تجاهل التراث: إزالة مدفن محمود سامي البارودي تثير التساؤلات

شهدت مقابر القاهرة التاريخية، أمس، إزالة مدفن الشاعر والوزير الأسبق محمود سامي البارودي، الذي يعود تاريخه لأكثر من 120 عامًا. تُعد هذه المقبرة جزءا من نسيج القاهرة التاريخي، لكن هدمها أثار العديد من التساؤلات حول دور وزارتي الأوقاف والثقافة في الحفاظ على التراث.
قرارات سابقة بوقف الهدم
يتعارض قرار الهدم، مع تصريحات سابقة للدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، في أكتوبر الماضي، حيث أكد أن التوجه العام لجميع المسؤولين في الحكومة هو الحفاظ على الآثار سواء كانت مسجلة أو مبان تراثية ذات قيمة.
وأضاف مدبولي في – تصريحاته السابقة – أن ما حدث من هدم بعض المباني بمنطقة مقابر الإمام الشافعي وغيرها تم التوجيه بوقفه فورا، مع التأكيد على احترام المباني ذات القيمة وعدم المساس بأي مبنى ذو قيمة فنية أو معمارية. كما أكد حينها أن أي إجراء تم خلال الفترة الماضية وأحدث جدلا أو سوء فهم أو تجاوز لن يتكرر في الفترة المقبلة.
مدفن محمود سامي البارودي
بحسب جريدة “الوقائع المصرية” – العدد 74 في 29 مارس 2023، فقد صدر عن محافظة القاهرة – المنطقة الجنوبية، ولجنة الطراز المعماري المتميز بيان بأسماء المقابر والعقارات المطلوب إضافتها ضمن سجلات المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز. وكان من بينها مدفن محمود سامي البارودي، وحمل رقم التوثيق (04240000198).
أُدرج مدفن محمود سامي البارودي بمنطقة الطحاوية في سبتمبر الماضي ضمن المدافن المدرجة كتراث حضاري داخل نطاق الإزالة، ولكن لم يتم إزالته.
هدم المدفن
روى شاهد عيان – رفض ذكر اسمه- كواليس هدم المقبرة. وقال”: “تم نقل الرفات من المقبرة قبل 3 أشهر، كذلك نُقلت التراكيب الخاصة بمقبرته”. وتابع لـ” باب مصر”: “أن مدفن محمود سامي البارودي يقع في جزء ابن الفارض، الذي أزيلت مقابر أخرى أيضا مثل مدفن يونس صبري، ومدفن إبراهيم بك حليم”.
وأشار إلى ثلاثة مبان لم تهدم حتى الآن، وهي مدفن محمود الفلكي، ومدفن رشوان عبدالله، ومدفن الخازندارة، حيث سيتم فكهم ونقلهم.
دور الجهات المعنية
من جانبه ندد د. محمد حمزة الحداد، عميد كلية الآثار ومساعد رئيس جامعة القاهرة الأسبق، بهدم مقبرة محمود سامي البارودي، وقال لـ “باب مصر”: “كيف يتم الهدم رغم تصريحات رئيس الحكومة قبل أشهر بوقف الهدم؟”. وأضاف: “الأزمة ليست هدم مقبرة البارودي فقط، بل إزالة مقابر أخرى أيضا بالمنطقة، فهي تمثل تراث 150 سنة من الحضارة المصرية ومن رموز النخب المصرية التي لا تعوض”.
وعن هدم المدفن التراثي دون تسجيله كأثر، وكذلك خروجه من قائمة المباني ذات الطراز المعماري المتميز، قال: “من المسؤول عن عدم تسجيله كأثر؟ وما الحالة المستجدة التي طرأت على المدفن حتى يخرج من قائمة الطراز المعماري. كلها أسئلة لا نجد لها إجابة”. وتساءل عن غياب دور وزارتي الثقافة والأوقاف، قائلا: “القرافة نسيج واحد، وكل المدافن التي هدمت هي وقف. أين دور وزارة الأوقاف ووزارة الثقافة في الإبقاء عليه؟”.
نسيج القاهرة التاريخية
واستكمل الحداد: “نؤكد أننا لسنا ضد الحداثة والتطوير أو التنمية السياحية المستدامة، بل نحن مع مواكبة التقدم وإنشاء محاور مرورية جديدة في إطار التوسع العمراني الذي تشهده القاهرة خلال السنوات العشر الأخيرة. ومع ذلك، لا يمكن أن يتم ذلك على حساب الهوية المصرية التي تمثلها تراثنا التاريخي وثقافتنا العريقة”.
وفي هذا السياق، عبر “الحداد” عن رفضه للقرار رقم 1045 لسنة 2024، الصادر عن المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان في حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، والذي تضمن حذف 10 مدافن من سجل المباني ذات الطراز المعماري المتميز بهدف إزالتها. وقال: “لدينا العديد من البدائل التي تتماشى مع قرارات رئيس الجمهورية واللجنة التي تم تشكيلها، ونحن في حاجة إلى التنسيق بشكل أفضل بين الأجهزة الحكومية والوزارات المعنية من أجل حماية تراثنا”.
وعن تاريخ مقابر القاهرة التاريخية، أضاف: “من المعروف أن هذه المدافن موجودة منذ 1426 سنة. حتى أن مباني مثل قصر محمد علي بنيت فوق مواقع أثرية أقدم منها. وبالتالي فإن هذا يثبت أن هذه المواقع تشكل جزءًا من تاريخنا الثقافي. إذا قمنا بالحفر في أي مقبرة قد نكتشف آثارًا وتحفًا هامة. بما في ذلك شواهد القبور التي تعد جزءًا من تراثنا”.
ولفت إلى أزمة سرقة شواهد القبور بواسطة مجهولين، موضحا: “الأمر الأخطر هو أن العديد من التحف الأثرية قد تم تهريبها إلى الخارج، وهناك سماسرة يقومون ببيعها عبر المزادات الإلكترونية. من المؤسف أن نجد هذه التحف والآثار تُعرض في صالات المزادات”.

حياة البارودي من الوزارة للنفي
عن حياة محمود سامي البارودي (6 أكتوبر 1839 – 12 ديسمبر 1904). فهو من أصل شركسي من سلالة المقام السيفي نوروز الأتابكي، شقيق برسباي.
التحق بالجيش السلطاني وكان شاعرا محبا للتراث العربي، ويعد أول من كتب مقدمة لديوان شعري في العصر الحديث. وبحسب كتاب “الأعلام من الأدباء والشعراء: محمود سامي البارودي إمام الشعراء في العصر الحديث”. للشيخ كامل محمد عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت. التحق البارودي بالجيش السلطاني، ثم عمل بوزارة الخارجية. ولاحقا شارك في حرب الدولة العثمانية بمصر ضد روسيا ورومانيا وبلغاريا. وبعد عودة الحملة إلى مصر حصل على رتبة لواء.
وفي عام 1879 أصبح وزيرا للمعارف، ثم وزيرا للأوقاف. وفي عام 1881 أصبح وزيرا للحربية، وفي عام 1882 تولى رئاسة النظارة ونظارة الداخلية. وأطلقت على وزارته “وزارة الثورة”. وكان أحد زعماء الثورة العرابية، وتطورت الأحداث وحُكم على البارودي بالإعدام. ثم خفف إلى النفي المؤبد إلى جزيرة سرنديب بسريلانكا، حيث ظل هناك أكثر من 17 عاما. وبعد عودته إلى مصر، فتح بيته للأدباء والشعراء، مبتعدا عن السياسة حتى وفاته.
اقرأ أيضا:
مقبرة محمود سامي البارودي وقبة ومسجد «الفلكي» على قوائم الهدم خلال أيام