغامض جدلا بسبب اقتنائه كميات كبيرة من المخطوطات القبطية المصرية. فقد ادعى أنه في 28 نوفمبر 2011، اشترى من مزاد في لندن 59 قطعة من شظايا المخطوطات القبطية المصرية. تتفاوت أحجامها بين 20×45 ملم  و300×100 ملم، مقابل 7500 جنيه إسترليني. ثم يتضح من الصورة المعروضة للبيع أنه باع شظية واحدة بعد 13 شهرا مقابل 14 ألف دولار. ولم يعرض في الإعلان بيانات رخصة التصدير القانونية.

في 26 نوفمبر 2014، تم الإعلان عن قطعة من رسالة إلى أهل غلاطية  باللغة القبطية على موقع eBay. وفي عام 2013، اشترى ستيفن جرين قطعة البردية القبطية من رسالة غلاطية 2 (GC.MS.000462) من تاجر موثوق. تشير أرشيفات متحف الكتاب المقدس لمجموعة جرين إلى أن هذا المخطوط كانت جزءًا من مجموعة برديات ديفيد روبنسون. التي بيعت في مزاد كريستيز بلندن في نوفمبر 2011.

ولكن الوثائق المتاحة لا توضح ما حدث للمخطوطة بين نوفمبر 2011 وأكتوبر 2012. عندما ظهرت على موقع eBay، ولا كيفية انتقالها من موقع eBay إلى التاجر الذي باعها لجرين. التاجر الموثوق الذي قام بالبيع هو الوحيد القادر على توضيح كيفية ظهور البردية. التي تم الحصول عليها بشكل قانوني في مزاد كريستيز، على موقع eBay في تركيا في تلك الفترة. ومع ذلك، تظل هويته غير معلنة.

4 مخطوطات مسيحية مصرية تم بيعها بموقع لايف أوكيشنز
4 مخطوطات مسيحية مصرية تم بيعها بموقع لايف أوكيشنز
أصل النص القبطي

في كتاب «أمة الكتاب المقدس: الولايات المتحدة الأمريكية للهوبي لوبي» لكانديدا موس  وجويل بادن، والصادر في أكتوبر 2017، قال كريستيان آسكيلاند، عالم البرديات الرئيسي الذي وظفه جرين لدراسة مخطوطاتهم القبطية، عن أصل هذا النص القبطي، إن “ميكس أنتيك” أنكر كان لديه المخطوط لبيعه، واقترح بدلاً من ذلك أنه كان لديه صورة له، ربما من أجل الاحتيال على مشتري.

ويتابع الكتاب، أن آسكيلاند اعترف بأن عملية البيع التي تمت على موقع إيباي كانت مشكلة لابد من التعامل معها. ولكن ديفيد تروبيش، مدير مجموعة جرين، وصف عملية البيع على موقع إيباي بأنها “غريبة”.

مجموعة “روبنسون” التي يُشار إلى أن المخطوطة منها، تم توثيق محتوياتها بدقة، مرة في عام 1961، وأخرى في قائمة كريستيز للمزادات في عام 2011. وفي كلتا المرتين، لم يُذكر أن المخطوطة كانت من مجموعة روبنسون.

دليل آخر يشير إلى أن المخطوطة لم تُذكر ضمن قطع مجموعة روبنسون عندما تم التبرع بها لجامعة ولاية ميسيسيبي. ومنذ ذلك الوقت لم تذكر المخطوطة ضمن مجموعاتها. وقد بيعت بردية غلاطية بأكملها في كريستيز مقابل 11610 دولارات. بينما تم إدراج جزء غلاطية وحده على موقع eBay مقابل 14000 دولار.

هوبي لوبي والمتحف المقدس

بالعودة إلى مخطوط “غلاطية” الذي ترجع عملية شراؤه في عام 2013،  يحتمل أن يكون كاري سامرز، رئيس متحف الكتاب المقدس. هو من قاد عملية الشراء خلال الفترة بين مغادرة سكوت كارول، عالم العهد الجديد، في عام 2012 ووصول تروبيش في عام 2014. كان كاري سامرز حينها مسؤولا عن المجموعة. حيث قدم خيارات الاستحواذ للعائلة وتفاوض على شروط البيع. ومع ذلك، عندما سُئل عن بردية غلاطية، أشار سامرز إلى أنه لا يتذكر تفاصيلها تماما قائلاً: “أعتقد أن سكوت كان قد بدأ هذا الأمر منذ فترة”.

وفي الوقت نفسه أنكر كارول أنه رأى البردية من قبل، إذ ظهرت على موقع إيباي قبل مغادرته لمجموعة جرين كوليكشن بأسابيع قليلة.

تقتني مؤسسة “هوبي لوبي” وجماعة “جرين” أكثر من 40 ألف مخطوطة وشظايا من مخطوطات أصلية، والكم الأكبر منها من مصر. ورغم استرداد مصر 5000 بردية منها، إلا أن باقي المخطوطات لم تخضع للدراسة بعد. وتواجدت القطع المصرية المُستردة في متحف “الكتاب المقدس”. وطلب المسؤولون فيه من د. عاطف نجيب ود. إبراهيم ساويرس دراستها قبل 4 سنوات. وعند فحصها تبين أنها بدون أوراق ملكية، وسرعان ما تواصلوا مع وزارة الآثار والخارجية للمطالبة باستردادها.

وبخلاف هذه القطعة، يتضح أن طموح مجموعة “هوبي لوبي” في شراء المخطوطات القبطية المصرية من المزادات على الإنترنت قد تجاوز إلى ما هو أبعد من ذلك. حيث تجلى في محاولات لسرقة هذه القطع من أماكن حفظها الرسمية في الجمعيات والمتاحف. لتحقيق هذا الهدف، تعاونوا مع أكاديميين ومشرفين في مجال حفظ الآثار.

سكوت كارول، ديرك أوبينك، وجيري باتينجال
سكوت كارول، ديرك أوبينك، وجيري باتينجال
ديرك أوبينك

من بين الأسماء التي أثيرت حولها العديد من الشكوك، يبرز اسم “ديرك أوبينك”، الأستاذ المشارك في جامعة أكسفورد. وفقًا لكانيدا موس، أستاذة اللاهوت في جامعة برمنجهام، فقد حصل أوبينك على ملايين الدولارات لتمويل ترميم المخطوطات.

في عام 2011، استقبل أوبينك الدكتور سكوت كارول والدكتور جيري باتينجال. وهما زوار أميركيان من عائلة جرين، المعروفة بثروتها بفضل سلسلة متاجر “هوبي لوبي”. كانت العائلة تستعد لافتتاح متحف الكتاب المقدس في واشنطن العاصمة، والذي بدأ تشغيله في عام 2017. كان كارول يشغل منصب مدير المتحف في ذلك الوقت. بينما كان باتينجال يقود مبادرة العلماء المرتبطة بالعائلة، والتي كانت تقدم فرصًا للبحث في مجموعة جرين. بين عامي 2009 و2012، أنفقت العائلة حوالي 70 مليون دولار على نحو 55 ألف قطعة أثرية، بما في ذلك التوراة ومخطوطات بردي للعهد الجديد.

عرض أوبينك على كارول وباتينجال أربع قطع من ورق البردي. واحدة من كل إنجيل. أخبرهما أن ثلاثًا من هذه القطع تعود إلى القرن الثاني الميلادي. لكن المخطوطة الرابعة، وهي قطعة صغيرة من إنجيل مرقس، كانت أقدم بكثير. ويعتقد أنها تعود إلى القرن الأول الميلادي، مما يجعلها أقدم مخطوطة باقية للعهد الجديد.

أثارت هذه القطعة حماس كارول بشكل كبير. ورغم أن الصفقة لم تكتمل في ذلك الوقت، تم بيع القطع لاحقًا إلى عائلة جرين بعد مغادرة كارول لمنصبه في عام 2012. يظهر اسم أوبينك وتوقيعه على اتفاقية شراء مع شركة “هوبي لوبي” بتاريخ 4 فبراير 2013.

كتاب BIBLE NATION
كتاب BIBLE NATION
مجموعة أوكسيرينخوس المنهوبة 

ومع ذلك، تكمن المشكلة في أن هذه القطع، إذا كانت الاتفاقية صحيحة، لم تكن ملكًا لأوبينك لبيعها. بل كانت جزءًا من مجموعة أوكسيرينخوس من البرديات القديمة التي تملكها جمعية استكشاف مصر وموجودة في مكتبة ساكلر بأكسفورد.

في عام 2020، كشفت التحقيقات عن بيع ثلاثة عشر قطعة إضافية من مجموعة أوكسيرينخوس إلى عائلة جرين. من بين هذه القطع، تم بيع 11 قطعة بواسطة الدكتور ديرك أوبينك في عام 2010، بينما بيعت القطعتان المتبقيتان من خلال تاجر آثار مقيم في القدس، وهو شركة بايدون وأبناؤه.

عُثر على ست قطع أخرى من مجموعة أوكسيرينخوس في حوزة جامع أميركي آخر يدعى أندرو ستيمر. وتشير المصادر إلى أنه حصل عليها بوثائق مصدر كاملة، رغم أن بعض الأجزاء ثبت لاحقًا أنها مزورة. التاجر الذي باعها لستيمر زعم أن القطع جاءت من مجموعة محمود إلدر، الشريك التجاري السابق لأوبينك.

اختفاء 120 قطعة من مجموعة أوكسيرينخوس

تقدر هيئة علم البرديات الأوروبية أن 120 قطعة من مجموعة أوكسيرينخوس قد اختفت على مدار السنوات العشر الماضية. تم الإبلاغ عن السرقات المزعومة إلى شرطة وادي التيمز في الثاني عشر من نوفمبر، ولكن حتى الآن، لم يتم القبض على أي شخص أو توجيه اتهامات له.

تعد مجموعة أوكسيرينخوس من بين أهم مجموعات المخطوطات المصرية القديمة، التي أحدثت ثورة في معرفتنا بالعالم اليوناني الروماني. اكتشفت هذه البرديات في مصر منذ عام 1896 على يد علماء الكلاسيكيات في أكسفورد، برنارد جرينفيل وآرثر هانت. الذين عثروا على مكبات قمامة في قرية البهنسا، موقع مدينة أوكسيرينخوس القديمة التي أسسها الإسكندر الأكبر بعد غزو مصر عام 332 قبل الميلاد.

احتوت هذه المكبات على كنز من البرديات التي نجت بفضل المناخ الجاف، مع نصوص تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وفي ظل الظروف الاستعمارية في ذلك الوقت، أصبحت الأجزاء ملكًا لصندوق استكشاف مصر، وتم نقلها إلى أكسفورد، حيث بقيت محفوظة لسنوات في صناديق ضمن غرفتي غرينفيل وهانت في كوينز كوليدج في أكسفورد.

على الرغم من أن مشروع أوكسيرينخوس ليس سرياً، إلا أن الوصول إليه كان محصوراً بثلاثة أشخاص فقط. وحتى عام 2016، كان الدكتور ديرك أوبينك واحداً من هؤلاء الثلاثة، مما منحه إمكانية الوصول إلى المجموعة على مدار الساعة.

لكن عندما أعلنت هيئة الآثار الأوروبية أن بطاقات الفهرس والصور اختفت مع العديد من القطع المفقودة، بدأت أبعاد الجريمة المزعومة تتكشف. يبدو أن من ارتكبوا السرقة حاولوا محو أي أثر يربطهم بالمخطوطات المفقودة، في محاولة لإخفاء الجريمة. وقالت كانديدا موس: “تدمير سجلات الفهرس هو تصرف غير منطقي، إنه أمر مدهش وغير معقول”.

في متحف الكتاب المقدس، يعتقد مايكل هولمز، مدير مبادرة علماء “جرين” منذ عام 2015، أن المخطوط يعود إليهم، وليس إلى جمعية علماء الأرض المقدسة. وقد اشترت شركة هوبي لوبي القطعة ودفعت ثمنها، ثم تبرعت بها للمتحف. ومع أن لديهم الوثائق التي تثبت ذلك، إلا أنه يفترض أنها ليست القطعة نفسها التي فقدت.

جمع تبرعات لدعم الآثار المصري

كانت المخطوطات المسيحية المصرية، محل اهتمام الغرب. حيث أدركت جمعية القديس شنودة بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية، أهمية اقتناء هذه المخطوطات. ليس فقط لقيمتها التعليمية، ولكن أيضًا لحمايتها من التأثير السلبي لبيعها لهواة جمع التحف. خاصة أن بيع هذه المخطوطات بطرق غير شرعية، مثل تقطيعها وبيعها بالصفحة لتحقيق أقصى قدر من الربح المالي. يؤثر بشكل كبير على توافرها للبحث العلمي وللمجتمع القبطي.

دشنت الجمعية مشروعا للحفاظ على كنوز التراث القبطي المصري ودعم مشروعها من خلال التبرعات. وقد أطلقت الجمعية حملة خاصة لجمع التبرعات لشراء مخطوطتين قبطيتين من مصر.

اقرأ أيضا:

فك رموز معبد «سوليب»: اكتشافات أثرية جديدة في أسوان| خاص

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر