تجاهلوا الخطابات الرسمية وعطلوا اللجان| بالمستندات.. الآثار ترفض تسجيل مقابر «باب النصر»

حصل «باب مصر» على مستندات رسمية من داخل إدارات المجلس الأعلى للآثار، تفيد بمسؤولية وزارة الآثار عن السماح بهدم مقابر باب النصر التاريخية.

فمؤخرًا، عادت قضية مقابر «باب النصر» التاريخية إلى الواجهة بعد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورًا تشير إلى استكمال أعمال الهدم تمهيدًا لبناء جراج للسيارات ومطاعم في موقع المقابر التاريخية.

الأمر الذي دفع الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، للتحدث عن الأمر في تصريح مقتضب، لم ينف فيه ما تم تداوله بين المهتمين بتراث مدينة القاهرة، لكنه، في المقابل، رفض اعتبار ما يحدث أعمال إزالة، بل وصفه بعمليات «نقل» للمقابر. كما أشار إلى أن مقابر باب النصر ليست تراثية، على حد وصفه.

وأوضح في حديثه أن مساحة مقابر «باب النصر» لا تتجاوز المائة متر مربع. مشيرا إلى أن عمليات النقل تتم بمعرفة الأهالي، إذ أوضح أنه جرى توفير مقابر بديلة بمنطقة العاشر من رمضان.

في المقابل، التزمت القيادات الجديدة داخل وزارة الآثار الصمت طوال الفترة الماضية، علما بأنه تم استبدال معظم قيادات الصف الأول في الوزارة عقب استبعاد الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار، وتعيين محمد إسماعيل بدلًا عنه. وقد تجاهلوا عمليات الهدم بدعوى أن مقابر «باب النصر» غير مسجلة ضمن سجلات وزارة الآثار.

تسلسل الأحداث

وفقًا للمستندات، رفضت -القيادات الجديدة- تسجيل المقابر التاريخية. وذلك من خلال تعطيل اللجان الرسمية لحين اكتمال عمليات الهدم؛ لضمان عدم تسجيلها. وبالتالي السماح بإقامة المشروع الجديد المزمع تنفيذه خلال الفترة المقبلة.

وتشير المستندات إلى أنه بتاريخ 7 فبراير 2024، أصدر الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار، قرارًا بتشكيل لجنة لدراسة مقابر الصحابة بمنطقة المقطم. وتحديد المقابر التي تضم رفات الصحابة والصالحين. مع إعداد دراسة لرفع كفاءة المقابر ذات الأهمية الأثرية الموجودة بالمنطقة.

وبعد شهر، وتحديدا في 4 مارس، أصدر وزيري قرارًا آخر بتشكيل لجنة برئاسة جمال عبدالرحيم، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة. لمراجعة ما انتهت إليه اللجنة المكلفة بإعداد الدراسة الخاصة بمقابر الصحابة والصالحين الواقعة بمنطقة المقطم.

عقاب جماعي

لم يكمل الأمين العام السابق متابعة ما بدأه على الأرض. إذ سرعان ما تقرر الإطاحة به من منصبه ورفض التجديد له بعد الجدل الكبير الذي سببه إعلانه الخاص برغبته في إعادة كساء (تبليط) هرم منكاورع. فقد جرى الإعلان عن تولي محمد إسماعيل المنصب بدلًا منه بتاريخ 14 مارس من عام 2024.

وجاءت المفاجأة في مستند آخر مؤرخ بتاريخ 19 مارس من الشهر ذاته. عندما قرر رئيس قطاع الآثار الإسلامية آنذاك، أبو بكر عبدالله (تمت إزاحته من منصبه بعد هذه الواقعة بيومين فقط. وتحديدًا في 21 مارس، وتعيين جمال مصطفى بدلًا منه لإدارة القطاع)، مخاطبة الأمين العام الجديد، محمد إسماعيل. يطالبه فيه بالموافقة على تعديل قرار “وزيري” الخاص بمقابر منطقة المقطم، مع إسناد مهمة تسجيل عدد من الأضرحة إلى اللجنة المشكلة.

وتشمل هذه الأضرحة: ضريح ذي النون المصري، والزيلمي، فاطمة العيناء، ابن عطاء السكندري، ابن دقيق العيد، عبدالله بن أبي جمره، محمد ابن سيد الناس. وأخيرًا ضريح أبو السعود العشائري. كما طالب أيضًا بمعاينة مقابر «باب النصر» لتحديد المقابر ذات القيمة التاريخية والأثرية في المساحة الواقعة بين تقاطع شارع نجم الدين وشارع البنهاوي (بعمق 110م وواجهة 114م). وهي المنطقة التي هدمت مقابرها لاحقا لإنشاء جراج ومطاعم. مع إعداد تقرير للعرض على اللجنة المشكلة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 461 لسنة 2024.

لم يُبد جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية، أي نية لتسجيل مقابر «باب النصر». وعندما بدأت أعمال الهدم في أغسطس من العام الماضي، لم تصدر الوزارة أي بيانات رسمية تخص المنطقة. ومع إخفاء الوزارة للمستندات، وازدياد تساؤلات المهتمين بالتراث حول موقف وزارة الآثار. حاول رئيس القطاع تبرير الموقف بالاتصال بالمتخصصين، مدعيا أنه لا يمتلك أي سلطة أو صلاحية للدفاع عن المقابر لكونها غير مسجلة – وفقًا لشهادات متخصصين تحدثوا معنا -. لكنه، في المقابل، لم يشر إلى وجود مستندات رسمية سابقة تشير لضرورة البدء في دراسة المنطقة بالكامل. تمهيدًا لتسجيلها وإنقاذها من أية عمليات هدم.

مذكرة أبو بكر عبدالله بتاريخ 19 مارس 2024 يطالب فيها بمعاينة مقابر «باب النصر» تمهيدًا لتسجيلها
مشهد غير مألوف يفضح قيادات «الآثار»

ظلت وزارة الآثار صامتة طوال الفترة الماضية، حتى أعادت واقعة شطر وهدم قبة «مستولدة محمد علي باشا» الاتهامات إلى الواجهة من جديد. وسرعان ما تناولت وسائل الإعلام العالمية الواقعة. مما دفع الدكتور جمال عبد الرحيم، أستاذ الآثار الإسلامية (الذي كان مكلفًا بتشكيل لجنة برئاسته لمراجعة ما انتهت إليه اللجنة المكلفة. بإعداد دراسة خاصة لمقابر الصحابة والصالحين الواقعة بمنطقة المقطم). لكن ظهوره هذه المرة بدا أنه يهاجم بشكل مبطن القيادات الجديدة للمجلس الأعلى للآثار في مشهد غير مألوف. حيث عرف بدعمه المستمر لقرارات وزارة الآثار طيلة فترة تولي الدكتور مصطفى وزيري.

قرر «عبد الرحيم» تمرير رسالته عبر التلفزيون الألماني، حيث ظهر في تقرير صرح فيه بأن قبة مستولدة محمد علي باشا غير مسجلة في عداد الآثار، قال نصًا: «كان فيه لجنة برئاستي من حوالي 5 أو 6 شهور لتسجيل هذه الآثار، ولكن بسبب ظروف تغير القيادات (الوزارة)، اللجنة وقف نشاطها وإن شاء الله سوف تعود».

كشف حديث «عبد الرحيم» عن حدة الصراعات داخل المجلس الأعلى للآثار، خصوصا ما يتعلق برفض القيادات الجديدة استكمال خطوات تسجيل المقابر التاريخية.

تجميد اللجنة!

في المقابل، حصل «باب مصر» على مستند آخر، وهو عبارة عن قرار اعتذار رانيا الشيوي، مدير عام منطقة آثار الإمام الشافعي، عن منصبها في أغسطس من العام الماضي. وقد رفعته للأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، محمد إسماعيل. موضحة فيه العديد من المشاكل والمضايقات التي تتعرض لها داخل المنطقة الأثرية. فضلًا عن تجاهل خطاباتها التي تطالب فيها بتسجيل المقابر الواقعة في منطقة الإمام الشافعي. (بعد اعتذارها عن منصبها قرر محمد إسماعيل عدم قبول الاعتذار. حيث لا تزال في منصبها حتى وقتنا هذا).

جزء من خطاب رانيا الشيوي للأمين العام يفيد بتجاهل قرارات تشكيل لجان لتسجيل مقابر باب النصر وغيرها من مقابر
جزء من خطاب رانيا الشيوي للأمين العام يفيد بتجاهل قرارات تشكيل لجان لتسجيل مقابر باب النصر وغيرها من مقابر

ووفقًا للمستند الرسمي، كشفت رانيا الشيوي “الحلقة المفقودة” في أسباب تجاهل وزارة الآثار لتسجيل مقابر «باب النصر». فقد أوضحت في خطابها لمحمد إسماعيل أن حوارا دار بينها وبين الدكتور ضياء زهران، رئيس الإدارة المركزية للقاهرة والجيزة. بشأن معاينة وتسجيل مقابر «باب النصر». إلا أنه –وفقًا لروايتها- أبلغها بأن لجنة الأمين العام السابق قد «جُمدت». وهو ما يتفق مع الرواية التي ذكرها جمال عبد الرحيم في حديثه للتلفزيون الألماني.

وأشارت «رانيا» في خطابها إلى تفاصيل ما جرى بينها وبين «زهران». موضحة أنها اعترضت على حديثه، قائلة: «اللجنة تُلغى بقرار أو بتأشيرة من الأمين العام. وأن المنطقة لابد من إفادتها رسميًا بتوقف أعمال اللجنة «الهامة»، التي ضمت أيضًا في قرارها الجزء الخاص بمقابر باب النصر».

قيمة جبانة باب النصر

ووفقًا  للدكتورة جليلة القاضي، أستاذ التخطيط العمراني بجامعات باريس، والتي أجرت العديد من الدراسات حول مقابر باب النصر، فإن جبانة باب النصر تعد ثاني جبانة ظهرت في القاهرة منذ «الفتح» العربي. وقد أنشأها الفاطميون. ويقال إن بدر الجمالي دفن فيها، وأن ضريحه الحالي هو نفسه ضريح الشيخ يونس. وقد عرفت تاريخيًا كمدفن لكبار المتصوفة والعلماء، مثل: ابن خلدون والمقريزي.

وكان المهندس إيهاب حنفي، المنسق العام لصندوق التنمية الحضرية والمتحدث باسمه، قد ذكر في تصريح سابق أن الجراج المزمع تنفيذه محل المقابر سيقام بعمق 100 متر، وبواجهة خارجية تبلغ حوالي 120 مترا. كما سيتم استغلال الكتل المعمارية في الواجهات لاستخدامها كمطاعم لخدمة زوار المنطقة، ومن خلفها الجراج المزمع تنفيذه.

اقرا أيضا:

الحكومة تزيل «الفلكي» في ذكرى رحيله الـ140

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. منفضل اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.